الرياض – لفتت مصادر سياسية خليجية إلى أن خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب للعالم الإسلامي يكشف عن تبدل كامل في مقاربة الإدارة الأميركية للدول الإسلامية في العالم، كما يكشف عن انقلاب في خطاب ترامب نفسه مقارنة بلهجة مثيرة للجدل تبناها أثناء حملته الانتخابية.
وربط ترامب أهداف الولايات المتحدة بعاملين: الأول النفوذ الإيراني في المنطقة عبر ميليشيات طائفية تعمل لعقود على زعزعة استقرارها، والثاني جماعات متشددة تحظى بتمويل ودعم من دول إقليمية، ويذكي نار صراعات تعصف بالشرق الأوسط.
ودعا الرئيس الأميركي الأحد في الرياض كل الدول إلى العمل معا من أجل “عزل” إيران، متهما إياها بإذكاء “النزاعات الطائفية والإرهاب”.
وقال ترامب أمام قادة دول عربية ومسلمة “من لبنان إلى العراق واليمن، إيران تمول التسليح وتدرب الإرهابيين والميليشيات وجماعات متطرفة أخرى تنشر الدمار والفوضى في أنحاء المنطقة”.
وأضاف الرئيس الأميركي “على مدى عقود أشعلت إيران نيران النزاع الطائفي والإرهاب”.
وترامب من أكبر المعادين لجماعات الإسلام السياسي والداعين لمواجهته على مستوى عالمي. وحول الرئيس الأميركي تقليص النفوذ الإيراني ومحاربة جماعات الإسلام السياسي والمتشددين إلى دعامتين لبناء الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وفي خطابه في الرياض لجأ إلى استخدام لهجة حادة وشاملة عندما قال إن على دول المنطقة أن “تواجه وبأمانة التشدد والإسلاميين والإرهاب الإسلامي بكل أشكاله”.
واعتبر ترامب أنه “لا يمكن لدول الشرق الأوسط أن تنتظر القوة الأميركية لسحق هذا العدو نيابة عنهم. سيكون على دول الشرق الأوسط أن تقرر شكل المستقبل الذي تريده لنفسها، لدولها، ولأطفالها”.
الرياض – زارت السيدة الأولى في الولايات المتحدة ميلانيا ترامب مركز سيدات الأعمال في الرياض للاطلاع على دور النساء السعوديات في النشاط الاقتصادي.واطلعت زوجة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على جانب من خطة إصلاح اقتصادية كبرى تحت مسمى “رؤية 2030”، تسعى من خلالها السعودية إلى دفع أكبر عدد من النساء للعمل.
وطلب ترامب من العالم الإسلامي شراكة لمكافحة الإرهاب دون “إلقاء محاضرات” ودون أن تفرض الولايات المتحدة أسلوب وطرق عيش بلدان المنطقة”. وقال في خطابه إن “معظم ضحايا الإرهاب هم من الأبرياء والمسلمين في بلدان الشرق الأوسط”.
ودعا العالم الإسلامي إلى ضرب الإرهاب، قائلا “أخرجوهم من أماكن عبادتكم. أخرجوهم من مجتمعاتكم”، مضيفا “على كل دولة في المنطقة واجب ضمان ألا يجد الإرهابيون ملاذا على أراضيها”.
وسعى ترامب إلى تجنب أي عبارات استفزازية لمشاعر المسلمين رغم أن خطابه كان مباشرا وواضحا في مسألة التعامل المطلوب لاجتثاث الإرهاب في العالم.
وابتعد خطاب ترامب عن الجانب البلاغي الذي يستند على تمنيات شكلية في العلاقة بين الولايات المتحدة والإسلام والمسلمين، الذي كان نهجا اتخذه خطاب الرئيس السابق باراك أوباما في جامعة القاهرة عام 2009.
كما تجنب لهجة خطاب أوباما الاستعلائية في إعطائه الدول دروسا في كيفية إدارة بلدانها على النحو الذي ظهر جليا في مقابلة شهيرة مع صحيفة “أتلانتيك” الأميركية كان عنوانها “عقيدة أوباما”.
واختار ترامب، الذي يعاني من ضغوط داخلية تتزامن مع تحقيقات تجرى حول علاقة روسيا بحملته الانتخابية ويعاني من تراجع صورته كزعيم لأكبر دولة في العالم، السعودية كأول دولة يزورها منذ دخوله البيت الأبيض كي يقارب العالم أجمع من قواعد استراتيجية تستند على تحالف أميركي مع السعودية ودول الخليج مطيحا بأي لبس سابق.
وسعى ترامب أيضا إلى تأسيس شراكة مع العالم الإسلامي برمته كنهج جذري لمكافحة الإرهاب، قبل أن يناقش الأمر مع شركائه في حلف الأطلسي في بروكسل (25 مايو) وفي مجموعة الدول السبع الكبرى في صقليا (26-28 مايو).
وقبل إلقاء خطابه الجريء، عقد ترامب قمة خليجية أميركية بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي. وشارك في القمة إلى جانب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وترامب، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، والشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت، وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، وفهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس مجلس الوزراء بسلطنة عمان.
وهذه هي ثالث قمة خليجية أميركية بعد قمة كامب ديفيد 2015، وقمة الرياض 2016. وتصدرت أجندة مباحثات القمة تدخلات إيران في شؤون المنطقة، والأزمة اليمنية
وأعلن الملك سلمان، خلال كلمته الأحد، عن إطلاق “المركز العالمي لمكافحة التطرف”. وقال إن “إيران هي رأس الإرهاب العالمي.. ولكننا لا نأخذ الشعب الإيراني بجريرة نظامه”.
واعتبر أن “النظام الإيراني وحزب الله والحوثيين وداعش والقاعدة متشابهون”.
وحمل خطابا العاهل السعودي والرئيس الأميركي عوامل مشتركة تعكس نظرة موحدة لقضايا المنطقة.
ويشكل خطاب ترامب تحولا جذريا في نظرة الإدارة الأميركية، التي كانت تعتمد في السابق على نشطاء يمينيين معادين للإسلام.
وتم تحييد المدافعين عن نظرية “التهديد الإسلامي” داخل الإدارة. وفقد مستشار الرئيس للأمن القومي السابق مايكل فلين منصبه إثر فضيحة التواصل مع مسؤولين روس خلال الحملة الانتخابية، كما تم وضع ستيف بانون، كبير المستشارين الاستراتيجيين لترامب، ومساعده سباستيان غوركا في الظل.
وقال مستشار الرئيس للأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر إن “العالم المتحضر استثنى في السابق الحلفاء المسلمين من خططه لمكافحة الإرهاب، رغم أن هذه الدول مسؤولة عن احتواء المتشددين”.
ولم يقف خطاب ترامب عند فهم طبيعة العالم الإسلامي، بل عكس نضجا لم تدركه الإدارات السابقة رغم الصدام الدامي وانخراط واشنطن في مواجهة الإرهاب منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 على برجي التجارة العالمية في نيويورك.
وتقوم رؤية ترامب على التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى نقل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي إلى مراحل غير مسبوقة.
وقبيل القمة وقعت الولايات المتحدة والسعودية اتفاقات تسليح وعقود تجارية واستثمارية بلغت 380 مليار دولار.
ويقول دبلوماسيون أميركيون إن الشراكة مع منطقة الخليج والعالم الإسلامي لم تعد ترفا مزاجيا بالنسبة لواشنطن، بل أضحت حاجة ملحة تتعلق بأمن الولايات المتحدة نفسها ومصالحها في العالم.
واستخلصت المؤسسة التقليدية في الولايات المتحدة على ما يبدو العبر من خطأ إدارة أوباما في التعويل على مسك العصا من المنتصف بين الخليج وإيران. وتفسر الرؤية الأميركية الجديدة الموقف الحاسم الذي اتخذته إدارة ترامب ضد طهران.
العرب اللندنية