يُشكل الهجوم العسكري ضد قوات تنظيم الدولة الإسلامية في تكريت، العراق، واحدةً من أكثر اللحظات الحاسمة في الصراع الكبير الذي يسود أنحاء المنطقة. ففي يوم السبت، أعلن الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، وأحد كبار الضباط الأمريكيين، أن هناك قوة مشتركة قوامها الميليشيات المدعومة إيرانيًا والقوات الحكومية العراقية من المرجح أن تنتصر على قوات تنظيم الدولة الإسلامية في هذه المعركة، وأن المتشددين الإسلاميين سوف يتم دفعهم خارج المدينة مسقط رأس صدام حسين، قائلًا: “إن عدد القوات هائل جدًا“.
ولكن هناك العديد من الإشارات السيئة، وهي أن هذه الحملة تواجه العديد من المخاطر، كما أن هناك مخاوفَ من أنّ تأثيرها قد يُحدث موجات جديدة من الصراع الطائفي، فضلًا عن عملية إعادة التوازن على المدى الطويل للقوى السياسية في المنطقة.
وتعتبر هذه الحملة، والتي دخلت أسبوعها الثاني يوم الأحد، هي أول محاولة جادة لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من منطقة سنيّة سيطرت عليها منذ بدء الهجوم العسكري للجماعة في العراق في يونيو الماضي. وعلى الرغم من الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة منذ الصيف الماضي؛ إلا أن الجماعة المسلحة قد واجهت القليل من الضغط فيم يمكن وصفه بمعاقلها، مثل الموصل، والفلوجة، والرقة، ودير الزور. ولذلك، فإن هجوم تكريت يعتبر تطورًا حَرِجًا سوف يتم رصده عن قرب وبقلق من قِبل جميع من يشارك في الصراع تقريبًا. كما يعتبر هذا الهجوم هو أول جهد كبير تقوم به القوات الموالية للحكومة دون استشارة الولايات المتحدة والدول أعضاء التحالف الدولي. وتثير هذه الحقيقة الأخيرة الكثير من علامات الاستفهام حول هذه الحملة.
وتُصوّر الحكومة العراقية الحملةَ على أنها جهد وطني تقوده قوات الأمن ويتضمن الآلاف من مقاتلي العشائر السنية، كما تدّعي أيضًا أن تكريت كلها ليس بها مدنيون.
ولكن هذه المزاعم الحكومية ليست دقيقة تمامًا. فقد تعاونت مع الحشد الشعبي، وهو المظلة المنظمة للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، في أعقاب استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في شهر يونيو، ليكون البديل الفعلي في الواقع للجيش في القتال ضد الجماعة الإرهابية وهو يقود الهجوم الآن. وإذا ما كان هناك أيّة قوات سنية مشاركة في الهجوم، وبغض النظر عن أعدادها؛ فإنها تجيء في المؤخرة على أحسن الأحوال.
أما فيما يتعلّق بالمزاعم المتعلقة بالمدنيين، فإنّها مثيرة للقلق بشكل خاص. حيث يمتلك الحشد الشعبي سجلًا حافلًا بانتهاكات حقوق الإنسان والتطهير الطائفي والعرقي بحسب ما وثقته منظمة هيومان رايتس ووتش. وبدلًا من أن تركز الحكومة على أن تُظهر أن سكان تكريت من المدنيين قد غادروا المدينة، يجب عليها أن تركز على ضمان عدم ارتكاب ممارسات انتقامية ضد المدنيين من قِبل هذه الميليشيات المشهورة بسوء سمعتها في تكريت.
وقد انتشر مقطع فيديو على مدار الأسبوع الماضي يُظهر قوات تزعم أنها موالية للحكومة، وهي تقتل صبيًا صغيرًا. وهناك الكثيرُ من المخاوف من أن مثل هذه الممارسات سوف تحدث على نطاقٍ واسعٍ في أثناء الهجوم الذي من المرجح أن يستمر لمدة أسابيع إن لم يكن لمدة شهور. وتتزايد هذه المخاوف بسبب نقطتين أساسيتين يروج لهما الحشد الشعبي:
الأولى، أن عددًا من الميليشيات الشيعية يصوّر هجوم تكريت على أنه انتقامي ردًا على مجزرة معسكر سبايكر التي حدثت في الصيف الماضي عندما قتلت الدولة الإسلامية 1566 فردًا على الأقل من قوات سلاح الجو العراقي، عندما حاولت القوات العراقية استعادة تكريت من أيدي الجماعة.
والثانية، تحذير الميليشيات الشيعية من أنهم سوف يولون غضبًا خاصًّا “للمتعاونين” من السنة مع الدولة الإسلامية؛ مما يؤدي إلى تصاعد لهجة التطهير العرقي والطائفي.
ويبدو أن الهدف من الحملة سياسيًا أكثر منه تكتيكيًا؛ حيث إنّ الانتصار في تكريت سوف يعزز من موقف الحشد الشعبي في العراق بصورة كبيرة سواء سياسيًا أو عسكريًا أو ماليًا. والدافع المحتمل من وراء ذلك؛ هو أنّ الحشد الشعبي يعلم أن القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق السنيّة في تكريت سوف يكون فوزًا سياسيًا كبيرًا. فعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، كان الحشد الشعبي هو محور الجدل في العراق على المستوى الاجتماعي والسياسي، وهي الميليشيات التي شكلت جوهر التنظيم والتي دُفعت نحو الاندماج مع مؤسسات الدولة وعارضت تشكيل “حرس وطني” والذي كان من شأنه أن يسلح ويمول مقاتلي العشائر السنية.
كما بدأ أيضًا الكثير من مقاتلي الحشد الشعبي يفقدون شهيتهم في القتال خارج مناطقهم، إما بسبب أنهم لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهور أو بسبب أنهم يرون أن هناك حاجةً أقلّ لحشد وطني ضد تنظيم الدولة الإسلامية بفضل وجود الغارات الجوية الغربية، وترسيم الحدود الواضح لكل من الأكراد والدولة الإسلامية والميليشيات الشيعية على مدار الأسابيع القليلة الماضية، حيث تمّ احتواء الدولة الإسلامية داخل المناطق السنية إلى حدٍّ كبير. ومن المهمّ أن نتذكر أن الكثير من الشيعة يرون أنه ليس من مهمتهم تحرير المناطق السنيّة من الدولة الإسلامية.
ومن المرجّح أن يطول القتال ضد الدولة الإسلامية في تكريت، وأن يأتي بنتائج عكسية. وإذا ما أثبتت الدولة الإسلامية قدمًا راسخةً في تكريت، وكانت قادرة على الحفاظ على أراضيها؛ فربّما يدفع ذلك الشيعة إلى التشكيك في منطق القتال في تكريت، خاصةً إذا ما تزايدت أعداد الضحايا. وتقول التوقعات إنّ المعركة ستكون قصيرة وحاسمة، وهو أمر غير مرجّحٍ.
التباطؤ في هذه المعركة قد يُطيل أيضًا من تدخل التحالف الدولي في الصراع، وهو على الأرجح ما تعول عليه قوات الحشد الشعبي وأنصارها الإيرانيون. ومنذ أن كان واضحًا لأولئك الموجودين على أرض المعركة أن قوات الحشد الشعبي قد بدأت الهجوم، فقد ظلّت المنظمة المدعومة إيرانيًا تدّعي الفضل في أيّ انتصار. وتكمن حساباتهم في أنّ واشنطن سوف تفقد الأمل في مثل هذا الفوز الكبير ضد الدولة الإسلامية قبل بدء الهجوم ضدها في الموصل، وبالتالي سوف تستمرُّ الولايات المتحدة في توفير الغطاء الجوي دون الحصول على شرف المبادرة.
وبغضّ النظر عن الفائز في القتال، وبالنسبة لبعض السنة في العراق وخارج العراق؛ فإن الحقيقة القائلة بأن الجنرالات الإيرانيين يقودون هجومًا يسيطر عليه الشيعة في المدينة السنية مسقط رأس صدام حسين وبدون مشورة الأمريكيين هو أمر مقلق جدًا لهم. حيث إنّ طرد الدولة الإسلامية من المناطق الشيعية أو المناطق المختلطة بين السنة والشيعة هو أمر يمكن فهمُه. ومع ذلك، فإن إطلاق حملة من جانب واحد يشوبها الانتقام في المنطقة السنية بواسطة الميليشيات الطائفية ذات السجل الحافل بممارسات التطهير سوف يتم النظر إليه حتمًا على أنه عملية قصاص.
وإذا ما كان تاريخ القتال ضد الدولة الإسلامية ونتائجه السابقة يمكن أن نأخذ منه درسًا، فسوف يكون: الدولة الإسلامية يمكن هزيمتها فقط من الداخل بواسطة السنة. وعلى سبيل المثال، بعد غزو العراق عام 2003، تم دكّ مدينة الفلوجة وتسويتها بالأرض مرتين على الأقل من أجل هزيمة المسلحين السنة هناك، ولكن اليوم الدولة الإسلامية الأكثر خطورة تسيطر على المدينة.
والفكرة القائلة بأن الهجوم على مدينة تكريت جهودٌ وطنيةٌ، ما هي إلا خرافة. وفي حين أن التحالف الدولي يتم إغراؤه برؤية الدولة الإسلامية مهزومة أخيرًا في أحد معاقلها، فسوف يبذل الجهود لتجنب ما يبدو أنه الطريق الأسهل.
وسوف تستفيد الدولة الإسلامية من هجوم تكريت، حتى إذا خسرت عسكريًا، طالما أن المنتصرين هم ميليشيات طائفية تتصرف بسلوك مشابهٍ. ومن الصعب هزيمة الدولة الإسلامية في تكريت، ولكنه ليس مستحيلًا. والنتيجة الأكثر احتمالًا هي أنه سوف يتم تدمير المدينة.
ولكن هزيمة الدولة الإسلامية في تكريت لن تساعد في حرب الموصل، بل على العكس من ذلك، فسوف يقنع هذا الأمر المجتمعات السنية بأن العيش في ظل الدولة الإسلامية أفضل من البديل الأسوأ.
التقرير