قاسم سليماني: المحتوى الطائفي في صورته العسكرية

قاسم سليماني: المحتوى الطائفي في صورته العسكرية

“لطالما كانت الأناشيد الحماسية جزءًا من الذاكرة الجهادية، واليوم أصبحت هذه الأناشيد تحمل دلالة أوسع في سياق الحرب الإعلامية المقدسة!“.

في إشارة جديدة إلى الوجه الطائفي البغيض الذي تخوض به الميليشيات الشيعية الإيرانية والعراقية الحرب في كل من العراق وسوريا تحت قيادة الجنرال قاسم سليماني، أصدر “الإعلام الحربي” -كما يُسمون أنفسهم- لحركة النجباء الشيعية أنشودة جديدة تنطوي على العديد من الرسائل ذات الطابع الطائفي في المقام الأول، وهي الممارسة الإعلامية التي يمكن أن نعتبرها ممارسة مضادة لما تقوم به الأذرع الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية في إطار السياق الإعلامي للحرب بينهما.

ومما جاء في هذه الأنشودة الجديدة: “هذا سليماني وريث الأنبياء، منا ونفتخر سويًا بالولاء.. سليماني: يا قاصم ظهر المرتدين، سليماني: يا ذكرى ثورات الماضين.. يا جمرةً ما أُطفئت من كربلاء، فنزلت فوق الظالمين كما البلاء.. سليماني: لا صوت على صوتك يعلو، سليماني: أكرِم برجالك ما فعلوا”.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها مقاتلو الميليشيات الشيعية بإنتاج مثل هذه الأناشيد التي تثمن من مشاركة الدور الإيراني في سوريا والعراق، والمتمثل في قوات فيلق القدس بقيادة سليماني، وهو الجناح العسكري المسؤول عن العمليات الخاصة خارج إيران. في حين تنفي إيران دائمًا بصورة رسمية مشاركتها العسكرية في كلا البلدين.

وقد جاءت الأنشودة الجديدة أقل طائفية وحقدًا من سابقتها: “أخو سلمان ونريده، أمان المذهب بأيده، لأن من الله تسديده. سليماني.. رجل مشهود، العزم بارود، قال النصر للشيعة.. هذا ابن الولاية اسألني عنه، من أصحاب الحسين ويمه جنه، شهيد الحي يُسمى خامنائي، بديه النار لكن كله جنة”.

وعلى الرغم من كون سليماني لم يكن معروفًا بالنسبة للكثيرين في المنطقة وحتى في الشارع الإيراني في السنوات السابقة، إلا أنه بات اليوم محور حديث وكالات الإعلام الفارسية. وقد كان بزوغ الدولة الإسلامية في يونيو من العام الماضي هو التحدي الأكبر للجنرال الإيراني صاحب الدور المؤثر لأكثر من عشر سنوات في السياسة الإيرانية، منذ توليه قيادة فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني. وفي غضون ساعات من سقوط الموصل في أيدي الدولة الإسلامية، وفي رد فعل سريع للغاية وصل سليماني الى بغداد؛ حيث قبع في إقامة شبه دائمة هناك، في منزل عضو بارز من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان العراقي.

ومن هناك، قام بالتنسيق للدفاع عن بغداد، وحشْد الميليشيات الشيعية واحتشد له العديد من الوكلاء في المجلس التشريعي الوطني، وقام أيضًا بالسفر إلى الشمال لإعداد الأكراد عندما كانت أربيل مهددة من جانب الدولة الإسلامية في العراق والشام في أغسطس، وقام بتطويع الجنود والطياريين الإيرانيين الذين انتشروا في العراق في غضون ساعات من صولة الدولة الإسلامية في العراق والشام. وقد كان الجنرال سليماني في نظر القوات الشيعية العراقية والداخل الإيراني أيضًا هو الرجل الوحيد الذي يمكنه مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية لكونه قائد إحدى أبرز الوحدات الخاصة النخبوية في الحرس الثوري الإيراني.

وقد كان سليماني مفوّضًا لأكثر من عِقد لتصدير قيم الثورة الإسلامية 1979 وللدفاع عن مصالحها في أي مكان. وكانت أساليبه تعتمد على مزيج من التدخل العسكري من خلال وكلاء أيديولوجيين والاستراتيجيات الدبلوماسية الصارمة. وقد امتد تأثيره من اليمن؛ حيث يقاتل الحوثيون النظام  إلى الشرق ولبنان، حيث يوجد حزب الله على الحدود الشمالية لإسرائيل وهو على قمة جدول أعمال فيلق القدس. وتأكيدًا لذلك؛ فقد صرح الجنرال سليماني في الاحتفالات الأخيرة لذكرى الثورة الإيرانية قائلًا: “نرى اليوم إشارات الثورة الإسلامية يتم تصديرها إلى جميع أنحاء المنطقة، من البحرين إلى العراق، ومن سوريا إلى اليمن وشمال إفريقيا”.

وعندما سئل السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، عن طبيعة العلاقات مع الجنرال سليماني؛ أجاب قائلًا: “الحاج سليماني هو قائد قوة القدس، وقوة القدس مهمتها شو؟ مهمتها الأساسية هي مساعدة حركات المقاومة في المنطقة، وفي طليعة حركات المقاومة بالمنطقة موجود حزب الله، فمن المنطقي جدًا أن يكون الأقرب والأوثق والأعرف في العلاقة معه. وفي النهاية تشكل قوة القدس الخط الأمامي أو رأس الحربة في حركة الجمهورية الإسلامية وقدرتها على إسقاط المشاريع ومساعدة حلفائها في المنطقة”.

وفي تقرير نشرته الـ BBc، ذكرت أن القائد الأبرز لفيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني نشأ من حياة في الظلال، مُوجهًا العمليات السرية خارج إيران تقريبًا من أجل تحقيق المجد في إيران. الرجل الذي لم يكن يعرفه معظم الإيرانيين في الشارع حتى سنوات قريبة مضت، أصبح الآن موضوعًا للمواد الوثائقية، والتقارير الإخبارية، وحتى الأغاني الشعبية. أحد الفيديو كليبات المنتشرة على نطاق واسع في إيران تم إنتاجه بواسطة مقاتلي الميليشيات الشيعية في العراق. ويُظهر هذا الفيديو الجنود وهم يرسمون بورتريهًا لوجه الجنرال على الحائط ويمرون في استعراض أمامه مع وجود موسيقى حماسية في الخلفية.

وحاليًا يوجد الجنرال نفسه في محافظة صلاح الدين، شمال العراق، لقيادة الميليشيات العراقية والشيعية؛ في محاولة لاستعادة مدينة تكريت من الدولة الإسلامية. وقد نشرت وكالة أنباء فارس الإيرانية صورًا له مع القوات الموجودة هناك، وأخبرت مصادر شيعية في العراق الـ BBC الفارسية أنه كان موجودًا هناك لبعض الوقت من أجل مساعدة العراقيين في التحضير لهذه المهمة.

 وليست هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها الجنرال سليماني الجهاديين؛ ففي سوريا المجاورة كان له الفضل بشكل رئيس في تقديم الاستراتيجية التي ساعدت الرئيس بشار الأسد في تحويل مسار الأمور ضد قوات الثوار، واستعادة المدن والبلاد الرئيسة.

ودائمًا ما كانت تنكر إيران نشر قواتها على أرض سوريا والعراق، ولكن بين الحين والآخر تُقام الجنازات العامة لقوات الأمن و”المستشارين العسكريين” الذين قتلوا في هذين البلدين. وقد أعطى قاسم سليماني أهمية لحضور بعض هذه المراسم.

ما وراء الكواليس

ربما تكون إيران والولايات المتحدة عدوين لدودين على المستوى الأيديولوجي، ولكن مهاجمة الدولة الإسلامية في العراق قد أدت إلى تعاون غير مباشر بين كلا البلدين. وقد سلك هذا المسار الجنرال سليماني من قبل.

في عام 2001، قدمت إيران معلومات استخباراتية عسكرية للولايات المتحدة من أجل دعم تدخلها للإطاحة بحركة طالبان في أفغانستان. وفي عام 2007، أرسلت واشنطن وطهران ممثلين لهما إلى بغداد من أجل محادثات مباشرة بشأن تدهور الوضع الأمني هناك.

بزغ نجم الجنرال سليماني من خلال توجيه الهجوم المضاد على الدولة الإسلامية في العراق

في ذلك الوقت، كان رئيس الوزراءالعراقي الأسبق “نوري المالكي” يخوض معركة تصاعد العنف الطائفي. وفي مقابلة وثائقية أجرتها الـ BBc الفارسية منذ عامين، أشار السفير الأمريكي السابق في العراق “ريان كروكر” إلى الدور الحيوي الذي يلعبه الجنرال قاسم سليماني من وراء الكواليس في محادثات بغداد.

وقال ريان كروكر: “لقد دعا السفير الإيراني في العراق مرارًا إلى فترات استراحة. ولم أستطع أن أتبين حينها تمامًا لماذا يطلب استراحة، ثم اكتشفت بعد ذلك أنه كلما قلت شيئًا لم يكن هو قد غطاه في نقاطه، كان بحاجة إلى الاتصال مرة أخرى بطهران من أجل طلب المشورة؛ لقد كان مسيطرًا عليه بشدة، لقد كان على الجانب الآخر من الهاتف قاسم سليماني”.

وقد أحس السيد كروكر أيضًا بتأثير سليماني عندما شغل منصب سفير الولايات المتحدة في أفغانستان. حيث ذكر لهيئة الإذاعة البريطانية: “أوضح المُحاورون الإيرانيون في أفغانستان أنهم يُطلعون وزارة الخارجية على جميع الأمور، إلا أنه في نهاية المطاف كان الجنرال سليماني هو الذي يصنع القرارات”.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، بات دور الجنرال سليماني أكثر علانية فيما يتعلق بالشؤون الخارجية الإيرانية. حيث لم يعد الشخصية المختفية في نهاية الطرف الآخر من خط الهاتف. وفي هذه الأيام، أصبح وجه الفخر لإيران، والرجل الذي يلجؤون إليه عندما تحدث الأزمات.

نقد لاذع

وفي الشهر الماضي، في مهرجان فجر السينيمائي المرموق في طهران، أهدى أحد الفائزين جائزته إلى الجنرال سليماني. وقد تم الإعلان أنه سيكون واحدًا من المشرفين على إنتاج فيلم جديد تقوم به إيران حول خصمها القديم صدام حسين. ولكن ليس كل أحد سعيدًا بالصعود الصاروخي للجنرال.

في شهر ديسمبر 2014، خلال قمة حوار المنامة للأمن، كان هناك تبادل حاد في الرؤى بين المشاركين الكنديين والإيرانيين حول دور الجنرال سليماني. وقد وصف جون بيرد، وزير الخارجية الكندي في ذلك الوقت، سليماني بأنه “وكيل الإرهاب في المنطقة، متنكرًا في زي بطل” ويقاتل الدولة الإسلامية. وهب المتحدث السابق باسم وفد المفاوضات النووية الإيرانية، حسن موسيان، مدافعًا ومتهمًا الوزير “بقضاء الوقت في القصور والفنادق الفارهة، في حين يعرّض الجنرال سليماني حياته للخطر في محاربة إرهابيي الدولة الإسلامية”.

وفي داخل إيران، بدأت حملة بين المدونين المحافظين لدخول الجنرال سليماني إلى الشأن السياسي. ووصفوه بأنه أكثر السياسيين الإيرانيين صدقًا وأقلهم فسادًا، ودعوه إلى خلع سترته العسكرية والترشح للرئاسة في عام 2017. وحتى النائب الأول للمتحدث باسم البرلمان الإيراني قام بتقديم دعمه لهذا الأمر.

ومنذ ثلاثة أشهر، قال محمد رضا بهنار: “إن تحليله السياسي ليس أقل مستوى من المرشد الأعلى الإيراني، أو حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني”. ولكن ليس جميع الإيرانيين يشاركونه هذا الحماس، حيث شعر بعض النشطاء السياسيين بقلق عميق من احتمالية سيطرة قادة الحرس الثوري على القصر الرئاسي. وقد أشارو إلى مصر حيث استعاد الجيش السيطرة على مقاليد الأمور، محذرين من أن الجنرال الذي يحارب الدولة الإسلامية الآن، من الممكن أن يتحول إلى “السيسي” الإيراني.

وختامًا، بعد مسيرة حافلة للجنرال قاسم سليماني، تعتبر كلها على المحك الآن بالنسبة له، ففي سوريا على الرغم من رجحان جانب الأسد إلا أن الأمر لم يحسم بعد ولا يمكن أن يكون طالما أن تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على 800 ميل مع حدودها مع العراق. وفي داخل العراق فإن الانتصارات التكتيكية التي حققتها الميليشيات والقوات النظامية لم تفعل شيئًا لتغيير الواقع القائل بأن الجيش العراقي لا يمكنه أن يتقدم ويسيطر على الأرض بدون الكثير من المساعدة.

التقرير