في 25 شباط/ فبراير، أجرى «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني في مضيق هرمز مناورات “الرسول الأعظم 9” البحرية التي طال انتظارها، وذلك بمهاجمة نموذج من حاملة طائرات أمريكية قبالة جزيرة لارك. وقد تمّ استعراض القوة المذهل في ممرّ مائي يلعب دوراً استراتيجياً ومعنوياً في السياسة العالمية وأسواق الطاقة. ولم يحاول الإيرانيون إخفاء رغبتهم في أن يتم الاعتراف ببلادهم كونها القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة والضامنة لأمن الطاقة في العالم. وفي الواقع، لا يشكل لقب “شرطي الخليج الفارسي” طموحاً جديداً لإيران، فقد ارتبط هذا اللقب باسمها منذ سبعينيات القرن الماضي.
لماذا الآن؟
من المفارقة بمكان أنه بدا أنّ المناورات مصمّمة بالتحديد للتهويل على البحرية الأمريكية في خلال فترة منخفضة التوترات في منطقة الخليج. وفي الواقع، لم تحصل أي حوادث تستحق الذكر في الممر المائي غير المستقر منذ تبوّؤ حسن روحاني سدّة الرئاسة في عام 2013.
ومع ذلك، فإنّ «الحرس الثوري الإسلامي» متعطّش للحصول على فرصة لتذكير الغرب بمن يسيطر على زمام الأمور في الخليج منذ كانون الأول/ديسمبر، عندما أعلنت بريطانيا أنها ستنشئ قاعدة عسكرية دائمة في البحرين فضلاً عن إعلان البحرية الأمريكية أنها اختبرت بنجاح سلاح ليزر مضاد للغزوات ومضاد للطائرات بدون طيار ونشرته على متن فرقاطة مساندة متمركزة في الخليج هي “يو إس إس بونس” USSPonce. وفي السابق، كانت طهران قد نجحت في كبح جماح “الباسدران” [«الحرس الثوري الإيراني»] بسبب اعتبارات سياسية وسط المفاوضات النووية الحساسة، وبالتالي، فإنّ توقيت مشهد الخامس والعشرين من شباط/فبراير يبدو وكأنه يشير إلى تغيّر في الحسابات الاستراتيجية للمرشد الأعلى علي خامنئي – أو، على الأرجح، أنه يشير إلى عامل ضغط جديد، على غرار أسعار النفط الخام المتدهورة.
ويواجه اقتصاد النفط الإيراني التحدّي متعدد الجوانب الأكثر خطورة منذ انخفاض أسعار النفط عام 1986، وتُلقي طهران اللوم على المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لكلتا الأزمتين. وكانت أزمة عام 1986 قد كلّفت إيران – جزئياً – النصر في حربها مع العراق، وتجد طهران أنّه قد تمّ تصميم “الجزء الحالي من هذه السلسلة” مرة أخرى “لجعل إيران تركع” وتخفف من موقفها النووي والإقليمي. وما زالت الرياض وحكومات دول الخليج العربية الأخرى تعتبر نوايا إيران في الشرق الأوسط، بما في ذلك في سوريا والعراق والبحرين والآن اليمن، مهيمنة ومثيرة للقلق.
وفي الوقت الذي يتلقى فيه الاقتصاد الإيراني ضربات قوية نتيجة العقوبات الدولية، تسبّب انخفاض أسعار النفط الخام بتقليص صادرات إيران النفطية إلى النصف مقارنةً بالعام الماضي، وتراجع الدخل من النفط بـقدر 100 مليار دولار في السنوات الثلاث الماضية. وفي 16 شباط/فبراير، أعلن وزير النفط بيجان زنكنه أنّ وزارته في حالة يرثى لها، وسينفد المال المخصص للاستثمار في مشاريع تطوير الحقول النفطية بحلول العام القادم. وغالباً ما تُواجَه هذه التصريحات الصادقة بانتقادات لاذعة من قبل «الحرس الثوري الإسلامي» من خلال “وكالة أنباء فارس” التابعة له، والتي اعتبرت في أوائل شباط/فبراير تعامل زنكنه مع “حرب الأسعار” خاملاً وغير فعال.
وترسم هذه العوامل صورة قاتمة عن الاقتصاد الإيراني، إلا إذا تمّ تحفيز سوق النفط بطريقة أو بأخرى – في ظلّ غياب اتفاق نووي شامل مع الغرب. ومن خلال اعتبار أزمة النفط حرب أسعار، يبدو أنّ «الحرس الثوري الإسلامي» على قدم الاستعداد للحرب، ولييس هناك حرب أقلّ تكلفة من تفجير سفينة وهمية. وبالتالي، يمكن اعتبار المناورات غير المعلنة بأنها خطوةً اتُخذت بأمر من المرشد الأعلى خامنئي، ونُفذت من قبل «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» لتحفيز الأسواق والدفع بسعر النفط الخام إلى الأعلى. وعند انتشار خبر المناورات، شهد مؤشر النفط “برنت” وسلة النفط “أوبك” قفزات حادة قدرها 3 دولارات ودولارين على التوالي. وفي حين أثّرت هذه التدابير على توقعات السوق وتسببت بارتفاع الأسعار في السوق في الماضي، بقيت تأثيراتها مؤقتة – ووفقاُ لما أشار إليه الخبراء، سيحافظ النفط على أسعاره المنخفضة لمدة عام إضافي على الأقل. وبينما تخفّض المملكة العربية السعودية أسعارها للمشترين الآسيويين والأوروبيين إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد من الزمن، فإنه من المتوقع أن تستمر “حرب الأسعار.” وبالتالي قد ينظر «الحرس الثوري الإسلامي» باتخاذ المزيد من التدابير لتحفيز السوق بعد تقييم نتائج مناوراته الأخيرة.
وقد يكون آية الله خامنئي قد اختار أيضاً توقيت هذه المناورات على أساس وضع المفاوضات النووية التي تقترب من مرحلتها النهائية. وقد أعرب المرشد الأعلى مراراً عن شكّه من المحادثات، وربما كان العرض البحري يهدف إلى تذكير المفاوضين الدوليين والإيرانيين بأنه صاحب القرارات. وتظهر مثل هذه الأعمال أنه على الرغم من المفاوضات الجارية والحديث عن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، فإنّ العناصر المتشددة المهيمنة في الجمهورية الإسلامية ما زالت محافظة على عقلية الرابح- الخاسر والأيديولوجية الثورية التي تتمحور حول هزيمة “الشيطان الأكبر” وإقناع حلفاء الولايات المتحدة بأنّ واشنطن غير قادرة على ضمان أمنهم.
بوادر انقسام داخلي
على الرغم من طبيعتها المعقدة كشفت المناورات عن علامات ضعف وانقسام ممكن في صفوف النظام والجيش. على سبيل المثال، من غير الممكن أن لا يلاحظ المرء غياب ممثلين عن المسؤولين الحكوميين والجيش الوطني (“ارتش”) عن حفل الافتتاح – ويمكن تفسير غياب ممثلي المسؤولين كعلامة على استياء روحاني من توقيت التدريبات، في حين يبدو أن غياب ممثلي الجيش هو دليل على انعدام الثقة الكبير بين « الحرس الثوري الإسلامي» والقوات المسلحة الوطنية.
ومنذ حوالى ست سنوات، تلقّت بحرية “ارتش” («قوات البحرية الإيرانية») أمراً بتحويل مركز ثقلها إلى خليج عُمان والبحر العربي بعد تقسيم مسؤولية المناطق الجغرافية بين السلاحيْن البحرييْن في البلاد. وكان ذلك يعني أنّ «حرس البحرية الثوري الإيراني» قد استُبعد من تلك المجاري المائية وجُعلت مهمته تقتصر بشكلٍ فعال ضمن حدود الخليج الفارسي ومضيق هرمز. ولكن عند انطلاق مناورات الخامس والعشرين من شباط/ فبراير، أشار القائد العام لـ «الحرس الثوري الإيراني» اللواء عزيز جعفري على وجه التحديد إلى نيّة «الحرس الثوري» السيطرة على “كلّ من” الخليج الفارسي وخليج عُمان. لا شكّ في أنّ التحول المماثل قد يبعد تمويلاً مهماً عن «قوات البحرية الإيرانية» التي تقاتل بانضباط في السنوات الأخيرة للترويج بأنها “الذراع العسكري الاستراتيجي” لإيران (على سبيل المثال، من خلال حماية الممرات الملاحية من القراصنة الصوماليين وإيفاد مجموعات بحرية إلى البحار البعيدة). ومن الواضح أنّ ذلك سيزيد من الاحتكاك بين المجموعتين.
وعلاوة على ذلك، على الرغم من ادعاء إيران أنّ “قاعدة بندر عباس الجوية” قد وُضعت تحت السيطرة التكتيكية لـ «الحرس الثوري» طيلة فترة التدريبات، من المستبعد جداً أن يكون سلاح الجوّ الوطني مشاركاً في هذه المناورات دون «قوات البحرية الإيرانية» ، بصرف النظر عن عمليات التحليق التي تجمّل العرض. وتبيّن الصور وأشرطة الفيديو من العرض أنه عند إطلاق صاروخ «خليج فارس الباليستي» “المضادّ للدروع” مع الرأس الحربي الوحدوي من شرق مقاطعة جاسك باتجاه ناقلة السفن الوهمية البالغ طولها 200 متر، فشل في تسجيل أي إصابة مباشرة بفارق يصل إلى 50 متراً (على الرغم من أنّ قوّته التفجيرية ألحقت أضرار ملحوظة في هيكل السفينة الثابت). ويؤدّي ذلك إلى “دائرة خطأ محتمل” – وهي عبارة عن منطقة حول نقطة الهدف يتوقع سقوط 50 بالمائة من الصواريخ في محيطها – أكبر بكثير من الأمتار الخمسة التي تمّ ادعاؤها لهذا الصاروخ الموجه. وقد فشلت أيضاً عدة صواريخ أخرى وصواريخ مضادة للسفن بتسجيل إصابات، وتلك التي أصابت السفينة فعلاً لم تتمكّن من إغراقها. ويبدو أنّ العمال الذين بنوا الناقلة الوهمية على مدى عاميْن في بندر عباس قد قاموا بعمل جيد بشكل خاص، لأن الناقلة تلقّت الكثير من القصف ولم تغرق. وكان قائد «حرس البحرية الثوري الإيراني»، الأدميرال علي فدوي، قد تفاخر في وقت سابق بأنّ قواته قادرة على إغراق ناقلة طائرات أمريكية في أقلّ من خمسين ثانية.
المحصلة
إن قيام مزيج من القوة والضعف والتحديات يحدّد مكانة إيران الحالية في منطقة الخليج الفارسي. لقد جمع النظام على ما يبدو ترسانة مذهلة من الأسلحة العصرية التي تلائم طريقته غير المتماثلة في الحرب الدفاعية والهجومية. وقد تكون هذه الترسانة قادرة على تعطيل الملاحة إلى حدّ كبير عبر مضيق هرمز – أو أن تعرقلها مؤقتاً. ولكنّ القيام بذلك سيجعل إيران تخاطر بالدخول في مواجهة أوسع نطاقاً وأطول مدة مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، فضلاً عن إيقاف وصول طهران إلى أسواق النفط وهذا أمر هي بأمس الحاجة إليه. وهكذا، ففي حين أنّ الجمهورية الإسلامية واثقة على نحو متزايد من قدرتها على توجيه ضربة قوية إلى العدو، إلا أنّه يرجح أن تسارع القوى الغربية إلى تشويش وخلخلة جزء كبير من قوات إيران العسكرية التقليدية وبنيتها التحتية الخاصة بتصدير النفط إذا تأزمت الأوضاع وتحوّلت إلى صراع مفتوح.
– The Washington Institute for Near East Policy // // <![CDATA[
window.jQuery || document.write("\x3C/script>”)
// ]]>// <![CDATA[
if ($(window).width()