بعد أكثر من سبع سنوات على آخر عملية وقعت في إيران تعرضت طهران أمس، إلی اعتدائين إرهابيين منفصلين مكانًا ومتزامنين في التوقيت وصفا الأقوى منذ عقود، إذ استهدف ستة انتحاريين، مبنی مجلس الشوری (البرلمان) وضريح الخميني جنوب العاصمة الإيرانية، وأعلن «داعش» مسؤوليته عن الهجومين المتزامنين اللذين أسفرا عن سقوط 12 قتيلاً و24 جريحاً، وذلك في شريط فيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم. ولكن بحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية فإن من قام بهذه العملية هم أكراد إيرانيين من ارومية”أذربيجان” سلفي التوجه.
كما أوضحت وزارة الداخلية الإيرانية في بيان لها أن «مجموعتين إرهابيتين نفذتا هجوماً متزامناً استهدف الأمن والاستقرار في العاصمة». وأشارت إلى أن «شخصين هاجما في الساعة العاشرة والنصف صباحاً (بالتوقيت المحلي)، مرقد الخميني، وفجر أحدهما نفسه بشحنة ناسفة بعد تبادل إطلاق النار مع حراس المرقد، فيما قتل الثاني الذي كان يحمل كيساً يحتوي على 10 قنابل يدوية ومخازن رصاص». وأضاف البيان أن «في الساعة ذاتها هاجمت مجموعة أخرى مبنى مجلس الشورى الذي يقع في ساحة بهارستان وسط طهران». وأفاد شهود بأن المهاجمين الأربعة تنكروا بعباءات نساء وتسللوا إلى المبنى من الباب الشرقي الرئيسي المخصص لدخول المراجعين والموظفين، ثم اشتبكوا مع الحراس وقتلوا أحدهم وجرحوا أربعة آخرين.
ونددت الولايات المتحدة ودول عدة، من بينها فرنسا وروسيا وقطر، باعتدائي طهران، ورأى الكرملين في بيان أن الهجوم المزدوج «يسلط الضوء على الحاجة إلى تضافر جهود الدول في مكافحة الإرهاب، ما يعني العمل في شكل وثيق مع الدول الإسلامية». بينما اتهم الحرس الثوري الإيراني المملكة العربية السعودية بالمسؤولية عن الاعتدائين وتوعد الحرس الثوري بالانتقام من منفذيهما وداعميهما في الوقت نفسه رفض وزير الخارجية السعودي عادل جبير الاتهام قائلًا:”أنه لا دليل عليه”.
بعد سنوات لم تشهد إيران تفجيرات تذكر ضد أهداف استراتيجية في طهران جاء الاعتداء المزدوج على مجلس الشوري”البرلمان” وعلى قبر الخميني في قلب العاعمة الإيرانية، ليطرح أسئلة عدة عن دلالات التوقيت والأماكن المستهدفة. مما لاشك فيه أن الاعتدائين ملفتين جدا من ثلاثة أبعاد، البعد الأول: توقيته حيث وقعا في توقيت حساس أزمة خليجية على مستوى العلاقات وبعد زيارة ترمب للملكة العربية السعودية، واتهام طهران بالإرهاب، وتقهقر داعش في الموصل وسيطرة الحشد الشعبي على المناطق الحدودية مع سوريا وبدء عملية تحرير الرقة من داعش. والبعد الثاني رمزيته باستهداف قبر الخميني وما يمثله من رمزية دينية وثورية ومجلس الشورى “النواب” وما يمثله من رمزية سيادية. أما البعد الثالث: إدعاء داعش وبشكل سريع مسؤوليتها عن الاعتدائين دون أن تقدم أي أدلة بمن قام بهما إذ جرت العادة أن تنشر أشرطة “فيديو” وصور لما يسمى بجنود الخلافة لكنه غاية الأن لم يقدم على ذلك، بالإضافة إلى مسارعة الحرس الثوري وليس الحكومة الإيرانية بتوجيه أصابع الإتهام إلى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية بتدبير هذين الإعتدائين.
إذا استثينا فرضية ما يروج في وسائل التواصل الاجتماعي في معظم الدول العربية بأن ما جرى عملية مسرحية قامت بها الحكومة الإيرانية نفسها، وهذا الأمر من صعب قبوله وتصديق به، إذا حقًا بأن هذين اعتدائين إرهابيين كما يبدو بالظاهر قاما بهما داعش فإن هناك أربع نظريات سقطت الآن، الاولى أن ما حدث يشكل اختراق أمني كبير يتحمل المسؤولين في إيران هذا الاختراق؛ لأن ضرب قلب مؤسسات ذات طابع ديني ثوري وسيادي في قلب العاصمة الايرانية طهران. النظرية الثانية هو أن إيران فقدت مناعتها ضد هذا الإرهاب والتي كانت تتفاخر بها بصفتها دليلا على وحدة الصف الداخلي حول نظام ولاية الفقيه . وأنها واحة من الاستقرار في إقليم يعج بالصراعات والحروب، والنظرية الثالثة سقوط إدعاء في أن تدخلاتها الخارجية عبر حرسها الثوري ودورها في العراق وسوريا واليمن ولبنان هو لمحاربة الإرهابيين والتكفيريين لقطع الطريق علبهم في استهداف العمق الإيراني. أما النظرية الرابعة تتهم بها الدول العربية وخصوم إيران الإقليميين والدوليين بأن داعش هي صنيعة المخابرات الإيرانية والدول الأخرى الحليفة، هذه النظرية سقطت ولم يعد بالإمكان الحديث بها، أو يتهم إيران، فهي ضربت داعش في المناطق المحيطة بها واستثنت إيران، فهي الآن تقدم نفسها ضحية لداعش وأنها ستقوم بالمزيد من الإجراءات في محاربة التطرف والإرهاب والتكفيريين.
وهذا الامر صعب تصديقه لأن داعش منذ ظهورها في العراق بحزيران/يونيو عام 2014م، خاض معارك عنيفة مع حلفاء إيران في العراق في مناطق مختلفه منه وآخرها الموصل، ومع ذلك لم تقدم داعش في استهداف إيران بالعمق. حتى ذهبت معظم التحليلات السرية بأن هناك علاقة خفية تجمع داعش بإيران كما جمعتها مع القاعدة، فالتحيلات ذهبت أن إيران كانت ممرًا لعناصر داعش للذهاب إلى العراق وسوريا وقتل آلاف من الإبرياء. ومن هنا ونتساءل هل بدأت مرحلة استهداف إيران من قبل داعش.
في آذار/مارس من العام الحالي نشر داعش تسجيل فيديو نادر باللغة الفارسية حذر فيه من أنه سيقوم “بفتح” إيران ويعيدها “مسلمة سنية كما كانت من قبل”. وحمل الشريط الطويل الذي يستغرق أكثر من 36 دقيقة، عنوان “بلاد فارس بين الأمس واليوم”، وتضمن هجوما عنيفا على “الدولة الرافضية” و”الدين الرافضي”، والشيعة الذين يقاتلون في سوريا والعراق. ويمكن أن يستنتج من الشريط والاعتداء أن داعش يبحث عن موطىء قدم جديد بعد تصفيته في سوريا والعراق، إذ يرى في إيران بيئة خصبه لوجوده هناك لاسيما إذا استطاع أن يوظف حالة الاضطهاد الديني والقومي الذي تعيشه القوميات غير فارسية في إيران. وبذلك يقدم خدمة بشكل أو بآخر لخصوم إيران في النظام الإقليمي والعالمي لكي تنشغل بأوضاعها الداخلية ويكون بداية تراجع نفوذها في المشرق العربي وخاصة في العراق وسوريا واليمن ولبنان. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل المنطقة مقبلة على تسويات سياسية تلزم إيران انشغالها بالداخل كي لا تعرقلها؟
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية