لندن – تسعى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لتعويض خسارة حزبها للأغلبية البسيطة التي كان يتمتع بها منذ انتخابات عام 2015، عبر عقد اتفاق سياسي مع الحزب الديمقراطي الوحدوي الأيرلندي، لتشكيل أغلبية هشة.
وحصل حزب المحافظين على 318 صوتا في الاقتراع الذي كانت ماي تأمل أن يمنحها أغلبية كاسحة على حزب العمال بقيادة جيرمي كوربين، لكنه أنتج برلمانا بلا أغلبية، وأدى إلى سحب التفويض الضئيل الذي كان الحزب يتمتع به.
وأعلنت ماي الجمعة أنها ستشكل حكومة جديدة تقود عملية انسحاب البلاد من الاتحاد الأوروبي. وقالت، من أمام مقرها في 10 داونينغ ستريت في لندن، “التقيت لتوي جلالة الملكة، وسأشكل الآن حكومة، حكومة قادرة على أن تطمئن وتدفع المملكة المتحدة إلى الأمام في هذا الوقت الدقيق”.
وأضافت أن “هذه الحكومة ستوجه بلادنا في المناقشات الأساسية حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، والتي ستبدأ في غضون عشرة أيام، وتستجيب لرغبات البريطانيين من خلال تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبي”.
وستعتمد ماي من أجل أن تحكم على دعم الحزب الوحدوي الديمقراطي الأيرلندي الشمالي الذي فاز بعشرة مقاعد. ويعطيها هذا الدعم أكثرية مطلقة ضئيلة.
والحزب الديمقراطي الوحدوي الأيرلندي هو حزب يميني يعارض الإجهاض وحقوق المثليين، كما يؤيد قادته الخروج من الاتحاد الأوروبي، حتى لو أدى ذلك إلى إعادة إغلاق الحدود بين شمال وجنوب أيرلندا.
وفي أغلب الأحوال، انتهت حكومات الأقلية بدعوة رئيس الوزراء إلى إجراء انتخابات مبكرة، أو طرح المعارضة تصويتا في البرلمان لسحب الثقة من الحكومة. وتشكيل ماي لحكومة أقلية يجعلها معرضة لإجراء انتخابات أخرى بحلول شهر أغسطس من هذا العام.
وبعد نجاحهما في تشكيل حكومة ائتلافية عام 2010، مرر حزبا المحافظين والديمقراطيين الأحرار قانونا يحمي الائتلاف من الانهيار، ويمنع إجراء انتخابات مبكرة إلا في حالتين. وتتمثل الحالة الأولى في دعوة ثلثي أعضاء البرلمان إلى إجراء الانتخابات، أما الحالة الثانية فتتضمن طرح الثقة في الحكومة، وعدم قدرتها على استعادة الثقة مرة أخرى في تصويت جديد خلال 14 يوما من سحب الثقة منها.
وستكون هذه التهديدات حاضرة على طاولة المفاوضات مع قادة الاتحاد الأوروبي، إذ لم يعد بإمكان ماي تبني نفس اللهجة الصارمة تجاه أوروبا بعد الانتكاسة التي مني بها حزب المحافظين.
وقال المحلل البريطاني سايمون جينكينز “الآن صار ممكنا أن نرى المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي باتجاه نموذج أشبه بنموذج النرويج في علاقتها بالسوق المشتركة”.
وأضاف “لو أصبح هذا واقعا فهذه الانتخابات ستصبح نعمة على البلد، رغم كلفتها الكبيرة”.
وصعود كوربين، الذي حاز على غالبية الأصوات لكن لم يحقق غالبية في عدد المقاعد، أزاح سحابة كبيرة من التشدد اليميني كانت تخيم على بريطانيا، منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي أجري في يونيو عام 2016.
ولعب الشباب، الذين صوتوا بكثافة في هذه الانتخابات لأول مرة منذ عقود، دورا كبيرا في دعم كوربين على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الجامعات، وعبر تنظيم مؤتمرات جماهيرية حاشدة غيرت نظرة الناخبين له، كما ساهمت في رأب الصدع بين أقصى اليسار ويسار الوسط بين صفوف الحزب.
وكان المحافظون يعولون كثيرا على لامبالاة سياسية اشتهر بها قطاع الشباب في بريطانيا طوال عقود. وقال أحد المرشحين عن الحزب قبل الانتخابات “الذين تحت سن الـ30 يدعمون كوربين، لكنهم كسالى لا يبالون كثيرا للنزول من أجل التصويت”.
لكن ريانون لوسي كوسليت، الكاتبة الشابة في صحيفة “الغارديان” قالت إن “الشباب تخلوا عن كسلهم هذه المرة، لأنهم لأول مرة يشعرون تجاه كوربين أنهم أمام سياسي صادق ويعني ما يقول”.
وأضافت “البريكست لعب دورا أيضا. الشباب كانوا غاضبين من آبائهم وأجدادهم لأنهم كانوا يشعرون أن هذا الجيل صوت لصالح الخروج من أوروبا انطلاقا من الشعور بالأنانية”.
العرب اللندنية