“في الأول من حزيران/يونيو، خاطب دينيس روس، نيكولاس روستو، ومايكل ماندلباوم منتدى سياسي في معهد واشنطن. وروس هو مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المتميز في معهد واشنطن ومؤلف كتاب “محكوم عليها بالنجاح: العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من ترومان إلى أوباما” (2015). وروستو هو محاضر زائر في زمالة “تشارلز إيفانز هيوز لشؤون الحكومة وعلم القانون” في “جامعة كولجيت” ومساعد خاص سابق للرئيسين ريغان وجورج إتش. دبليو. بوش. وماندلباوم هو أستاذ فخري للسياسة الخارجية الأمريكية في “جامعة جونز هوبكنز” ومؤلف “فشل البعثة: أمريكا والعالم في عصر ما بعد الحرب الباردة” (2016). وفيما يلي موجز المقرر لملاحظاتهم”.
دينيس روس
على الرغم من الالتزام العاطفي العميق للرئيس جونسون تجاه إسرائيل، إلّا أنه تأخّر في الدفاع عنها خلال التعزيزات لحرب عام 1967. ويتطلّب حلّ هذه المفارقة فهم الضغط الذي أحدثته فيتنام وموقف بيروقراطية الأمن القومي الأمريكي تجاه إسرائيل.
كان جونسون، الرئيس الأمريكي الأكثر التزاماً عاطفياً تجاه إسرائيل، وهي حقيقة غير معروفة شعبياً ولكنها واضحة من خلفيته. فعندما شغل منصب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، حاول إقناع الرئيس آيزنهاور بتجنّب فرض عقوبات على إسرائيل لعدم انسحابها من سيناء. كما كان أول رئيس يمنح إسرائيل منظومات أسلحة هجومية على الرغم من معارضة وزارة الخارجية الأمريكية.
ومع ذلك، فخلال الأسابيع الممتدة بين 14 أيار/مايو و5 حزيران/يونيو كان جونسون غائباً عما يحدث. وفي ذلك الوقت، طلب الرئيس المصري جمال عبد الناصر من “قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة” مغادرة [سيناء]، وأرسل ستة فِرق إلى الحدود الإسرائيلية، وأعلن أنّ مضيق تيران مزروع بالألغام وأخبر برلمانه أنه سيتم عكس نتائج أزْمَتيْ 1956 و1948. وفي هذه الأثناء، توجّه العاهل الأردني الملك حسين إلى القاهرة ووضع قواته تحت القيادة المصرية، بينما أعلن الرئيس العراقي أنه سيمحو إسرائيل من الخريطة.
ويفسر هذا التناقض القدرة الكبيرة للحرب الفيتنامية على استهلاك أوكسجين صناعة السياسات. ولم يرغب البنتاغون في تحويل الموارد، وفقد جونسون سلطته المعنوية مع الكونغرس على الصعيد المحلي، ولم يكن هناك أي اهتمام في الاضطلاع بدورٍ عسكريٍ في الشرق الأوسط. كما شتّتت فيتنام انتباه الإدارة الأمريكية، على ما يبدو عبر التأثير على قدرتها على الاستجابة بفعالية لحالات الطوارئ في أماكن أخرى. فعلى سبيل المثال، عندما أغلق عبد الناصر مضيق تيران، ذكّرت إسرائيل واشنطن بالتزامات آيزنهاور بإبقاء المضيق مفتوحاً، ولكن موظفو وزارة الخارجية الأمريكية كافحوا من أجل إيجاد الاتفاقات ذات الصلة. وعلى نحوٍ مماثل، كان بإمكان جونسون أن يدفع الأمم المتحدة إلى تأخير سحب قوات حفظ السلام من سيناء، الأمر الذي كان من شأنه أن يُبطئ التصعيد إلى الحرب، ولكن الإدارة الأمريكية لم تبذل أي جهد حقيقي للقيام بذلك.
ورأى بعض الموظفين من فريق الأمن القومي لإدارة جونسون أن عبد الناصر زبون هادئ لا يشن حرباً شاملة، إلّا أنّ هذا الرأي لم يُفسِّر الزيادة الشعبية الكبيرة التي تلقّاها من الأعمال العدوانية ضدّ إسرائيل. وقلّل هؤلاء الموظفون من مدى تأثير الضغط على ناصر للحفاظ على مكانته الإقليمية في جعله يتّخذ موقفاً عدوانياً. وبشكلٍ منفصل، بدا أن الإدارة الأمريكية تركّز على فرض قيود على الإجراءات الإسرائيلية على الرغم من أنّ عبد الناصر غيّر الوضع الذي كان قائماً آنذاك، كما يتّضح من قيام وزير الخارجية الأمريكي دين راسك والرئيس جونسون كل على حدة بتحذير إسرائيل من شنّ الضربات أولاً.
وبدا الرئيس الأمريكي مهتماً بمساعدة إسرائيل خاصةً عبر فتح المضيق، لكنه شعر بأنّه مقيّد بموارد محدودة وعقبات إجرائية. ولكن بعد اندلاع الحرب انتصرت غرائزه المتعاطفة مع الإسرائيليين. ولم يبدأ الضغط عليهم حتى 10 حزيران/يونيو، وهو آخر يوم من الحرب، عندما بدا أن قواتهم تتحرك باتجاه دمشق وأن السوفييت هدّدوا بالتدخل.
وفي 19 حزيران/ يونيو، صوّت مجلس الوزراء الإسرائيلي سراً على قرار العودة إلى الحدود الدولية مع مصر وسوريا مقابل إحلال السلام. وقد انقسم “حزب العمل” حول ما ينبغي القيام به بالضفة الغربية، وحذّر البعض من مخاطر الاحتلال، ولكن لم يكن لدى إسرائيل ما يكفي من الوقت للتفكير في هذه الأمور.
وبعد الحرب، شعر الإسرائيليون وكأنه ينبغي أن يكونوا قادرين على الدفاع عن نفسهم دون مساعدة خارجية. لكنهم استمرّوا في طلب تطمينات وضمانات أمنية من الولايات المتحدة كجزءِ من صفقات السلام.
نيكولاس روستو
إن واقع بقاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الإطار الوحيد للسلام العربي الإسرائيلي يدلّ على استمرار أهمية حرب 1967. في أيار/مايو من ذلك العام اعتقد الإسرائيليون أن حياتهم في خطر، وبدا أن القادة العرب قد أكدوا هذا الخوف في حديثهم عن محو إسرائيل. لكنّ الولايات المتحدة لم تفعل الكثير لتقييد الجهود السوفياتية لمفاقمة الأزمة، مفترضةً أنّ بإمكان إسرائيل الدفاع عن نفسها.
وتُلخّص أعمال إسرائيل في عام 1967 الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي؛ ووفقاً لذلك تصرّفت البلاد بشكلٍ متناسب أمام الخطر المحدق في ظلّ غياب تدخل خارجي. فقد انسحبت قوات الأمم المتحدة بسرعة، ولم يكن هناك أساس معقول للاستنتاج بأن استمرار الدبلوماسية سيعيد “قوات الطوارئ” التابعة للأمم المتحدة أو سيرفع الحصار عن مضيق تيران.
وتَمثّل موقف الولايات المتحدة باستخدام جميع الأصول الدبلوماسية لمنع اندلاع الحرب. غير أنّ جونسون استنتج أنّ عبد الناصر قد “شق حناجرنا” بإغلاق المضيق، في حين أشار وزير الخارجية الأمريكي راسك مراراً إلى أن واشنطن لا تستطيع التراجع عن التزاماتها في جنوب شرق آسيا من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه إسرائيل. وحاولت الولايات المتحدة تشكيل أسطول صغير لاختبار حصار مضيق تيران، إلّا أنّ هذه المبادرة قد فشلت. وفي الوقت نفسه، حرّض السوفييت القاهرة بهدف زجّ الولايات المتحدة في حرب فيتنام أخرى. ومن خلال كل ذلك، توقّعت واشنطن انتصار إسرائيل.
وبعد الحرب ، ألقى جونسون خطاباً هاماً عن الشرق الأوسط وضع الأفكار الرئيسية المجسّدة في القرار رقم 242 الذي ينصّ على: أن لكلّ أمة حقّ أساسي في العيش بسلام وعلى البلدان المجاورة لها أن تحترم هذا الحق؛ أنّ التهديدات بالقضاء على البلدان المجاورة أصبحت تشكل عبئاً على السلام العالمي؛ ينبغي على الدول أن توافق على هذه المبادئ إذا أرادت أن تكون جزءاً من ميثاق الأمم المتحدة؛ أن هناك حاجة إلى احترام [حقوق] اللاجئين؛ ينبغي احترام الحقوق البحرية؛ يتعين تقليص سباق التسلح؛ أنّه من الضروري احترام الاستقلال السياسي والإقليمي لجميع الدول؛ ويجب على جميع الأطراف أن تحترم الأديان الثلاثة الرئيسية المرتبطة بالقدس. أمّا النقطة الأساسية فهي أنه لن يتمّ إجبار إسرائيل على الخروج من الأراضي التي احتلتها من دون تحقيق السلام. وشكّلت كلّ من هذه النقاط جزءاً من القرار رقم 242. وكانت عملية الوصول إليها شاقة، ولكن الدول كانت أكثر استعداداً للنظر في المشكلة بشكل عقلاني بعد انتهاء ضغط الحرب.
بيد، لا يتحدث الناس اليوم عن هذا التاريخ في “محكمة العدل الدولية” التابعة للأمم المتحدة، بل يتصرفون كما لو أنّ إسرائيل استيقظت يوماً وقررت الاستيلاء على المزيد من الأراضي. ولا يعترفون بأن حرب الأيام الستة كانت بهدف الدفاع عن النفس.
ومع ذلك، لم تقف إسرائيل وحدها قط في هذا الصراع. وربما شعر الرئيس جونسون بأنه مقيّد، لكنه كان الوحيد المستعد لبدء نظام تزويد الأسلحة لإسرائيل الذي استمر لعقود، ووضع شرط بأنه ينبغي على جميع الدول الاعتراف بإسرائيل وقبولها.
مايكل ماندلباوم
كان لحرب 1967 عواقب إقليمية طويلة الأمد بالنسبة للولايات المتحدة. وكانت النتيجة الرئيسية هي تحقيق التفوّق العسكري الإسرائيلي، الذي لا يزال يُمثّل أحد الأصول الاستراتيجية الأساسية لواشنطن. ومنذ عام 19455، كان الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية، الموروثة من البريطانيين، هو منع أي قوة معادية من السيطرة على الساحات الكبرى للخلاف الجيوسياسي (أوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط). وخلال حرب الأيام الستة وبعدها، كان التهديد الرئيسي في كل ساحة هو الاتحاد السوفيتي. ولكن على عكس أوروبا وشرق آسيا، لم تضطر الولايات المتحدة إلى نشر قوات على الأرض في الشرق الأوسط بسبب القوة العسكرية الإسرائيلية. وفي الواقع، رفض الإسرائيليون وجود قوات أمريكية على أراضيهم. ومنذ ذلك الحين بقيت إسرائيل بديلاً موثوقاً به، مما سمح للولايات المتحدة بأن تظلّ موازناً خارجياً في المنطقة لفترة طويلة من الزمن.
وعلى مرّ السنين، واجهت إسرائيل بنجاح مختلف الجهات التي هدّدت المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، حتى عندما كانت هذه الجهات مدعومة من قوى أجنبية كبرى مثل موسكو. وفي عام 1967، بدا عبد الناصر مستعداً لاستئناف سعيه للسيطرة الإقليمية بدعم سوفيتي. وقد شكّل صدام حسين تحدياً آخر في عام 1991؛ وبينما كانت الولايات المتحدة تعالج هذا الصراع وطلبت من الإسرائيليين عدم التدخل، سمح تدميرهم السابق للمنشآت النووية العراقية بشنّ حرب بأمانٍ أكبر. كما واجهت إسرائيل سوريا بالنيابة عن الأردن وحالت دون نشوب حرب محتملة.
غير أنّ إدارة أوباما أخفقت مؤخراً في استخدام التفوق العسكري الإسرائيلي بشكل مناسب عندما واجهت الطموحات النووية الإيرانية. وتسعى طهران حالياً للسيطرة على الشرق الأوسط مثلما فعلت مصر والعراق في الماضي، ويُشكّل السعي وراء امتلاك الأسلحة النووية جزءاً من هذه الخطة. وعادةً ما تعكس نتيجة المفاوضات الدولية نقاط القوة لدى الأطراف، ولكن واشنطن قدمت تنازلات غير متناسبة في محادثات إيران. وقد تكون النتائج والتصورات مختلفة تماماً لو وافق أوباما على استعداد إسرائيل لإعطاء المفاوضين مزيداً من النفوذ، وفي الدرجة الأولى من خلال التأكيد على التهديد الحقيقي بشنّ ضربة عسكرية إسرائيلية على المنشآت الإيرانية.
إعداد: ميتشل هوخبرغ
معهد زاشنطن