بروكسل – تتحرك رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي على أكثر من جبهة للإسراع في إبرام اتفاق حاسم مع الحزب الوحدوي الديمقراطي في أيرلندا الشمالية لضمان الاستمرار في الحكم في وقت يصعّد فيه الاتحاد الأوروبي من مواقفه تجاه لندن في القضايا المتعلقة ببريكست مستفيدا في ذلك من حالة المتغيرات الجديدة في الساحة السياسية البريطانية.
واجتمعت ماي بعد ظهر الثلاثاء مع أرلين فوستر رئيسة الحزب الأيرلندي الشمالي وذلك قبل أقل من أسبوع من الموعد المفترض لبدء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من أن المحادثات بين الحزبين تسير نحو حصول اتفاق بينهما، فإنها وفقا لمحللين استغرقت وقتا أكبر مما كان متوقعا.
وخففت فوستر من ترقب الأوساط السياسية لنتائج المحادثات عبر التأكيد من خلال موقع تويتر على أن “المناقشات تسير على ما يرام مع الحكومة ونأمل في أن نتمكن قريبا من تحقيق هذا العمل بنجاح”.
وقال مكتب ماي في وقت سابق إن رئيسة الوزراء ناقشت مع حكومتها ترتيبات اتفاق “الثقة والدعم” المزمع اتخاذها من أجل دعم الحزب الوحدوي الديمقراطي لحزب المحافظين الذي تتزعمه خلال عمليات التصويت المهمة داخل البرلمان.
ويتضمن اتفاق الثقة والدعم دعم حزب أصغر لحزب حاكم في عمليات التصويت الرئيسية في البرلمان، مثل الاقتراع بالثقة على الحكومة وتقرير الموازنة.
ولا يحظى التقارب بين المحافظين والوحدويين الديمقراطيين الأيرلنديين بإجماع كبير في المملكة المتحدة، حيث يستمر حزب “شين فين” الجمهوري المنافس في الإعراب عن مخاوفه من أن يؤدي الاتفاق بين الحزب الوحدوي الديمقراطي وحزب المحافظين إلى تقويض الجهود التي تهدف إلى استعادة تقاسم السلطة في أيرلندا الشمالية.
ميشال بارنييه: لا يمكنني بدء مفاوضات مع نفسي، فهناك حاجة لوفد بريطاني ورئيس ومفوض
وقالت ميشيل أونيل، زعيمة شين فين في أيرلندا الشمالية، في بيان لها “على الحكومة البريطانية أن تثبت أنها ستعامل جميع الأطراف على قدم المساواة وأن تحترم الاتفاقات”، مضيفة أنها طلبت إجراء محادثات مع ماي “على وجه الاستعجال”.
ومن جهته حذر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجور رئيسة الوزراء من أن التحالف مع الحزب الوحدوي الديمقراطي في أيرلندا الشمالية من شأنه أن يضعف عملية السلام في أيرلندا الشمالية.
وشدد ميجور في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية الثلاثاء على أنه من الضروري أن تلتزم الحكومة البريطانية بالحياد بين المصالح المختلفة في المنطقة.
وقال إن ذلك لن يكون ممكنا إذا دخلت الحكومة في تحالف مع أحد الأحزاب في أيرلندا الشمالية وأنه على الرغم من أنه لا يتوقع “انهيارا مفاجئا” لـ”اتفاق الجمعة العظيمة” إلا أن هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه بصعوبة لا يزال “هشا”.
ومهد ما يعرف باتفاق الجمعة العظيمة الذي أبرم عام 1998 الطريق لتشكيل حكومة وحدة بين الكاثوليك والبروتستانت بعد عقود من العنف بينهما في المنطقة.
وكانت ماي سعت إلى تحقيق زيادة كبيرة في أغلبيتها بالبرلمان في الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي، ووعدت الناخبين بقيادة “قوية ومستقرة” من خلال عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
إلا أنها اضطرت إلى السعي للحصول على دعم “الحزب الوحدوي الديمقراطي” بعد أن فقد المحافظون الأغلبية، وهي نتيجة مفاجئة دفعت قادة المعارضة وبعض المحافظين إلى مطالبتها بالاستقالة.
ويستثمر الأوروبيون الضبابية التي تحيط بالمشهد السياسي في المملكة المتحدة لتكثيف ضغوطهم على البريطانيين ما من شأنه إضعاف موقف مفاوضيهم.
وأعرب كبير مفاوضي بريكست لدى الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه عن قلقه “للوقت الضائع” والهزات في مستوى القيادة البريطانية التي تنذر ببلبلة الجدول الزمني.
وقال لصحيفة لوموند “لا أرى جدوى ولا مصلحة في تأجيل المباحثات. وكل تأجيل إضافي سيكون مصدر عدم استقرار الاقتصاد وقطاع العمل في غنى عنه”.
وأضاف “لكن لا يمكنني بدء المفاوضات مع نفسي، فهناك حاجة لوفد بريطاني ورئيس وفد مستقر ومسؤول ومفوض”.
وتتعرض رئيسة الوزراء البريطانية للتخلي عن فكرة الخروج الصعب التي تبنتها ماي قبل الانتخابات وتتضمن الانسحاب من السوق الموحدة وفرض قيود على الهجرة واتفاق مفصل للجمارك مع الاتحاد الأوروبي.
وقبيل زيارتها إلى باريس للاجتماع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يحاول البريطانيون التأكيد على وحدة صفهم قبل خوض مفاوضات بريكست. وبحسب نائب رئيسة الوزراء داميان غرين، فإن ماي تحصلت على “دعم كبير” من حكومتها بخصوص استراتيجيتها في هذا الملف.
ومن المتوقع أن يبحث القائدان بريكست في وقت أرخت نتائج الانتخابات التشريعية بظلال من الشك على قدرة ماي على حسن إدارة خروج “قاس” لبلادها من الاتحاد الأوروبي.
وقال الوزير البريطاني المكلف بمفاوضات بريكست ديفيد ديفيس، إن هذه الاستراتيجية لم تتغير أي الخروج من السوق الأوروبية الموحدة من أجل استعادة السيطرة على حدود بريطانيا.
وأفادت ذي تلغراف بأن بعض الوزراء الرئيسيين وأعضاء في حزب العمال من مناصري خروج “لين” من الاتحاد الأوروبي، أجروا اتصالات سرية للتشجيع على هذا التوجه.
واعتبر رئيس الوزراء البلجيكي الأسبق غي فيرهوفشتات أن نتائج الانتخابات التشريعية البريطانية “لم توفر بالتأكيد الدعم لخروج قاس”.
لكن صحيفة “ايفنينغ ستاندرد” رأت أن ماي لم تعد الوحيدة في قيادة الدفة في المملكة المتحدة بسبب التنازلات التي سيتعين عليها تقديمها لهؤلاء وأولئك لتستمر في الحكم.
وأضافت “الأكثر حزنا هو أن المملكة المتحدة تعاني خللا في مستوى القيادة في وقت تخوض فيه المفاوضات الأهم في تاريخها الحديث”.
العرب اللندنية