الموصل (العراق) – بدخول معركة مدينة الموصل مركز محافظة نينوى العراقية مرحلة الحسم النهائي، باتت الأنظار مصوّبة بشدّة على الرقعة الصغيرة التي انحسرت فيها سيطرة تنظيم داعش الذي ظلّ مقاتلوه ينسحبون من المناطق والأحياء التي تنتزع من أيديهم إلى أن غدوا متجمّعين بكثافة شديدة في المدينة القديمة بصحبة عشرات الآلاف من المدنيين الذين احتجزوهم هناك في محاولة للاحتماء بهم كدروع بشرية.
ويتطلّع المراقبون والإعلاميون والباحثون المختصون في شؤون الجماعات المسلّحة إلى ما ستكشف عنه معركة المدينة القديمة من أسرار تنظيم داعش ووثائقه وهويات مقاتليه، في ظلّ توقّعات بأنّ أغلب من صمدوا في معركة الموصل إلى نهايتها هم من القيادات الهامّة بالتنظيم ومن المقاتلين الأجانب في صفوفه والذين استحالت عليهم محاولة التسرّب إلى خارج المدينة ضمن قوافل المدنيين مثلما فعل الكثير من مقاتلي التنظيم العراقيين.
غير أنّ سقف التوقّعات بوضع اليد على وثائق هامة عن داعش ومخطّطاته وكذلك القبض على الكثير من كبار قادته يظلّ منخفضا بالنظر إلى الطبيعة الانتحارية للمعركة التي يخوضها التنظيم في آخر أيامه بالموصل، حيث من المؤكّد أن ما بقي من المقاتلين سيفضّلون الانتحار عن الوقوع بأيدي القوات العراقية، كما أنهم سيعمدون إلى إتلاف أي وثائق خاصة بهم وبتنظيمهم لحماية أقارب لهم في أماكن أخرى وأطراف ودوائر ربما تكون قد دعمتهم وموّلتهم من داخل العراق وخارجه.
الفريق عبدالوهاب الساعدي: نواجه مقاومة شرسة في المدينة القديمة خصوصا من القناصين
وكشف ضابط عراقي، الإثنين، أن القوات العراقية تحاصر عشرات القيادات من تنظيم داعش بينهم أجانب في المدينة القديمة.
وقال المقدم عبدالسلام الجبوري، الضابط في الجيش العراقي لوكالة لأناضول إن “معلومات استخبارية بحوزتنا تشير إلى أن عشرات الرؤوس الكبيرة (لم يحدد عددهم) من داعش، بينهم أجانب، محاصرون في سراديب بمنطقة الموصل القديمة”.
وأوضح أنه “بين المحاصرين أطباء وإعلاميون من جنسيات عراقية وعربية وأجنبية، فضلا عن مقاتلين عاديين، وجميع هؤلاء كانوا يتراجعون خلال المعارك السابقة حتى تمت محاصرتهم بمنطقة لا تتجاوز مساحتها 4 كلم مربع في الموصل القديمة”.
وحقّقت معركة الموصل خلال الأيام القليلة الماضية تقدّما نوعيا قرّبها من نقطة الحسم.
وقال الفريق عبدالوهاب الساعدي، قائد العمليات الخاصة الأولى في جهاز مكافحة الإرهاب، إن قوّاته توغلت بعمق 200 متر في منطقة الفاروق ضمن الموصل القديمة في الجانب الغربي من الموصل، مضيفا “مازلنا نواجه مقاومة شرسة للتنظيم وخصوصا من قبل القناصة”.
وأضاف الساعدي “لم تبدأ حتى الآن عملية النزوح من منطقة الفاروق بسبب اشتداد المعارك ولا يزال المدنيون يخشون الخروج من منازلهم لحين كسر خطوط الصد الدفاعية للتنظيم”.
وبدأت الأحد، قوات مشتركة من الجيش العراقي والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب، باقتحام أحياء المدينة القديمة من عدة محاور لاستعادتها من سيطرة داعش.
وتعد منطقة الموصل القديمة التحدي الأبرز للقوات العراقية في حملة استعادة المدينة، بسبب أزقتها الضيقة والمتشعبة، ما يجعل المركبات العسكرية عاجزة عن دخولها، فضلا عن اكتظاظها بالمدنيين.
وتمثل عملية اقتحام المدينة القديمة تتويجا للحملة العسكرية التي بدأتها القوات العراقية قبل أشهر لاستعادة كامل مدينة الموصل، آخر أكبر معاقل داعش في العراق.
وستشكّل خسارة الموصل النهاية الفعلية للجزء العراقي من “الخلافة” العابرة للحدود التي أعلنها داعش صيف العام 2014، بعد سيطرته على مناطق واسعة من العراق وسوريا المجاورة.
وواصل مقاتلو تنظيم داعش، الإثنين، الدفاع عن معقلهم المتبقي بالمدينة القديمة بالموصل وظلّوا يتحركون خلسة عبر أزقة خلفية ضيقة مع تقدم القوات العراقية ببطء.
وذكر فريق تصوير من وكالة رويترز قرب الخطوط الأمامية أن حدة القتال تراجعت عن يوم الأحد عندما أعلنت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة بدء الهجوم على المدينة القديمة.
وعبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الإثنين، عن قلقها بشأن وضع المدنيين في المدينة القديمة الذين تقدر الأمم المتحدة أنهم أكثر من 100 ألف شخص. وقال الفريق عبدالغني الأسدي قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب التي تقود الهجوم «هذا الفصل الأخير» في الحملة لاستعادة الموصل.
وقال الفريق الركن سامي العارضي قائد قوات النخبة الثانية بقوات مكافحة الإرهاب التي تقود القتال شمال المدينة القديمة إن المتشددين يتحركون من منزل إلى آخر عبر فتحات في الجدران لتجنب المراقبة الجوية.
وأضاف للتلفزيون العراقي أن القتال الآن يدور من منزل لآخر داخل أزقة خلفية ضيقة ووصف المهمة بأنها ليست سهلة.
العرب اللندنية