في مساء 18 حزيران/يونيو، أطلق «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني ما قيل إنها ستة صواريخ باليستية متوسطة المدى من طراز “ذو الفقار” إلى مسافة تصل إلى حوالي 600 كيلومتر من المحافظات الغربية للبلاد عبر الأراضي العراقية نحو نقاط وُصفت بأنها أهداف قيادة ومراقبة وخدمات لوجستية تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، بالإضافة إلى مصنع للسيارات المفخخة في محافظة دير الزور في شرق سوريا. ووصف بيان لـ «الحرس الثوري» هذا الهجوم بأنه “رسالة واضحة” للإرهابيين التكفيريين وللجهات الإقليمية والدولية الداعمة لهم، في إشارةٍ واضحة إلى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. ووصفت إيران الهجوم بـ”الرد الموازي” على العمليات الإرهابية التي شنها تنظيم «الدولة الإسلامية» في وسط طهران وفي ضريح آية الله الخميني قبل أحد عشر يوماً، وأشارت إلى احتمال حدوث تصعيد مستقبلي في حالة استمرار مثل هذه العمليات. لذلك، كان الردع هدف القادة الإيرانيين منذ البداية عندما أعطوا الضوء الأخضر لهذه الضربة.
وليست هذه المرة الأولى، منذ نهاية الحرب الإيرانية-العراقية، التي تستخدم فيها الجمهورية الإسلامية الصواريخ الباليستية كوسيلةٍ للعقاب. فقد أشارت التقارير إلى أنّ إيران أطلقت صواريخ من نوع “سكود” على قواعد لمنظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة في العراق ستّ مرات على الأقل بين تشرين الثاني/نوفمبر 1994 ونيسان/أبريل 2001. بيد، تشكّل الضربة الأخيرة المرة الأولى التي تختبر فيها إيران إحدى تصاميم الصواريخ المحلية “الأكثر حداثة” في عملياتٍ فعلية، ويبدو أنّ النتيجة كانت مختلطة في أحسن الأحوال.
تفاصيل الهجوم
نشرت وسائل الإعلام الإيرانية حتى الآن خمسة مقاطع فيديو يقال إنه تم تسجيلها من خلال طائرات بدون طيار خاصة بـ «الحرس الثوري الإسلامي» كانت تحلّق وتنقل الصور مباشرةً إلى قادتها في طهران. ويظهر في هذه الفيديوهات ما يبدو أنه أثر صاروخين – أو بالأحرى ما يشابه أخطاء تتعلق بالأهداف – في موقعين مختلفين في جنوب بلدة الميادين وشمالها على بعد 45 كيلومتر جنوب شرق دير الزور، وهي من المعاقل المعروفة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». وتظهر أربعة من مقاطع الفيديو هدفاً واحداً فقط من زوايا مختلفة، وبمجموعتين فعليتين فقط من الصواريخ تظهران في الصورة بالإجمال. لذلك، لا توجد أدلة كافية لدعم الإدعاءات الإيرانية بأنّ كافة الصواريخ وصلت إلى أهدافها المرجوّة وألحقت أضراراً جسيمة وأوقعت عدداً كبيراً من الضحايا.
وبدا أنّ الأهداف كانت تتمثل ببرجَيْن للاتصالات السلكية واللاسلكية ومبانٍ مرتبطة بهما في الشمال، ومبنىً غير معروف محاط بجدران أمنية على بُعد كيلومترين جنوباً. ولا يوجد أي أدلة على أن أي منها أُصيب بضربات مباشرة، على الرغم من أنه يبدو أن آثار الصواريخ قد سقطت على بعد 50 و 150 متراً من أهدافها المقصودة على التوالي. وفي المنطقة المستهدفة الثانية، يمكن ملاحظة عدداً من الحرائق الحرجية ولكن، مرة أخرى، من دون أي أضرار ظاهرة على المباني المجاورة. ووفقاً لمصدر سوري استُشهد به في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، لم تتسبب الضربات الصاروخية عن وقوع أي ضحايا.
ووفقاً لمصادر عسكرية إسرائيلية أشار إليها محللون إسرائيليون، هبط عدداً من وابل الصواريخ الإيرانية السبعة (بالمقارنة مع ستة صواريخ أشارت إليها مصادر أخرى) في الصحراء العراقية، في حين أخطأت ثلاثة صواريخ أخرى أهدافها تماماً، واقترب صاروخ واحد أو صاروخان فقط من هدفيهما. وإذا كانت هذه الإدعاءات دقيقة، فقد تشير إلى مشاكل خطيرة في موثوقية الصواريخ الإيرانية، والتي يمكن أن تتفاقم في الاستخدامات المستقبلية لصواريخ الجمهورية الإسلامية البعيدة المدى والأكثر تعقيداً. وإجمالاً، لن تنجح الضربة الإيرانية الأخيرة في تعزيز عملية الردع الإيرانية تجاه الخصوم الإقليميين للجمهورية الإسلامية، الذين يتم تزويدهم بأنظمة متطوّرة مضادة للصواريخ. ومع ذلك، يمكن اعتبار قدرة صاروخ أو صاروخين على ضرب مواقع على بعد 50 إلى 150 متراً من أهدافهما، بعد قطعهما مسافة 600 كيلومتر إنجازاً في هذا المجال.
تقييم “ذو الفقار”
يُعرف الصاروخ الذي استُخدم في الضربات على سوريا باسم “ذو الفقار”، كما سبق ذكره، وهو صاروخ باليستي متوسط المدى يبلغ طوله تسعة أمتار ويشكّل نسخةً مطوّرة عن صاروخ “فاتح-110” ويتراوح نطاقه بين 300 و700 كيلومتر. وتضم مجموعة صواريخ “فاتح” عدة نسخ من صاروخ “فاتح” الموجه بالقصور الذاتي، فضلاً عن نسختين من صواريخ “خليج فارس” و”هرمز” الموجهة التي يتم التحكم بها بالمطراف. وتعتبر هذه الصواريخ بشكلٍ عام من أكثر الصواريخ الباليستية المتعددة الاستعمال وأكثرها دقة في الترسانة الإيرانية، حيث يُزعم أنّ الخطأ الدائري المحتمل (CEP) في الصاروخين “فاتح-110″ و”-313″ يصل أقصاه إلى 100 أمتار فقط. بيد أنّ ذلك يبدو مستبعداً جداً نظراً لأداء صاروخ “ذو الفقار”.
ويُعتقد أنّ صاروخ “ذو الفقار” يملك نظام توجيه صاروخ “فاتح”، أو أنه مزوّد بنسخة محسّنة قليلاً. وفي حين أنّ لـ “ذو الفقار” نفس الطول والقُطر كما لصاروخ “فاتح”، يمكن لـ “ذو الفقار” أن يصل إلى مداه الأطول نظراً لتقنية صناعته المركبة الأكثر خفّة وللمحرك المحسن الذي يعمل على الوقود الصلب – ومن هنا الإدعاء الإيراني بأنه غير قابل للكشف عن طريق الرادار. ومن المحتمل أن يكون قد تمّ تصغير الرأس الحربي الشديد الانفجار، الذي أفادت بعض التقارير أنه يزن 500 كيلوغرام من أجل التخفيف من الوزن، وبالتالي تمكين الصاروخ من عبور مثل هذه المسافات الطويلة. ويقال إنه تم تزويد هذه الصواريخ برؤوس حربية عنقودية، ولكن يُعتقد أنه لم يستخدم في الهجوم الأخير.
وقد أشار قسم من وسائل الإعلام الإيرانية أيضاً إلى أنّ بعض الصواريخ المستخدمة كانت في الواقع من نوع “قيام” التي تعمل على الوقود السائل، وهي نسخة محلية مطوّرة من صاروخ “سكود” ويُدّعى أن مداه يبلغ 800 كيلومتر وله رأس حربي يزن 700 كيلوغرام. بيد، لم تُظهر اللقطات التلفزيونية عن عمليات الإطلاق سوى صواريخ “ذو الفقار”.
خيارات إيران الانتقامية
من خلال استخدام إيران للصواريخ الباليستية، يبدو أنها قد اعتمدت الخيار الأقل خطورة للانتقام من تنظيم «الدولة الإسلامية» – والخيار الأكثر فعاليةً نسبياً من حيث الرسالة التي يوصلها. كما أنها أتاحت الفرصة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» للتباهي بترسانة الصواريخ التي يملكها ولاستعادة صورته المحلية، التي يُعتقد أنها شُوّهت بعد الهجمات على طهران. بيد أنّه كان بإمكان «الحرس الثوري» استخدام صواريخ “شهاب-3” أو “قدر” الأكثر قدرة وذات المدى الأبعد لإرسال رسالة إقليمية أكثر قوة – ناهيك عن إحداث المزيد من الضرر. إلّا أنّ هذه الصواريخ كان من الممكن أن تكون أقل دقةً من صواريخ “ذو الفقار”، وأن تتسبب بإحراجٍ غير منتظر فضلاً عن إيقاع ضحايا في صفوف المدنيين. لكنّ ذلك لا يعني أنّه لن يتم استخدام هذه الصواريخ في التصعيدات المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، اختار «الحرس الثوري» إطلاق الصواريخ من أراضيه بدلاً من استخدام صواريخ “فاتح” أو صواريخ أخرى أقصر مدى منشورة في الصحراء الغربية العراقية، على افتراض أنّ العراق سيسمح بهذا التمركز. وكان من الممكن أن يوفّر ذلك الخيار دقةً أكبر، ولكنه ربما كان يفتقر إلى الآثار الرادعة والرافعة للمعنويات التي يوفّرها استخدام قواعد “الوطن”.
لقد كانت لإيران خياراتٌ أخرى أيضاً. فنظراً لوجودها العسكري الكبير القائم بالفعل في سوريا، كان بإمكانها من الناحية النظرية أن تستخدم قواتها الخاصة التابعة لـ «حرس الثورة الإسلامية» لغزو أهداف عالية القيمة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في شرق سوريا، إلّا أنّ هذه الهجمات كان يمكن أن تتسم بمخاطر كبيرة. وعوضاً عن ذلك، كان بإمكان إيران الاستعانة بطائراتها الحربية المقاتلة والقاذفة من طراز “إف-4 فانتوم” التابعة لقواتها الجوية، حيث تتمتع هذه الأخيرة بنطاق واسع للوصول إلى أهدافها في شرق سوريا والعودة من خلال التزود بالوقود في العراق. فقد سبق لعدة طائرات “فانتوم” إيرانية أن قصفت مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال العراق في 12 كانون الثاني/يناير 2015.
واعتماداً على العدد المستخدم، يمكن لطائرات “فانتوم” أيضاً أن تحدث أثراً أكثر فتكاً وبدقة أكبر – ربما في وضح النهار – بيد أنّ هذا الخيار كان ينطوي على مخاطر كبيرة بوقوع مواجهات مع الطائرات الخاصة بالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والتي كانت نشطة جداً في الآونة الأخيرة في شرق وجنوب شرق سوريا. وبالفعل، أشارت بعض التقارير إلى أنّه منذ 17 حزيران/يونيو ازدادت التفجيرات في منطقة الميادين من قبل كل من القوات الجوية الخاصة بالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والقوات الجوية الروسية. أضف إلى ذلك أنه في 18 حزيران/يونيو، أسقطت طائرة تابعة للقوات البحرية الأمريكية من طراز “إف\أيه-18إي” طائرة تابعة لسلاح الجو السوري من طراز “سوخوي سو-22” يقال إنها أسقطت ذخائر بالقرب من وحدات «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة في جنوب مدينة الطبقة، على بعد 200 كيلومتر شمال غرب الميادين. ويتم أيضاً بشكلٍ متزايد استهداف الطائرات الإيرانية بدون طيار من طراز “شاهد 129” في شرق سوريا، حيث تمّ إسقاط الطائرة الأخيرة منها في 20 حزيران/يونيو من قبل طائرة أمريكية من طراز “إف-15إي”.
الخاتمة
من الواضح أنّ الضربات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على معقل تنظيم «الدولة الإسلامية» في منطقة الميادين كانت تهدف إلى تعزيز الردع الإيراني وتحقيق أهداف انتقامية. إلا أنّ التقييمات الأولية المستقلة (المدعومة بالصور الجوية أعلاه) تظهر أنّ أربعة من الصواريخ الستة التي تزعم إيران أنها أطلقتها لم تصب أهدافها، في حين أنّ تلك التي أصابت أهدافها لم تكن بالدقة التي زعمها المسؤولون في الجمهورية الإسلامية.
واستطراداً، يظهر الهجوم بالصواريخ أنّ إيران ربما تواجه مسائل خطيرة في ما يخص مراقبة الجودة والموثوقية المتعلقة ببرنامجها الصاروخي. وفي حين أنّ هذه الحادثة قد تدفع الإيرانيين إلى إعادة النظر في تدابير التصنيع ومراقبة الجودة وتقييمها، مما يزيد من تأخير مشاريعهم الراهنة، فقد تبحث طهران أيضاً عن حلول لهذه العيوب الواضحة في مصادر التكنولوجيا الأجنبية.
فرزين نديمي
معهد واشنطن