برزت الحدود بين العراق وسوريا في الأشهر الأخيرة كالعقار الأكثر جاذبيةً في الصراع المتعدد الجوانب بين تنظيم «الدولة الإسلامية» والأطراف المحاربة المناهضة للتنظيم والميليشيات الوكيلة لإيران. فما هو السبب؟ لقد سبق ووقفتُ على الحدود العراقية-السورية عدة مرات، والحقيقة أنها منطقةٌ عادية للغاية. فهي عبارة عن صحراء فارغة على مدّ العين والنظر على طول هذه الحدود تقريباً الذي يبلغ 600 كم. ونادراً ما تمتاز هذه الحدود بأكثر من عددٍ من الحواجز الترابية التي غالباً ما يكون فيها فجواتٌ من صنع المهرّبين والإرهابيين. ومن أجل فهم قيمة هذه الحدود بالنسبة إلى مختلف الأطراف المسلحة، يتعين على المرء أن يدخل عقول أهل المنطقة وأن يرى رمزية قطعة أرضٍ تربط بين إيران والبحر الأبيض المتوسط. ومن الناحية العملية، يمكن لمثل هذا الطريق أن يمنح إيران خط وصولٍ بري إلى «حزب الله» اللبناني ونظام الأسد، قد تستفيد منه إيران بشكلٍ كبير في حالة عدم تمكن حلفائها من استخدام المطارات في لبنان وسوريا خلال حربٍ مستقبلية. ولهذا السبب، تقدّمت قوى الميليشيات المدعومة من إيران على كلا الجانبين السوري والعراقي من الحدود في الصحراء الفارغة وغير المحمية إلى حد كبير، للقيام بتدريبات رمزية لـ “زرع الأعلام” على طول الحدود.
وعندما عمدت القوات الأمريكية إلى قصف الميليشيات التي تدعمها إيران في سوريا مرتين بسبب اقترابها من القاعدة الأمريكية في التنف – داخل سوريا مباشرة على الحدود الثلاثية العراقية -السورية -الأردنية – اكتفت الميليشيات بالابتعاد عن القاعدة وزرعت علمها على الحدود على مسافةٍ أكبر إلى الشرق. أمّا على الجهة العراقية من الحدود، فقد أثبتت عناصر «قوات الحشد الشعبي» التي تخضع لإمرة الدولة العراقية والتي تدعمها إيران والشرطة الاتحادية وجودها في أعماق الصحراء الغربية في العراق التى يسكنها السنة. ويبدو أنها تنوي إضفاء الطابع الرسمي على هذا الوجود والتوصل إلى ترتيبات مع القبائل السنية المحلية للحصول على موافقتها الضمنية على البقاء. وإذا باءت محاولة امتداد «قوات الحشد الشعبي» والشرطة الاتحادية إلى القبائل السنية بالفشل أو تعثرت، فمن الممكن أن تبرز فرصةٌ جديدة أمام تنظيم «الدولة الإسلامية» لتجنيد المواطنين المتمرّدين السنّة لمقاومة الغرباء.
أمّا على الطرف الآخر من الحدود – أي على بعد حوالى 80 كم جنوب الحدود الثلاثية بين تركيا والعراق وسوريا – فقد وصلت عناصر «قوات الحشد الشعبي» التي تدعمها إيران إلى الحدود في نهاية أيار/مايو، وتقوم بتطوير شبكةً من القواعد الطويلة الأمد في قاعدة تلعفر الجوية وبعاج. ومن أجل الوصول إلى الحدود في هذه المنطقة، انخرطت «قوات الحشد الشعبي» بين خليطٍ مكون من ثلاثة ميليشيات محلية يدعمها الأكراد العراقيون المدعومون من تركيا، و «حزب العمال الكردستاني» المناهض لتركيا، والأكراد السوريون، وبغداد، والجماعات اليزيدية المحلية. وكانت النتيجة لحافاً خليطاً من قوات الأمن التي تعمل بتوترٍ عالٍ وعلى مقربةٍ من بعضها البعض. وعلى الرغم من أنّ هذه القوات تراقب فقط بعضها البعض في الوقت الحالي، من المحتمل جداً أن يكون ذلك مجرد الهدوء قبل العاصفة. فعلى سبيل المثال، من المحتمل أن تشنّ تركيا والأكراد العراقيون هجوماً لاستبعاد «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية و«حزب العمال الكردستاني» من منطقة سنجار على الحدود العراقية -السورية. ومن المحتمل أن يكون هذا المحفّز هو تحرير الرقة بقيادة «وحدات حماية الشعب»، حيث قد يصبح التحالف بقيادة الولايات المتحدة أقل اعتماداً على الأكراد السوريين المنتمين إلى «حزب العمال الكردستاني» وأقلّ استعداداً لتقييد تركيا.
وأخيراً، هناك الجزء المركزي من الحدود العراقية-السورية، الذي ما زال متاحاً للاستيلاء عليه. ففي الوقت الحالي تتواجد «قوات الحشد الشعبي» على مسافة تبعد 180 كم فقط في الصحراء شمال قضاء القائم، وهي منطقةٌ خاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» ويعبر فيها نهر الفرات الحدود باتجاه المعاقل الرئيسية لـ تنظيم «داعش» مثل دير الزور والرقة. وتجدر الإشارة الى أن قوات الحكومة الاتحادية العراقية المدعومة من التحالف بقيادة الولايات المتحدة، تتواجد على بعد 150 كم على الطريق السريع جنوب شرق القائم. ورغم أن بإمكان هذه القوات التي تدعمها إيران والقوات العراقية التنافس على القائم، فمن المرجح أن تتبع نهجاً تعاونياً، لأن المنطقة هي هدف صعب – يتمثل بسلسلة من المدن التي تمتد على مسافة 20 كيلومتراً ومحصنة بقوة وتتصل مباشرة بمناطق القوة المتبقية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». ولا يقوم أحد برفع أي علم على الحدود في القائم دون مضي أسابيع من القتال العنيف قبل ذلك.
وتجري المعركة من أجل [السيطرة على] الحدود العراقية -السورية على مستويين، هما المستوي الرمزي والمستوى العملي. فعلى المستوى الرمزي، تحقق إيران ووكلاؤها نجاحاً كبيراً في زرع أعلامهم على طول الحدود. ويخبّئ مبدأهم الجوهري – وهو منع تنظيم «الدولة الإسلامية» من استخدام الحدود – هدفهم الحقيقي المتمثل بسلب القيادة من أهم القوى التي تحارب تنظيم «داعش» والحصول على مزايا في استخدام الحدود مستقبلاً. ومن أجل السيطرة الحقيقية على الحدود، سيحتاج وكلاء إيران إلى إنشاء قواعد دائمة والقيام بترتيبات لوجستية للحفاظ على قواتهم، على جانبي الحدود، وعلى جانبي طرق التجارة الرئيسية. ولن تكون هذه المهمة سهلة في ظل المنافسة من قبل الحكومة العراقية والمعارضة السنية السورية والأكراد السوريين. ويشير ذلك إلى أن المعركة من أجل الحدود ستكون لعبة طويلة من الشطرنج الجيوسياسي.
مايكل نايتس
معهد واشنطن