تستشهد الجماعات الموالية لملالي طهران في الغرب، وخصوصا في الولايات المتحدة، في معرض حملتهم لتأييد الاتفاق بشأن القضية النووية الإيرانية، بـ3 حجج داعمة لمحاولات الرئيس باراك أوباما لاسترضاء طهران.
وأولى تلك الحجج تفيد بأن الاتفاق سوف يساعد الجناح «الإصلاحي» من النظام الحاكم في إيران، الذي يقف على رأسه الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، ذلك الجناح الذي بات يسيطر على مؤسسة الرئاسة بصورة فعلية من خلال السيد حسن روحاني، لتأمين مستويات أخرى من السلطة في البلاد.
يبرز رفسنجاني في صورة الرجل المعتدل، أو النسخة المعممة من دينغ شياو بينغ الصيني، أي القادر على إنهاء آخر فصول الثورة الإيرانية متجها لتشكيل علاقات عمل مع الولايات المتحدة. والكثير من البيانات والتصريحات الأخيرة الصادرة عن رفسنجاني تشير إلى رغبته الدائمة في تفضيل نمط القيادة الجماعية، وأنه بمجرد خروج المرشد الأعلى علي خامنئي من واجهة الأحداث، سوف يمارس رفسنجاني ضغوطه من أجل تكوين نظام القيادة بالزمالة الذي يفضله ويضع حدا يقضي به على «حكم الرجل الواحد».
كان المفترض للخطوة الأولى في ذلك الاتجاه أن تبدأ الاثنين الماضي حينما حاول رفسنجاني أن يحتل منصب رئيس مجلس الخبراء من خلال الانتخاب، وهو المجلس الذي يضم 86 عضوا من الملالي الذين يمتلكون صلاحية انتخاب المرشد الأعلى أو عزله. وانطلاقا من اليقين بفوز الرجل في تلك الانتخابات خرجت مجموعة من الصحف في طهران، وهي الممولة من قبل الفصيل الموالي لرفسنجاني، بعناوين رئيسية بارزة تقول: «رفسنجاني يعود!» حتى قبل انعقاد المجلس ذاته.
نشر الفصيل الموالي لرفسنجاني شائعات بأن خامنئي يعاني أمراضا ميئوسا منها، وربما لا يستمر على قيد الحياة لأكثر من عامين، مما يترك مستقبل إيران بين أيدي رفسنجاني. كان الاستيلاء على مجلس الخبراء مقدرا له أن يكون الخطوة الأولى في مسار مفعم بالانتصار من شأنه أن يمكن فصيل رفسنجاني من السيطرة على المجلس الإسلامي، وأعضائه البالغين 290 عضوا في برلمان مصطنع.
والواقع، رغم كل ذلك، أن مجلس الخبراء، عمد إلى انتخاب آية الله محمد يزدي رئيسا له، وهو من أقدم وألد أعداء رفسنجاني ومن المقربين جدا لخامنئي، مع 47 صوتا مقابل 24، وذهبت آمال الفصيل الموالي لرفسنجاني من إحكام السيطرة على البرلمان الإيراني في العام المقبل أدراج الرياح. ويظهر العديد من استطلاعات الرأي أنه حتى إذا استطاع فصيل رفسنجاني حشد كافة لذين صوتوا لصالح روحاني، وهي نسبة تقدر بـ33 في المائة، فلن يكون ذلك كافيا لتأمين الأغلبية لمقاعد البرلمان البالغة 290 مقعدا.
أما الحجة الثانية، وهي من المفارقات، فتنبني على فتوى يفترض أنها صادرة عن خامنئي تحرم استخدام الأسلحة النووية. وبالتالي، في حين أن أوباما يأمل أن ينجح رفسنجاني في عزل خامنئي، فإنه يؤسس سياسته على فتوى صادرة من الآخر. ونظرا لأنه ما من أحد، وبكل تأكيد ليس أوباما، قد رأى أو قرأ تلك الفتوى، فمن الصعوبة بمكان تقدير أهميتها السياسية. وبعبارات واقعية، رغم كل شيء، فإن تلك الفتوى، ومع افتراض عدم وجودها بالأساس، ليست إلا رأيا شخصيا، وبالتالي ليست لها أي سلطة قانونية تذكر.
أما الحجة الثالثة فتكمن في أن المشروع النووي يتمتع بشعبية لدى الشعب الإيراني، وأنه من خلال قبول إيران النووية سوف تتمتع الولايات المتحدة بشعبية هي الأخرى هناك. ومع ذلك، ليس من دليل دامغ يدعم أو يؤيد تلك الحجة. ولم تتم مناقشة تلك المسألة بصورة صحيحة في أي منتدى عام هناك، ولا حتى في المجلس الإسلامي الإيراني. وفي واقع الأمر، فإن الحكومات المتعاقبة، وحتى في عهد الشاه، عملت على إسكات عدد من التقارير التي تحذر من مخاطر المشروع النووي، وخصوصا مع الإشارة إلى التهديد الذي يشكله وقوع أي زلزال على المنشآت النووية في معظم أنحاء الهضبة الإيرانية.
بمزيد من الأهمية، ومن الجائز أن يجعل البرنامج النووي من إيران أكثر اعتمادا على العالم الخارجي لتأمين احتياجاتها من الطاقة وكما لم يحدث من قبل. وكانت أول صورة من صور التبعية تتعلق ببناء محطات الطاقة النووية. منذ السبعينات، امتلكت إيران التقنية والعمالة المدربة اللازمة لبناء محطات الطاقة الكهرومائية أو محطات الكهرباء العاملة بالغاز الطبيعي. ومع ذلك، ليست لدى إيران المقدرة على بناء، محطات الطاقة النووية، ناهيك عن تصميمها. والسبيل الوحيدة أمام إيران لتحقيق تلك القدرات تكون من خلال سنوات طويلة من التعاون مع واحدة أو أكثر من الدول الصناعية القديمة.
أما الصورة الثانية من صور التبعية فتنبع من اليورانيوم المخصب الضروري لتشغيل محطة إيران النووية الوحيدة، والموجودة في شبه جزيرة بوشهر، التي يجب أن تتفق والأكواد المجهزة والمثبتة من قبل روسيا. واليورانيوم الذي تعمل إيران على تخصيبه لا يمكن بحال استخدامه في مفاعل بوشهر، مما يعني أن روسيا يمكنها إغلاق محطة إيران النووية متى شاءت. فما علاقة ذلك بالاستقلال على أي حال؟
والصورة الثالثة من صور التبعية تتضح من حقيقة مفادها أن أرصدة إيران من اليورانيوم الخام والموجودة بالقرب من صحراء لوط، يمكنها توفير الوقود لمحطتين أو ثلاث من محطات الطاقة لمدة تقل عن عشر سنوات فقط، مما يعني أنه حتى إذا كانت إيران قادرة على تصميم وبناء محطاتها النووية المحلية الخاصة، فسوف تظل معتمدة على صادرات اليورانيوم الخام أو «الكعكة الصفراء» لضمان تأمين الوقود لما بعد السنوات العشر. (متوسط عمر أي مفاعل نووي يبلغ 40 عاما). وبالتالي، تمتلك إيران ما يكفيها من خام اليورانيوم لصناعة 100 قنبلة نووية أو أكثر، ولكن ليس لديها ما يكفي لتوفير الوقود لتشغيل محطتين أو ثلاث محطات للطاقة النووية متوسطة الحجم.
الصورة الرابعة من صور التبعية التي تواجه إيران تتعلق بعدم قدرتها على التعامل مع الوقود المستنفد من محطات الطاقة النووية. هناك ست دول فقط في الوقت الحاضر تمتلك التقنية لإعادة معالجة الوقود المستنفد. وسوف تعتمد إيران على حسن نيتهم للتخلص من الوقود المستنفد لديها من محطات الطاقة النووية المزعومة.
وأخيرا، سوف تواجه إيران صورة خامسة من صور التبعية. يتحتم إيقاف وإخراج المحطات النووية من الخدمة عقب مرور ثلاثة إلى أربعة عقود، غير أنها تبقى مصدرا لخطر داهم لعدة قرون. وكما خلصت دراسة للحكومة البريطانية أجريت في عام 2013، فإن إيقاف وإخراج المحطات النووية من الخدمة هو أكثر تكلفة من بناء تلك المحطات. كما أن إدارة التأثيرات البيئية لإيقاف تشغيل المحطة النووية هي من العمليات المكلفة للغاية في الوقت الحاضر ولا تتقنها إلا ست أو سبع دول على الأكثر.
يأمل أوباما أنه من خلال عقد الصفقة مع إيران سوف يتيح لفصيل رفسنجاني «المعتدل» ما يكفيه من القوة لكسب الصراع على السلطة في طهران والبدء في تغيير سلوكيات النظام الحاكم ذي النزعة الخمينية هناك.
وذلك، في رأيي الشخصي، ليس إلا وهما بعيد المنال، يشاركني فيه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو من خلال خطابه الأخير أمام الكونغرس الأميركي. لاحظ أرسطو، قبل 25 قرنا، أن الشخصية هي الفعل. وطبيعة النظام تحدد سلوكه. وكما لاحظ سعدي، الشاعر الشيرازي قبل ثمانية قرون تقريبا، أن العقرب لا يلدغ لأنه يريد أن يكون حشرة شريرة، بل يلدغ لأنها طبيعته.
امير طاهري
الشرق الاوسط