عادل الأشرم ابن عمار*
لكل أمة عناصر بقاء، إن فقدتها فإن مصيرها بلا أدنى شك آيل للسقوط. سقوط الأمم ليس كسقوط الأنظمة أو البلدان أو الحضارات يمكن تجاوزه، بل أن سقوط الأمم يؤدي إلى نهايتها، ولاينفع معه علاج. منذ مايقارب الألفين وخمسمائة عام بدأت نواة تكوين العرب تأخذ طورها المرحلي في التبلور، ورغم أن المسمى برز في لفظ إصطلاحي لايتعلق بمسمى العرق نفسه، إلا أن هذا اللفظ أخذ مسماه إشارة للجذم العرقي. وهكذا برز العرب كأمة قبل الأسلام بحوالي ألف عام، كانوا كحال أمم كثيرة غيرهم يعيشون مراحل التكوينات الاجتماعية في ذات العرق، أكثر من مدلولات النظرة القومية في ذات الفكر.
ولكن بقي ولوج عنصر التماسك متذبذب، حتى وإن بلغت مكارم الأخلاق مد تفوقي على الأمم الأخرى، أساس التذبذب كان التناحر الداخلي، والاختلاف التبعي، الذي ولد فكر الآنانية، الذي سمح بعدم ترجمة خصال وصفات الايجابية في أن تأخذ تفوقها القيادي على سائر الأمم الأخرى. ولكن جاء الاسلام وقضى على هذا التذبذب بإطار عقائدي متين، تجاوز الأمة الخاصة إلى الأمة العامة، ماسمح ببناء أمة أوسع وأشمل، قامت على عنصر الدين، وليس على عنصر العرق.
ورغم أن مادة هذا القيام كانت العرب أنفسهم، الذين كانوا نواة التكوين للأمة الأسلامية، بل ومادة الأسلام، إلا أن هذا ظل في طور النشأة الأولى للتكوين، ولم يترجم بعد العهد الراشدي بمزايا قيادية رصينة تحافظ على سر بقاءه بمدى التفوق، حتى وإن كانت هناك نقلات نوعية في ذات الجغرافية والتوسع الاجتماعي لما بعد بلاد المهد الأول، قامت بها الخلافات الأسلامية، ولكن كانت سمة التراجع حالة مصاحبة للمشهد في كل مرحلة. وفي كل هذه العهود لازمت سفر العرب حالة التهاون في بحث أسباب الضعف والتراجع، وكان العرب يرمون بضعفهم لأسباب خارجية، في جوهر تفسيرها هي حق الأمم الأخرى في التنافس والقوة والتفوق. الخلل في العرب كان عدم تقبل الزعامة الحقيقية من ذات العرق، لأسباب فيسيلوجية تراكمية، غذتها تداخلات عرقية ذات نزعة قيادية، مع انتناءات اجتماعية ذات نزعة تهجينية.
هذا كله سمح بتأخر العرب في كل مرحلة وعهد عن الأمم الأخرى، بل وسمح بوجود مسافة تدني بين العرب والأمم الأخرى السائرة نحو القيادة العليا في ركب البشرية، بل وسمح أن يصل الأمر في أخر هذا العهد الذي نعيشة اليوم إلى مرحلة ماقبل السقوط النهائي. الأمم الأخرى وجدت مناخ العرب هش وفوضوي وتراجعي، فسعت إلى تفتيته من خلال إضعافه وتهميشه، وجعله توابع متفرقة، وترسيم بنيته السياسية بما لايسمح بوجود زعامات قوية تنبع من ذات العرق. لهذا لانستغرب أن نجد ضعف وتردي في الحال العربي نعيشه بالتتابع. نشأت طبقات ومراحل حكم تاريخية في بعض مناطقنا، هزيلة تفتقد إلى كريزما القيادة المطلوبة والمرجوة، وأسلوب القائد وخطاب المسؤول لايرتقي بواقع مرحلته. هذه أسباب كارثية تحيط بالأمة، واشارات خطيرة في تآكلها وفناءها.
بقاء العرب أمه مفتته مقسمة مقزمة، لاتملك وجودها بالمعنى الأممي الحقيقي يخدم منافسيها. العرب اليوم لايملكون مقدرة في مواجهة دول وأمم لايملكون مقومات البقاء أمامها، كبرى وأقليمية، العرب مرهونة إرادتهم بعوامل ضعف لاتتيح لهم الفرصة في أخذ مكانهم الصحيح. إن أبرز عناصر بقاء الأمم وتماسكها هي وجود نواة الأستقطاب الملحمي في أصل تكوين الأمة، ويتم الارتكاز عليها من خلال عوامل العرق واللغة والجغرافية والاعتقاد الديني، ويلعب الإتجاه الايدلوجي الممزوج بين التاريخ والمصير المشترك أهم أدوات بناء الأساس في طور الأمم التكويني. ولكن نحن العرب نفتقده.وهكذا نجد مزايا الأمم بعناصر ومقومات ومرتكزات لابد منها لبقاء الأمم. عندما تفقد الأمة نواتها التكوينية حتما ستسقط. فالأنظمة تخلف بعضها، ولكن الأمة لن يأتي من يخلفها. قد يسقط العرب كمفهوم أممي ضمن مانراه من معطيات بائنة لنا كبشر، لأنهم اليوم أضعف أمة وفصيل عرقي موجود على وجه الأرض، ولكن لن يسقط العرب كمادة للأسلام دين عالمي كوني، لأن هذا خاص بأمر لاشأن لنا فيه كبشر، فالله سبحانه تكفل بالمحافظة عليه. وهو خير الحافظين.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية