دمشق – تعيش المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري وضعا صعبا، حتى أن الكثير بات يراها اليوم الحلقة الأضعف في المعادلة القائمة في سوريا.
وأسباب الضعف متعددة وكثيرة يمكن اختزالها في غياب استراتيجية واضحة للتعاطي مع المتغيرات المتسارعة على الأرض والتي تصب في صالح النظام، فضلا عن الانقسامات التي تعانيها، والخسائر الميدانية التي تتكبدها، وأخيرا وليس آخرا غياب الانسجام بين القوى الداعمة لها إلى حد التضارب.
ويوظف النظام والقوى الحليفة له هذا الانقسام لصالحهما، عبر إيراد مواقف لا تحوي أي إجماع من جانب المعارضة والتسويق إلى أنه تم الاتفاق بشأنها، وليس أدل على ذلك من إعلان أليكسي بورودافكين مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف للصحافيين السبت أن المعارضة تنازلت عن مطلب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد.
وأضاف بورودافكين أن الجولة السابعة من المحادثات التي انتهت الجمعة تمخضت عن نتائج إيجابية ولا سيما في “تصحيح” نهج وفد الهيئة العليا للمفاوضات وهي تكتل المعارضة الرئيسي.
وأوضح “جوهر هذا التصحيح هو أنه خلال هذه الجولة لم تطالب المعارضة قط باستقالة الرئيس بشار الأسد والحكومة السورية الشرعية فورا”
تصريحات المبعوث الروسي استفزت الهيئة وأحرجتها، ولم تجد بدا سوى الرد عليها عبر منسقها العام رياض حجاب الذي قال عبر صفحته على تويتر إن “السوريين قالوا كلمتهم في بشار الأسد وزمرته وليس من حقنا التنازل عن المطالب الأساسية للشعب السوري”.
وأكد حجاب أن “ادعاء السفير الروسي بجنيف بأن وفد المعارضة قدم تنازلات هو محض تدليس إعلامي ومخالف للمهنية والمصداقية”.
وكانت الهيئة العليا للمفاوضات وداعموها يطالبون دوما برحيل الأسد وهو ما يقابل برفض قاطع من روسيا التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها نجحت في ترجيح كفة النظام الذي بات يتحكم فعليا في كبرى المحافظات السورية.
في المقابل لا تجد بعض منصات المعارضة على غرار منصتي موسكو والقاهرة مانعا في أن يبقى الأسد خلال الفترة الانتقالية.
ويقول مراقبون إن تصريحات المبعوث الروسي لا يمكن إنكارها بشكل مطلق حيث أنه بالفعل هناك اليوم انقسامات داخل الهيئة حول عدة مسائل جوهرية ومنها الأسد.
ويرى هؤلاء أن الانقسام داخل الهيئة أمر طبيعي لجهة التطورات الميدانية على الأرض وتغير المزاج الدولي والذي يمكن استشرافه من خلال تصريحات كبار المسؤولين الغربيين من أن الأسد ليس المشكلة الأساسية وأنه يمكن التعاطي مع بقائه، لا بل أن الرئيس الفرنسي ذهب إلى القول “ليس هناك بديل شرعي عنه”. وستضطر في الأخير الهيئة وباقي قوى المعارضة إلى مراجعة نفسها وإعادة ترتيب أولوياتها، ولكن لا يمكن أن ينجح هذا الأمر دون أن إعادة لم شتاتها. ولا يبدو أن المبعوث الدولي على سوريا ستيفان دي ميستورا متعجلا لتوحيد صف المعارضة السياسية حيث أوضح في تصريحات له في جنيف أن هذا سيحصل في الوقت المناسب حينما تكون الأرضية مهيئة لولادة حل للأزمة.
ويقول خبراء إن توحيد تيارات المعارضة السياسية قد يكون أسهل بكثير من توحيد صف المعارضة العسكرية التي تمسك بالأرض.
ومؤخرا أعلن جيش الإسلام وهو أكبر فصيل في الغوطة الشرقية عن اتفاق لحل جميع الفصائل في المنطقة وإعادة ضمها ضمن جسم عسكري موحد، وأوضح أن الغرض من ذلك وقف نزيف الاقتتال فيما بينها ومواجهة النظام الذي يضع استعادة الغوطة نصب عينيه. وشهدت الغوطة الشرقية على مدى الأشهر الماضية اقتتالا عنيفا بين جيش الإسلام من جهة وفيلق الرحمان وجبهة فتح الشام (النصرة) من جهة ثانية في محاولة من كل منهما لفرض هيمنته على تلك المنطقة الحيوية الواقعة على تخوم العاصمة دمشق.
ويقول خبراء عسكريون إن هذا التوجه لحل الفصائل واندماجها في جيش موحد سيكون صعبا جدا، ولكنهم مضطرون إلى السير به في ظل تصعيد خطير من النظام الذي يتبع استراتيجية تقوم على شل المنطقة تمهيدا للانقضاض عليها.
وليست الغوطة فقط من تشهد انقساما في صفوف المعارضة ويكاد يكون الأمر عاما في مناطق سيطرة الفصائل المتآكلة.
ويمكن القول إن الجنوب المنطقة الوحيدة التي يوجد فيها نوع من الانسجام بين فصائلها لأنه متحكم بها أميركيا وأردنيا.
وما يؤكد استثنائية الجنوب الهدنة التي تم التوصل إليها بين روسيا والولايات المتحدة في المنطقة والتي لا تزال مستمرة رغم بعض الخروقات.
العرب اللننية