الجزائر – يخفي التعاون الأمني بين الجزائر وفرنسا منافسة شرسة بينهما حول الهيمنة على منطقة دول الساحل الأفريقي التي تضم كلا من موريتانيا والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد.
وعاد الحديث عن التنافس الفرنسي الجزائري حول منطقة الساحل، عقب قمة مجموعة دول الساحل التي حضرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مطلع يوليو الجاري.
ويرى مراقبون أن هذا التنافس خرج إلى العلن منذ أن قامت باريس قبل 3 سنوات، بإنشاء المنظمة الأمنية الإقليمية المتخصصة في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والجريمة المنظمة، من أجل التنسيق بينها لمواجهة “الجماعات الإرهابية”.
ويعد هذا الدور نفسه بالنسبة إلى مبادرة دول الميدان التي تقودها الجزائر وتضم مالي وموريتانيا والنيجر، ما يعني أن الدول الخمس الأعضاء في المنظمة الجديدة، لم تعد بحاجة للتعاون والتنسيق في إطار منظمة دول الميدان.
ويقول محمد تاواتي، الخبير الجزائري في الشأن الأمني “يمكننا أن ننظر إلى المنظمتين الأمنيتين التي أنشئت الأولى بموجب اتفاق مدينة تمنراست في الجزائر عام 2010 والثانية بمبادرة فرنسية كأهم مظهر للخلاف والمنافسة بين باريس والجزائر”.
وأوضح “سياسة باريس في أفريقيا مبنية على اعتبار المستعمرات الفرنسية السابقة في هذه القارة منطقة نفوذ لا يجوز التنازل عنه”.
وأضاف تاواتي “أما بالنسبة إلى الجزائر فإن سياستها في منطقة الساحل، والصحراء تحديدا، مبنية على أساس أن المنطقة هي امتداد طبيعي للجنوب الجزائري، وأن أي اضطراب أمني أو سياسي في المنطقة سينتقل إليها”.
ويقول الخبير الأمني والباحث في شؤون الدول الأفريقية، صلعي عبدالغني، إن “المنظمة التي تقودها باريس جاءت كبديل عملي عن منظمة دول الميدان التي تضم الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا”.
الفرنسيون أدركوا أن دور بلادهم في أفريقيا مهدد من ليبيا القذافي ومن الجزائر التي توسع نفوذها في منطقة الساحل
ويضيف عبدالغني “لا يمكن تفسير المبادرة الفرنسية لإنشاء منظمة التعاون الأمني والعسكري لدول الساحل الخمس، إلا على أنها إحدى أهم مظاهر المنافسة الشرسة بين الجزائر وفرنسا حول من يتزعم دول المنطقة”.
وأوضح “فالجزائر غير موجودة في المنظمة الجديدة من جهة، ومن جهة ثانية يعني التعاون العسكري والأمني بين الدول الخمس في إطار هذا التجمع الإقليمي، أن جيوش هذه الدول ليست بحاجة للتعاون في إطار منظمة دول الميدان”.
ويتابع “هذا يعني حسب رأيي نهاية فعلية لمنظمة دول الميدان التي أنشأتها الجزائر”.
ويوضح عبدالغني أن “منظمة التعاون الأمني والعسكري بين الدول الأفريقية الخمس هي أكبر دليل على المنافسة الشرسة بين باريس والجزائر في منطقة الساحل والصحراء”.
ويقول أبوبكر غريبي، الباحث في الشؤون الأفريقية بالجامعة الأفريقية في أدرار جنوب الجزائر، إنه “في شهر يونيو عام 2010 وقّع رؤساء أركان جيوش أربع دول اتفاقية تعاون عسكري وأمني لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة في مدينة تمنراست وكانت الجزائر القوة الدافعة وراء إنشاء هذه المنظمة العسكرية والأمنية من أجل التصدي للجماعات الإرهابية في الصحراء الكبرى”.
ويعتبر أن هذه المنظمة “قد ساهمت في الحد من خطورة الجماعات الإرهابية إلا أن عمرها كان قصيرا جدا”.
ويضيف غريبي “أعتقد أن منظمة دول الميدان الأمنية والدفاعية انتهت بشكل فعلي في ديسمبر 2011 بعد أن سيطر الانفصاليون في مالي على كامل الأقاليم الشمالية لتسيطر في ما بعد جماعات مقربة من تنظيم القاعدة على إقليم أزواد”.
وتابع “لم تتدخل الدول الثلاث المجاورة لجمهورية مالي وهي موريتانيا والجزائر والنيجر عسكريا لطرد هذه الجماعات من المنطقة، وانتظرت حتى يناير 2013، حيث تدخلت قوات فرنسية في شمال مالي في عملية عسكرية سميت القط البري انتهت بهزيمة الجماعات الإرهابية”.
ويرى غريبي أن “انفصال شمال مالي، ورفض الجزائر التدخل عسكريا في هذه المنطقة، من أسباب النهاية الحقيقية لمنظمة التعاون العسكري والأمني لدول الميدان، حيث تدخل الفرنسيون وباتوا القوة العسكرية الرئيسية التي تكافح الإرهاب في شمال مالي”.
ويقول محمد مرواني، الباحث في جامعة مستغانم “أعتقد أن الفرنسيين أدركوا أن دور بلادهم في أفريقيا يتعرض إلى تهديد حقيقي من دولة ليبيا في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، التي كان لديها نفوذ كبير في عدد من الدول الأفريقية، وبعضها مستعمرات فرنسية سابقة، ومن الجزائر أيضا التي توسع نفوذها كثيرا في منطقة الساحل”.
ويعتقد مرواني أن “الجماعات الإرهابية في شمال مالي قدّمت أكبر خدمة لمشروع عودة فرنسا إلى منطقة الساحل والصحراء، حيث بادرت باريس إلى شن عملية عسكرية كبيرة لإسقاط حكم هذه الجماعات”.
ويضيف مرواني أنه “رغم هذا المنافسة الشرسة بين البلدين إلا أن الجزائر وباريس تتعاونان في مكافحة الإرهاب في الساحل، بل إن القيادة السياسية في فرنسا تدرك أن مفاتيح مكافحة الإرهاب في المنطقة موجودة في الجزائر”.
ومنذ تنصيبه في مايو الماضي رئيسا جديدا لفرنسا، بحث الرئيس ماكرون ملف عملية السلام في مالي والوضع في الساحل مرتين في اتصالين هاتفيين مع نظيره الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة.
ويتابع مرواني “لا يمكن لباريس بسهولة إبعاد الجزائر عن التأثير في المنطقة، وخير دليل على ذلك الدور الجزائري الكبير والمحوري في رعاية واستضافة مفاوضات السلام بين حكومة مالي والحركات الانفصالية في إقليم أزواد”.
واحتاجت فرنسا أثناء عمليتها العسكرية في شمال مالي عام 2013، إلى تعاون الجزائر في مجالات تبادل المعلومات والأمور اللوجيستية.
العرب اللندنية