بغداد – لم تظهر العاصمة العراقية اهتماما بزيارة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي إلى روسيا التي وصلها الأحد، إذ اكتفت وسائل الإعلام المحلية بنشر خبر مغادرة زعيم ائتلاف دولة القانون بغداد، والبيان الذي صدر عن مكتبه بهذا الشأن، على عكس وسائل الإعلام الروسية التي اهتمت بالحدث.
وغادر المالكي بغداد، ظهر الأحد، إلى موسكو في زيارة رسمية، على ما أفاد مكتبه، مصطحبا معه مجموعة من النواب في البرلمان العراقي وعددا من المستشارين.
وذكر البيان أن نائب رئيس الجمهورية سيبحث مع المسؤولين الروس “تطوير العلاقات وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني ومواجهة الإرهاب الذي يشكل تحديا للعالم أجمع″.
ووفقا للدستور العراقي فإن منصب المالكي شرفي إلى حد بعيد، فيما تقع العلاقات الخارجية ضمن الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية.
ولم يصدر أي تعليق من المراكز الحكومية في بغداد على زيارة المالكي.
وتؤكد مصادر “العرب” في بغداد، أن المالكي لم يستشر أي طرف حكومي عراقي بشأن زيارته إلى روسيا، ولم يكلف من قبل أي جهة رسمية ببحث أي ملف مع موسكو.
ويعزو مراقبون زيارة المالكي إلى روسيا ضمن إطار تنسيق التحركات السياسية لما يعرف بـ”محور الممانعة” في المنطقة، الذي يضم إيران وحزب الله في لبنان وعددا من الأطراف السياسية العراقية، يتقدمها زعيم ائتلاف دولة القانون.
ولا تتوقع بغداد تأثيرا روسيا على المجال السياسي العراقي، لكن المالكي يقول، بزيارته هذه، لكل خصومه “هؤلاء حلفائي”.
ويقول هؤلاء إن “المالكي يستعرض في علاقاته السياسية، لكنه يتجاهل حقيقة أنه يمتلك القليل من الأصدقاء في داخل العراق وخارجه”.
واستبعد مراقب سياسي عراقي أن يضطلع المالكي بالقيام بدور حامل الرسائل من أي جهة إلى الروس.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “ربما سعت إيران إلى الزج به في حوار مع الروس باعتباره رجلها القوي في العراق. وفي ظل توقع تراجع الدور الإيراني في سوريا المصحوب بتهديدات أميركية في ما يتعلق بالهيمنة الإيرانية في العراق، فإن إيران تسعى إلى إقناع الروس بأن وجودها في العراق هو الضمانة الوحيدة لاستقراره وعدم العودة إلى مسلسل التنظيمات الإرهابية الذي اختتم حتى هذه اللحظة بداعش”.
وعقب وصوله إلى موسكو، قال المالكي إن موقف روسيا حال دون تدمير منطقة الشرق الأوسط ورسم خارطة جديدة لها، مشيرا إلى أن بغداد كانت لتسقط بيد “الإرهابيين” لولا الدور الروسي المغاير للدور الأميركي.
وقالت وسائل إعلام روسية إن “نوري المالكي نائب الرئيس العراقي وصل إلى موسكو في زيارة عمل لأربعة أيام يلتقي خلالها الرئيس فلاديمير بوتين ورئيسة مجلس الاتحاد فالينتينا ماتفيينكو ووزير الخارجية سيرجي لافروف”.
وقبيل مغادرته بغداد أدلى المالكي بتصريحات اتهم فيها الولايات المتحدة بالمسوؤلية عن “مجيء داعش” إلى العراق.
وقال إن “الإدارة الأميركية السابقة مسؤولة عن مجيء داعش”، مشيرا إلى أن التنظيم احتل الموصل “بمؤامرة اشتركت فيها بقايا حزب البعث وبعض الأطراف السياسية في محافظة نينوى ورئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني”.
ووفقا لمراقبين، فقد حاول المالكي قبيل توجهه نحو روسيا أن “يتقمص صفة رئيس الوزراء”، وأن “يبدو في أنظار الروس ليس مجرد زعيم سياسي، بل صانع قرار عراقي يتحكم بالسلطة التنفيذية”، مستشهدين بقوله، “قضينا على أكثر من نصف مقاتلي داعش في الموصل والبالغ عددهم حوالي 5000 والباقي متخف”، و”أولوياتنا بعد التحرير وضع خطط لإعادة بنية الجيش والاستمرار في عملية التطهير والمهم هو إعادة النازحين وبناء المنازل التي دمرت”.
وقال هؤلاء إن “الجميع في بغداد يعلم أن المالكي كان في غاية البعد عن أي إنجاز عسكري تحقق في الموصل أو غيرها، بل هو يعلم أن تحقيق هذه الإنجازات من قبل حكومة حيدر العبادي، سيذكر العراقيين بالفشل الأمني الذي شهدته الولاية الثانية له”.
ويستمع الروس من خلال زيارة المالكي إلى وجهة نظر الجهة الأكثر تطرفا في ولائها لإيران في التحالف الشيعي الحاكم في العراق. ولأن الروس يدركون جيدا أن التمدد الإيراني في العراق سيعيق مساعيهم لبسط نفوذهم في سوريا وإنهاء الحرب هناك بأسلوب الهدنات في مناطق خفض الصراع فإنهم سيضعون المالكي أمام خرائط جديدة لمناطق النفوذ لن يكون لإيران نصيب يذكر فيها. وتوقعت مصادر دبلوماسية روسية أن تكون الرسالة التي يود الروس إيصالها إلى أطراف التحالف الشيعي الحاكم في العراق مفادها أنه ليس في الإمكان الاستمرار في الاعتماد على الحماية الإيرانية في مرحلة ما بعد القضاء على التنظيمات الإرهابية، وأن المنطقة برمتها لا تتحمل اندلاع صراعات على أساس طائفي.
واستبعدت المصادر ذاتها أن يجد الروس لهم موطئ قدم في العراق من خلال إغراء المالكي بالتخلي عن إيران انطلاقا من انقضاء دورها في المنطقة في ظل اتفاقات أميركية ــ روسية جديدة، فالمالكي ورقته محروقة عراقيا ولا يملك أي رصيد على المستوى الإقليمي.
ووصف المراقب السياسي العراقي فكرة الحديث عن مفاوضات يجريها المالكي في موسكو بـ”نوع من الكلام الناعم الذي يُراد من خلاله التغطية على حقيقة الكلام الخشن الذي سيسمعه المالكي هناك”.
وقال “ليس لدى الروس بعد أن حسموا الأمور لصالحهم في المسألة السورية ما يقدمونه من أجل إرضاء هذا الطرف أو ذاك من أجل القبول بما تم الاتفاق عليه دوليا”.
وأكد على أن روسيا تسعى إلى خفض التوترات في العراق كما هو حالها في سوريا وهو ما يعني أن مصير الحشد الشعبي باعتباره تنظيما طائفيا مسلحا سيكون في مقدمة النقاط التي يطرحها الروس″.
العرب اللندنية