اختفاء فلاديمير بوتين: انقلاب أم تلميع إعلامي

اختفاء فلاديمير بوتين: انقلاب أم تلميع إعلامي

هل يمكن أن يختفي رئيس ثاني أكبر دولة عظمى في العالم، أو يقوم ضده “انقلاب” ونشهد حالة الصمت الدولي الحالية؟ هل قُتل “بوتين” في انقلاب قام به “نيكولاي باتروشيف”، رئيس مكتب الأمن الفيدرالي، كما أشاعت صحف صفراء (تابلويد) غربية شهيرة مثل “ديلي ميل”؟ أم أنه محتجز بأحد القصور الرئاسية؟ ولماذا لم تعلن موسكو ذلك؟

وهل هو مريض بمرض خطير أدى لسكتة دماغية وهناك مشاكل في إعلان خلافته بسبب استحواذه على السلطة؟ أم أنه مصاب بنزلة برد عادية واختفى لهذا السبب؟ أم أنه ينتظر مولودًا جديدًا من علاقة غير شرعية مع إحدى النساء وهو الآن في سويسرا انتظارًا للمولود؟

أم هل كل هذه تكهنات والصمت الروسي الرسمي يؤكد أنها خطة سياسية روسية محبوكة من بوتين ومن أجهزته الإعلامية للتشويق أو حملة إعلامية لتلميعه عبر سياسة الغموض والتعتيم وبث الشائعات بعد الضغوط والحصار الغربي له بسبب احتلاله أوكرانيا، والضغط الخليجي عبر خطة تخفيض أسعار النفط للقضاء على نفوذ روسيا الداعم لسوريا وإيران؟

تأكيدات.. ونفي روسي

ولماذا انتشرت، بالمقابل، في وسائل الإعلام الروسية تغريدة نُسبت لرئيس الحكومة الروسية، ديمتري مادفيديف، يقول فيها: “فلاديمير فلاديميروفيتش مات.. رحمة الرب“؟ فهذا ما كُتب في التغريدة التي ظهرت، وفقًا للأنباء، في موقع تويتر الرسمي الخاص بذلك السياسي، ثم تمت إزالة ذلك النبأ بعد بضع دقائق، ولكن صورة الشاشة تم نشرها على الشبكة.

ثم ما معنى المقالة التي نشرت على موقع “إكو موسكفا”، وتدعو مواطني روسيا “ألا يتأملوا أن أي تغيير بصحة بوتين من شأنه أن يؤدي إلى تغيير نظام الحكم“، وتقول: “بوتين حي، بوتين حي اليوم، وسيبقى حيًا.. واضح أن بوتين أُرسِل إلينا؛ عقابًا لنا على خطايانا.. ومن يتمنى أن يصبح بوتين مريضًا يومًا ما، ومن ثم أن تتحول الحياة في روسيا لتُصبح أفضل، يكون تفكيره هذا طفوليًّا وهو يخدع نفسه“، بحسب ما جاء في المقالة؟

علمًا أنه انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في روسيا نكات ورسوم كاريكاتورية كثيرة تتعلق باختفاء بوتين، كلها تحاول أن تشرح أسباب اختفائه: تارة بأنه يتفسح مع عشيقته، وتارة بأنه في عمل أو مع دبدوب!

وكان الأغرب مما نشر في هذه التغريدات، هو أن بوتين ربما أسلم وأصبح مسلمًا، ولهذا؛ دافع عنه “حيدر جمال” رئيس اللجنة الإسلامية الروسية الموالي للكرملين، وأكد أن نيكولاي باتروشيف رئيس مكتب الأمن الفيدرالي السابق في روسيا ربما يكون هو قائد الانقلاب العسكري عليه!

نفي رئاسي رسمي

المؤكد أن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، نفى منذ 11 مارس الجاري ما تردد من أنباء عن مرض بوتين؛ وقال لوكالة أنباء “بلومبرج”: “الرئيس فلاديمير بوتين بصحة جيدة“.

والمؤكد “رسميًا” أيضًا، أن بوتين، بحسب المتحدث باسم الرئاسة الروسية، لم يرزق بمولود غير شرعي هو الثالث، كما قيل من عشيقته “كاباييفا”، كما قالت صحيفة “الإندبندانت” 15 مارس الجاري. حيث سخر “ديمتري بسكوف” من الشائعات المتداولة حول اختفاء الرئيس بوتين بسبب ظهور طفل جديد، قائلًا: “أعتزم التوجه إلى من يملكون المال لتنظيم مسابقة حول أفضل كذبة إعلامية“.

ولكن هذا لا ينفي ما قاله بوتين نفسه في ديسمبر الماضي، من أنه “واقع في الغرام” بدون أن يحدد من هي من أحبها، وكان ذلك مفاجئًا؛ نظرًا لأنه متكتم جدًا حيال حياته الخاصة، علمًا أن بوتين أعلن في أبريل 2013 انفصاله عن زوجته لودميلا، بعد زواج استمر 30 عامًا، أنجبا خلاله ابنتين، كما نفى بوتين في السابق علاقته بلاعبة رياضية روسية.

الروايات الغربية

فبعد سلسلة من المصادمات مع الغرب، وضغوط سعودية خليجية على نظامه ضمن خطة تقليص عوائد النفط الروسية والإيرانية، وإفشال صفقات سلاح روسية لمصر، ومحاولات لإلغاء صفقة أخرى مع الهند لزيادة الضغط على بوتين؛ انتشرت الإشاعات حول اختفائه وعدم ظهوره في وسائل الإعلام، وكذلك إلغاء اجتماعين مهمين كان من المفترض عقدهما هذا الأسبوع بحضوره، ولكن تم إلغاؤهما، وكذلك عدم حضوره للمؤتمر الاقتصادي المصري في شرم الشيخ والذي كان من المفترض أن يكون أول الحاضرين له ووجهت له دعوة.

هذا الاختفاء، كثرت حوله الشائعات، وكان أغلبها صادرًا عن صحف غربية نقلًا عن مصادر روسية مجهولة، وقيل إن الرئيس الأرميني مشارك في هذه الخطة الغامضة لأنه آخر من تحدث مع بوتين يوم الخميس الماضي ويعلم حالته وأين كان.

فبعض المواقع الأمريكية أكدت خبر وفاته، وأكدت أن هذا الخبر صحيح، وتم نشر الخبر رسميًا على صفحات صحف، ولكن تم حذف الخبر بعد فترة قصيرة، بعدما أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية أن هذا الخبر ليس صحيحًا أيضًا وأنه بصحة جيدة.

وكان الخبر الذي بثته جريدة “ديلي ميل” المتخصصة في الإثارة، حول وقوع انقلاب عسكري ووفاة أو اعتقال بوتين أو إصابته بمرض قاتل، هو الأبرز. كما كان الخبر الذي نشرته صحيفة “إنترناشيونال بيزنس تايمز” حول شائعات الوفاة أيضًا منسوبًا لرئيس اللجنة الإسلامية التابع للكرملين، هو محور الإثارة والشغف لمعرفة مصير الرئيس الروسي.

كما شاركت صحف إسرائيل في الشائعات، وقالت صحيفة “هآرتس” إن هناك “احتمال وقوع انقلاب عسكري على بوتين في روسيا“، وسفيرها السابق في موسكو أكد هذا الاحتمال في تصريح لصحيفة هآرتس.

ورغم رد المتحدث باسم الرئاسة الروسية على نشر وسائل الإعلام الأمريكية خبر حدوث انقلاب على الرئيس الروسي فلادمير، بقوله بالرد بأن التليفزيون الروسي سوف يعرض فيلمًا عن إعادة شبه جزيرة القرم وسوف يقوم الرئيس الروسي بحضوره مع جميع المواطنين الروس، فقد استمر الجدل لأن بوتين لم يظهر.

أزمة داخل الكرملين

صحيفة “الديلي ميل” تحدثت عن “تقارير وتسريبات” تشير إلى وجود أزمة داخل الكرملين على مستوى رئيسه بوتين، وقدمت لذلك أكثر من سيناريو: الأول- كان سيناريو الانقلاب، ووقوعه بترتيب من رئيس جهاز الأمن FSB السابق “نيكولاي باتروشيف”.

أما السيناريو الثاني- فتحدث عن تعرض بوتين (62 عامًا) لوعكة صحية، أشارت بعض الأخبار المتداولة أنها قد تكون سكتة دماغية أنهت حياة الرجل.

فيما كان السيناريو الثالث- هو انشغال بوتين بولادة صديقته غير الشرعية وإنجابها؛ حيث تحدثت بعض المصادر عن تواجدها في إحدى مستشفيات إيطاليا أو سويسرا، وقيل إن هذا ثالث طفل غير شرعي له منها.

هذه السيناريوهات والتكهنات بدأت تتداول بعد غياب بوتين عن الظهور الرسمي لأكثر من عدة أشهر، بجانب إعلان إلغاء رحلته إلى كازاخستان، وهو ما جعل “الديلي ميل” تخمن أن اختفاء بوتين يعزز الأقاويل التي تؤكد وجود انقلاب من قيادات عسكرية عليه، واحتجازه بأحد القصور الرئاسية؛ حيث تعتبر تلك أطول فترة غاب فيها بوتين عن العلن.

وحاولت الجريدة أن تبرز مصداقية الخبر عبر تأكيدات بأن موسكو شهدت تعزيزات أمنية وعسكرية ضخمة الأيام الماضية، مما زاد من تردد الشائعات في الشارع الروسي من وجود تحرك ما في مؤسسات الدولة، وأنها تتحرك ضد بوتين.

وكان تصريح “جايدار جمال”، بحسب الصحيفة، اسمه الحقيقي حيدر جمال، رئيس اللجنة الإسلامية الروسية في الكرملين، أن اسم قائد الانقلاب المحتمل المتداول في روسيا هو نيكولاي باتروشيف، رئيس مكتب الأمن الفيدرالي محل جدل آخر.

حيث ذكرت صحيفة “ديلي ميل” و”بيزنيس تايمز” أن جايدار جمال، رئيس اللجنة الإسلامية الروسية الموالي للكرملين، أكد أن نيكولاي باتروشيف، رئيس مكتب الأمن الفيدرالي السابق في روسيا، ربما يكون هو قائد الانقلاب العسكري غير المعلن، الذي أدى إلى تجريد بوتين من صلاحيات منصب الرئيس.

ونقلوا عن “حيدر جمال” أن بوتين ربما يخضع للإقامة الجبرية بقرار من قادة الانقلاب، في حين أن نشر صور لبوتين وهو يؤدي مهام عمله خلال الأيام الماضية، يمثل محاولة لكسب الوقت من جانب قادة الانقلاب؛ إذ إن بورتاشيف التقى مع الزعيم الشيشاني “رمضان قادروف” في 11 من مارس الجاري، ونجح في ضمه إلى جانبه، بحسب “جمال”، الذي قال أيضًا إن زيارة قام بها باتروشيف إلى الولايات المتحدة مؤخرًا.

دبابات خارج الكرملين

وعندما تطرقت صحيفة “إنترناشيونال بيزنيس تايمز” إلى شائعات اختفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأكثر من أسبوع، قالت: “إن هذا الغياب الغريب أثار شائعات حول مرض بوتين أو حدوث انقلاب عليه، أو توفى أو ذهب لزيارة معشوقته“.

ونقلت الصحيفة أيضًا عن رئيس اللجنة الإسلامية التابع للكرملين نفس قوله إن: “رئيس جهاز الأمن الفيدرالي السابق نيكولاي باتروشيف، قام بانقلاب في موسكو“.

وأشارت الصحيفة إلى أن تقارير إعلامية زعمت أن عدة دبابات شوهدت خارج الكرملين بعد انقطاع التيار الكهربائي لمدة ثلاث ساعات.

نزلة برد

وأمس (الأحد)، خرج التليفزيون الروسي لأول مرة ليعلن حقيقة ما تردد عن انقلاب الكرملين على “بوتين”، أو احتضاره، أو وفاته. وبحسب صحيفة “التليجراف” البريطانية، خرج التليفزيون الروسي ليؤكد أن بوتين أصيب بنزلة برد شديدة، ويتلقى العلاج في إحدى المنتجعات الريفية بالبلاد.

كما أفادت محطة “دوزد” الروسية، أن الرئيس الروسي يتلقى علاجه بشكل طبيعي، مشيرة إلى أنه سيشاهد العرض الوثائقي عن منطقة القرم الليلة (15 مارس).

ونفى التليفزيون الروسي ما تردد عن انقلاب الكرملين على الرئيس الروسي، مشيرًا إلى أن بوتين سوف يشاهد العرض الذي سيبثه الكرملين مساء الأحد، عن ضم القرم العام قبل الماضي.

وقالت مصادر لقناة “دوزد” إن الرئيس كان في مقر إقامته على بحيرة “فالداي” في إقليم نوفجورود. وقال مسؤول في حكومة قازاخستان، طالبًا ألا ينشر اسمه، لـ “رويترز”، إنه من المحتمل أن “بوتين ألغى القمة مع زعيمي قازاخستان وروسيا البيضاء لاعتلال صحته“.

وقال الكرملين، في بيان يوم الجمعة، إنه من المقرر أن يعقد بوتين اجتماعًا مع رئيس قازاخستان “ألمظ بك أتامباييف” في سان بطرسبرج اليوم 16 من مارس، وهو ما قد ينهي التكهنات والشائعات.

الخلاصة:

تبدو قصة بوتين نوعًا من العمل المخابراتي الشبيه بخطة الخداع والغموض المعلوماتي لتحقيق أهداف محددة، هو إلقاء الأضواء على روسيا وبوتين بعدما انطفأ نجمه في الآونة الأخيرة بسبب الضغوط الغربية والخليجية، وأنه ربما جرى استغلال إصابته بنزلة برد لتعزيز الشائعة، وجرى التسريب عبر مصادر روسية لصحف غربية لضمان نشر الشائعة خصوصًا عبر صحف الفضائح مثل “ديلي ميل”.

التقرير