مثلث الرعب إيران إسرائيل أميركا

مثلث الرعب إيران إسرائيل أميركا

75b634ef14d830e96af8a5eb3f131f81_682127_large

ليس للعالم حديث هذه الأيام أكثر من موضوعين هما “داعش” و”النووي الإيراني”! أما داعش فلها موضع آخر للكتابة عنها، أما هنا فموضوعنا هو النزاع الإيراني الإسرائيلي الذي يكاد يصوّر لنا أنه عداء تاريخي متجذّر وما علينا نحن العرب إلا أن نخّير في أي من الجانبين نقف، هل إلى جانب الدولة الإسرائيلية ضد الغزو الشيعي الهادف لتدمير كل ما هو سني؟ أم إلى جانب الدولة المسلمة ضد الدولة اليهودية المستعمرة لأرض فلسطين والعدو الأزلي للإسلام والمسلمين؟
تاريخيا فإن “كورش الكبير” أول وأكبر ملوك الفرس ( قبل 2500 سنة ) له أهمية كبرى وفضل عظيم على اليهود، فقد ذكر في كتب “العهد القديم” أنه حررهم من العبودية وساعدهم في عودتهم إلى فلسطين ومولهم في بناء هيكلهم ( المزعوم ). ومعروف مدى اعتزاز اليهود بتراثهم وكتبهم، وبالتالي فإنه لا موجب تاريخي لكره الفرس كما للمسلمين. من ناحية أخرى فإن أكبر الجاليات اليهودية في منطقة الشرق الأوسط خارج إسرائيل ( الدولة إلى الزوال ) هي في إيران حيت يتجاوز عددهم 125 ألفا ولهم نائب في البرلمان الإيراني، ويشكلون قوة اقتصادية مهمة ومعترف بها. أما داخل إسرائيل فيبلغ عدد اليهود من أصل إيراني مائتي ألف نسمة تقريبا وبينهم قادة عسكريون ونواب لرئيس الوزراء ولهم كلمتهم ومصالحهم في إيران. ثم أن إيران كانت من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل عام 1950 بعد عامين من إعلانها وقد اشتهر تحالفهما معا ضد الرئيس المصري الخالد “جمال عبد الناصر”.
يدين اليهود للإيرانين بالكثير من العرفان فقد أنقذوا آلاف اليهود من المحرقة من خلال دبلوماسييها الذين وفروا لهم طريق الهرب من أوروبا، بالإضافة إلى تهريب يهود العراق الراغبين بالهجرة إلى إسرائيل بعد عام 1948.
وإلى عهد قريب كان الشاه يحكم إيران، وفي ذلك الحين كانت إسرائيل وإيران تحتفظان بعلاقة حميمة لا يكدرها أية عكورة. وامتدت تلك العلاقة على حميمتها في عهد الخميني على أكثر من صعيد فإيران كانت الممول الرئيس لإسرائيل بالنفط أثناء حروبها الثلاث مع العرب، ولا زالت إسرائيل مدينة لإيران بأكثر من ثلاثمائة مليون دولار من ثمن ذلك البترول. وأثناء حرب إيران مع العراق كانت إسرائيل هي المورد الرئيس لإيران بالسلاح إما مباشرة أو بتوريد السلاح الأمريكي من خلال إسرائيل حسب اعتراف شارون ذاته “لأن تقوية إيران من شأنه إضعاف العراق”. كما لعبت إسرائيل دور الوسيط في صفقة السلاح مقابل الرهائن في عهد الرئيس الأمريكي “رونالد ريغان”.
فمتى كانت إيران تهدد إسرائيل وتعدها بالمسح من الوجود؟ ومتى كانت إسرائيل خائفة إلى حد الرعب من إيران؟ هل بينهما حدود مشتركة يتنازعان عليها؟ هل تحتل إيران أرضا إسرائيلية كما تحتل الأهواز العراقية والجزر الثلاثة الإماراتية، أم تحتل إسرائيل أرضا إيرانية كما تحتل فلسطين والجولان وجنوب لبنان؟ هل لديهما خلاف عقائدي وجودي يحتم على علاقتهما بالعداء المطلق؟ هل يختلفان على مياه إقليمية كما يختلف العرب مع إيران بتسمية الخليج أعربي هو أم فارسي؟ هل بينهما خلاف ديني كما بين السنة والشيعة؟ هل فعلا تهدد إيران إسرائيل بالقنبلة النووية؟ هل فعلا من الممكن أن ترمي إيران إسرائيل بالقنبلة النووية؟ وإذا قصفتها بها فأين ستسقطها؟ هل على تل أبيب فتمسح يافا معها وتقتل من العرب أكثر مما ستقتل من الإسرائيليين؟ أم على القدس الغربية فتمسح الأقصى وكنيسة القيامة من الوجود وفوقهما مولد المسيح في بيت لحم بحكم قربهما من بعض؟ أم على عكا أم أين؟ هل ستسقطها إيران على جنوب لبنان المحتل أم في صحراء النقب مثلا؟ إن دولا أخرى تجاور إيران أولى بالرعب من النووي الإيراني، وأولى بالخلاف معها حول الحدود أو لأية أسباب إقتصادية أو حتى دينية وعقائدية.
إن إسرائيل كما إيران لا يختلفان عن بعضهما في مشروعهما التوسعي الاستعماري. إيران تسعى لتشييع السنة، وإسرائيل تسعى لتأمين عمق استراتيجي آمن. إذا لماذا لا يتفق العدوان طالما أن عدوهما واحد على مبدأ ( عدو عدوي صديقي )؟
إن إسرائيل لا تخشى إيران بالمطلق وعيب أن نصدق الكذبة الإسرائيلية لسذاجتها. فلماذا هذا العداء إذا؟ أول الأسباب خلاف على الكعكة ( الأرض والثروات العربية )، والثاني هو الجاليات اليهودية في إيران فإسرائيل تتمنى وصولها جميعا إلى دولتها ولذلك تسعى لتضخيم حالة العداء مع إيران إلى درجة الحرب الأيديولوجية. ذلك لا يلغي احتمال تظاهرهما بحالة العداء استغلالا لبلاهة العرب وبعض حكامهم. أما الثالث فلإطالة أمد استنزاف أموال العرب وإنفاقهم على التسليح وتمويل المعارك في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفي كل مكان.
الرهان الإيراني الإسرائيلي هو على غباء العرب وسذاجتهم، فتارة يستخدمون الدين وتارة المذهبية وتارة أخرى القومية أو السياسية، والعرب كالريشة في مهب الريح يتقاذفها أعداؤهم بلا حول ولا قوة.
إيران لن تهدد أيا من العرب ناهيك عن إسرائيل بقنبلتها الذرية فهذا سلاح عفا عليه الزمن وهو غير قابل للاستعمال في أي من دول العالم اللهم في عقول حكام كوريا الشمالية. إن أذى استعمال القنبلة الذرية هائل جدا ولن يعود بالضرر فقط على من تستخدم ضده، لذلك فمن السذاجة الوقوف في مسعى إيران لتطوير استخداماتها للقنبلة الذرية على خطورة استعمال هذه التكنولوجيا وضرورة منعها على مستوى العالم كله.
أما أميركا فهي دولة عبدة للمال، تستخدمها إسرائيل كما تريد ويحركها عملاء إسرائيل في أميركا كيفما يشاؤون. إن عداء أميركا للعرب ليس أكثر من تبعية للصراع الإسرائيلي العربي.
إن مصلحة العرب هي أولا في التحالف فيما بينهم وتقوية اقتصادهم وتنمية شعوبهم، ثم في التحالف مع غيرهم، وأتمنى لو استطاع العرب الوصول لحالة من التفاهم مع إيران لنقف جميعا في وجه العدو الأول والغاشم، المحتل لأرض فلسطين. إن وحدة العرب وتحالفهم كفيل بإمالة أميركا نحوهم، أو على الأقل تحييدها إلى الحد الأدنى بحيث نكفّ أذيتها.

وليد السبول

نقلا عن صحيفة السوسنة