على نحو يشبه كثيراً سلفه الرئيس باراك أوباما، تم انتخاب الرئيس دونالد ترامب على خلفية أنه “مرشح السلام” النسبي. لكنه عندما وصل إلى سدة الرئاسة، غير وجهته ليدخل في “منطق” المحافظين الجدد في واشنطن الرسمية، الذي يدافع عن خوض الحرب بلا نهاية.
* * *
خلال حملته في الانتخابات الرئاسية الأميركية، رفع دونالد ترامب شعار سياسته الخارجية القومي: “أميركا أولاً”، والذي أوحى بأنه يريد النأي ببلاده عن لهيب نيران الحروب الأجنبية. وحتى قبل ذلك، كان قد غرد على وسيلة التواصل الاجتماعي، تويتر، معرباً عن عدم موافقته على الانخراط الأميركي في الحرب الأفغانية.
ومع ذلك، يبدو أن الرئيس ترامب قد فوض الصلاحيات لوزير دفاعه لإرسال آلاف أخرى عدة من القوات إلى أفغانستان، لتنضم إلى 9.000 جندي تقريباً ممن ظلوا هناك لتقديم المشورة للقوات الأفغانية ومساعدتها، ولمطاردة واصطياد الإرهابيين الإسلامويين. وليس هذه الحادثة هي الوحيدة، والتي تحركت فيها إدارة ترامب بعكس مكامن حرصه الأصلية أو التأمل فيها.
يبدو أن ترامب يقوم بتفويض القرار حول إعادة تصعيد تواجد القوات في أفغانستان إلى وزير دفاعه، جيم ماتيس، لأن الرئيس يريد أن يكون قادراً على التنصل من المسؤولية في حال كانت هذه السياسة غير ناجحة في نهاية المطاف، تماماً مثلما أنحى باللوم على قادة الجيش في حادثة غارة القوات الخاصة الأميركية الفاشلة في اليمن. ومن المرجح أن تفشل عملية إعادة زيادة القوات في أفغانستان أيضاً، لأن الإدارة لا تملك استراتيجية لكسب الصراع الخاسر هناك أصلاً. ومن شأن إضافة 3.000 إلى 5.000 جندي إلى القوات الأميركية في أفغانستان، وفق الجيش الأميركي الذي لا يريد الاعتراف بخسارة الحرب أبداً، أن يسمح للقوات الأميركية بإسداء “المشورة” في مناطق ميادين المعارك بدلاً من البقاء في المقرات العليا، وتولي مهمة استدعاء الضربات الجوية والمدفعية الأميركية دعماً لتلك القوات المحلية.
تشكل الحرب الأفغانية الصراع الأطول في التاريخ الأميركي حيث لا يمكن تصور أي مفهوم “للنجاح” من الناحية الواقعية. ويبقى السؤال: كيف تستطيع قوة معززة من 13.000 أو 14.000 مستشار أميركي تحقيق النجاح من خلال مساعدة جيش أفغاني ما يزال بائساً (حتى بعد 16عاماً من التدريب الأميركي)، عندما لم تستطع قوات أميركية مقاتلة وأكثر قدرة بكثير، قوامها 100.000 جندي هزيمة طالبان خلال الأعوام السابقة من الصراع؟
إذا لم تكن مكاسب طالبان في ميدان المعركة كافية في حد ذاتها، فإن استمرار التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان قد أفضى حتى إلى إعلان بعض المتشددين الإسلامويين الولاء لمجموعة “داعش” الأكثر تطرفاً ووحشية. ويستطيع المرء أن يرى أنه عندما سيكون لقوات يتراوح عديدها بين 3.000-5.000 جندي القليل من التأثير على ميدان المعركة، وهي المحصلة المرجحة، فسوف يبدأ الجيش في المطالبة بإعادة تصعيد أكبر حجماً في الصراع غير المنتهي.
هل يجب علينا أن نمنح الجيش الأميركي شيكاً على بياض لتمويل حرب سرمدية إلى أن يتمكن من التوصل إلى وسيلة ينقذ بها ماء الوجه ويمهد لخروج مشرف؟ هذه الحيلة لم تنطل على أحد في الحرب الفيتنامية.
مصالح الهند
أصبح تنظيم القاعدة، العدو الأصلي للولايات المتحدة في أفغانستان، قوة منتهية أصلاً في ذلك الجزء من العالم. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم الحكومة الأميركية بمساعدة أفغانستان اقتصادياً، كما تساعد القوات الأفغانية عسكرياً وترغب في أن توفر لها الحافز لعمل المزيد في حال انسحبت الولايات المتحدة من القتال. وفي المقابل، لا تريد الهند لدعم خصمها اللدود، باكستان، ضد المتمردين من طالبان في أفغانستان أن يفضي إلى تشكيل حكومة أفغانية تسيطر عليها طالبان أو متأثرة بطالبان، على نحو يفضي إلى زيادة قوة باكستان في منطقة جنوب آسيا. وهكذا، يكون بإمكان الولايات المتحدة أن تسمح للهند، التي لها مصلحة استراتيجية أكبر في هذه الحرب المحلية مقارنة مع الولايات المتحدة في هذه الأيام، بالاضطلاع بمهمة تولي التصدي لطالبان و”داعش” في المنطقة.
بالإضافة إلى إعادة تصعيد التواجد العسكري الأميركي غير الناجحة أصلاً في حرب أفغانستان، يريد البعض في إدارة ترامب تصعيد القتال في سورية وتقديم المساعدة للائتلاف الذي تقوده العربية السعودية ضد الثوار الحوثيين في اليمن المصطفين بقوة مع إيران، خصم السعودية الأعلى في الإقليم.
لقد شن ترامب -الذي يظهر أنه يريد فقط مجرد إثبات أنه أكثر قسوة من سلفه الرئيس أوباما في سورية- هجوماً استعراضياً بصواريخ كروز البالستية على قاعدة جوية سورية بعد هجوم مزعوم بالأسلحة الكيميائية أقدم عليه نظام بشار الأسد. وقبل شن الهجوم الصاروخي الأميركي، كانت إدارة ترامب قد حذرت الروس -وبالتالي السوريين- من أنها ستوجه الضربة، وهو ما خفف إلى درجة كبيرة من قوة أثر الضربة.
ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، يريد البعض في إدارة ترامب توسيع رقعة الحرب ضد “داعش” في سورية لتشمل المليشيات التي ترعاها إيران، والتي تحارب ضد “داعش” هي أيضاً. لكن مخاطر التصعيد في سورية أصبحت واضحة عندما أسقطت طائرة حكومية سورية قنابل على ثوار ترعاهم الولايات المتحدة، مما استدعى قيام طائرة مقاتلة أميركية بإسقاط الطائرة السورية، وهو الأمر الذي دفع الروس إلى إعلان أن أي طائرة أميركية تحلق فوق المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية سوف تعد هدفاً محتملاً. ومن شأن قيام طائرة روسية بإسقاط طائرة أميركية -أو العكس- أن يتسبب بتصعيد خطير لا لزوم له بين قوتين كبيرتين مسلحتين نووياً، بسبب الصراع على محصلة حرب أهلية في بلد لا يعد استراتيجياً بالنسبة للولايات المتحدة.
تشكل رغبة بعض مسؤولي إدارة ترامب في ملاحقة وتعقب المليشيات التي ترعاها إيران في سورية جزءاً من ميل أوسع لدى إدارة الرئيس ترامب إلى دعم المملكة العربية السعودية في تنافسها الإقليمي مع إيران في منطقة الخليج. كما أن ذلك التنافس الإقليمي يتجلى في اليمن البائس؛ حيث تبيع الولايات المتحدة للسعوديين دفعة جديدة من المعدات العسكرية باهظة الثمن، والتي من المحتمل أن يتم استخدام بعضها لقتل الحوثيين في اليمن، بما يشمل الكثير من المدنيين. وإذا كانت سورية لا تنطوي على أهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، فإن دولة اليمن الفقيرة ليست مهمة استراتيجياً بالتأكيد أيضاً.
في الحرب الأهلية السورية، يجب على الولايات المتحدة أن تجلس وتراقب خصومها وهم يقتلون بعضهم بعضاً -داعش والإسلامويين السنة المتطرفين، في مقابل المليشيات التي ترعاها إيران والحكومة السورية الأوتوقراطية وروسيا. وفي الصراع الدائر بين الإخوة في اليمن، لا يبدو الائتلاف الذي قتل أصلاً العديد من المدنيين أفضل من إيران. وفي الحرب الأهلية الأفغانية، يجب على الولايات المتحدة القبول بالهزيمة وسحب قواتها -بدلاً من تصعيد أوار الحرب والسماح للهند بتولي كامل مهمة مساعدة الجيش الأفغاني في قتاله ضد طالبان و”داعش”.
باختصار، يجب على ترامب تجنب احتواء الجيش الأميركي له، واحترام خطاب حملته الانتخابية الذي عنى النأي ببلده بعيداً عن أوار الحروب غير الإستراتيجية.
إيفان إيلاند
صحيفة الغد