سواء أكان [الاستفتاء على استقلال «إقليم كردستان»] عبارة عن مقامرة أو خطوة محسوبة، سيتوجه الأكراد إلى صناديق الاقتراع في 25 أيلول/سبتمبر للاختيار بين الاستقلال أو البقاء ضمن جمهورية العراق. ويمكن القول بأن التصويت لصالح دولة كردية هو حقيقة مؤكدة. فالأكراد يرون أن الأقدار تصب في مصلحة الخطوة التالية نحو الاستقلال، إذ أن «حكومة إقليم كردستان» تُعتبر واحة من الاستقرار في منطقة مضطربة؛ فقد دافعت قوات البشمركة التابعة لها عن المنطقة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وعملت على حماية الأقليات، كما يمكن لـ «حكومة الإقليم» أن تولد عائدات من خلال صادرات النفط.
ولإثبات حق قادة «حكومة إقليم كردستان» في تقرير مصيرهم للعالم، غالباً ما يستشهدون بمظالم تاريخية، بما فيها انعدام الجنسية وحالات الإبادة الجماعية. ومع ذلك، فإن الاعتراف الدولي بدولة كردية خارج نطاق سيطرة الأكراد. وبالتالي، يُعتبر بناء دولة كردية الأولوية القصوى للقادة الأكراد ويجب أن يكون كذلك.
وتُقدّر «حكومة إقليم كردستان» الشرعية الدولية وتسعى إلى اكتسابها في سعيها لإقامة دولة مستقلة. وفي حين أن التدخل الغربي هو أمراً شاذاً، إلّا أنّ الأكراد يرحبون به ويسعون إلى إقناع عواصم الولايات المتحدة والدول الأوروبية بحقهم في تقرير مصيرهم من خلال استفتاء حول الاستقلال.
وتدين «حكومة إقليم كردستان» بوجودها جزئياً للملاذ الآمن الذي فرضه المجتمع الدولي عام 1991. وقد زادت حقوق «حكومة إقليم كردستان» وصلاحياتها بعد تحرير العراق من حكم صدام الاستبدادي في عام 2003. ولا تزال قوات البشمركة، كونها جزءاً لا يتجزأ من التحالف الدولي لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية»، تتلقى الثناء كون عناصرها مقاتلين متمكنين في سبيل الحرية الذين هبّوا لمواجهة إرهاب تنظيم «الدولة الإسلامية» ووحشيته. وفيما اعتُبر بمثابة منح ثقة، قدمت «حكومة إقليم كردستان» حوافز مغرية للشركات الأجنبية، وخاصة في قطاع الطاقة، للاستثمار في كردستان العراق.
وعلى الرغم من هذه النظرة العالمية الظاهرة، لم يرحب المجتمع الدولي بالدعوة الكردية للاستفتاء والانفصال عن العراق، على الرغم من أن الكثيرين أعربوا عن تعاطفهم مع التطلعات الكردية. صحيح أنه تم رسم حدود الشرق الأوسط بصورة عشوائية، إلا أنها تميل إلى الحفاظ على بقائها. فقد جدد جيران «حكومة إقليم كردستان» وأصدقاؤها البعيدون على حد سواء دعمهم لعراق موحد. كما انتقد المسؤولون الأمريكيون مراراً الخطوة الكردية كونها تشتت الانتباه عن المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وعلى صعيد أقرب إلى الوطن، حذرت تركيا، وإيران بشكل أكثر صراحة، الأكراد من زعزعة استقرار المنطقة من خلال تهديد السلامة الإقليمية للعراق.
وعلى الرغم من أن صورة الأكراد في العواصم الغربية مشرقة، إلّا أنّ الساحة الكردية ما زالت بعيدة عن أن تكون منظّمة. فقد أدى المأزق السياسي إلى إغلاق البرلمان لمدة عامين، بينما يعاني الاقتصاد الكردي من انخفاض أسعار النفط. وقد قطعت «حكومة إقليم كردستان» شوطاً طويلاً، إلا أن قصة نجاحها تفسح المجال أمام قصص جديدة من الفئوية، وسوء الإدارة الاقتصادية والفساد.
على الأكراد ألّا يسعون للحصول على تأييد خارجي للتطلعات الكردية على حساب الشرعية السياسية والمؤسساتية المحلية. فالاستفتاء والسيادة قد يثيران في النهاية غضب جيران كردستان غير الودودين، مما يعني أن «حكومة إقليم كردستان» بحاجة إلى دعم مواطنيها بقدر حاجتها إلى حلفائها البعيدين. ولذلك، فمن أجل أن يؤخذ مسعى الأكراد لإقامة دولة مستقلة على المدى الطويل على محمل الجد، يتعيّن عليهم إعادة الالتزام بالعملية الديمقراطية والاستثمار في مؤسسات الدولة. وتحقيقاً هذه الغاية، لا ينبغي أن يكون الاستفتاء وبناء الدولة متتاليين أو متعارضين تماماً. وفي هذا السياق، يمكن أن يستخلص الأكراد عبرة أساسية من إسرائيل، التي يثير نجاحها إعجاب الأكراد على الرغم من ظروفها الصعبة.
وغالباً ما ينسب الأكراد الفرصة التي حظيت بها إسرائيل لإقامة دولتها إلى الدعم الأمريكي. إلا أن ذلك ليس صحيحاً تماماً، حيث أن قصة نجاح إسرائيل تُعزى بشكل أكبر إلى التزامها بالديمقراطية والحوكمة الشاملة، وسيادة القانون، وهي خصائص محلية ذات [إطار قانوني] تجذب الدعم السياسي والاقتصادي الدولي. إن ركائز تلك المؤسسات تسبق العلم الإسرائيلي والعملة الإسرائيلية.
وفي الوقت الذي تمضي فيه «حكومة إقليم كردستان» قدماً في الاستفتاء، فإنها تدين لمواطنيها وللعالم، الذين تسعى للحصول على دعمهم، بإعادة الالتزام بأجندة الحوكمة الرشيدة. وسواء حصلت في النهاية على مقام الدولة المستقلة أم لا، تحتاج «حكومة إقليم كردستان» إلى قضاء مستقل ومحترف يلتزم بقوة بسيادة القانون؛ واقتصاد القطاع الخاص الذي تحرّكه الشركات الصغيرة ورجال الأعمال، وليس محسوبية الحكومة؛ وبرلمان قوي يشكل فرعاً حكومياً موازياً للسلطة التنفيذية؛ ومجتمع مدني مزدهر وصحافة حرة توفر الرقابة والمساءلة؛ وقطاع تعليم يعلّم الشباب أن يكونوا مواطنين وليس أفراداً خاضعين.
وهذه هي السمات المميِزة للدول القوية والمزدهرة والديمقراطية. ولا ينبغي الانتظار لتحقيقها إلى ما بعد الاستقلال، وهذا ما تدّعيه كل دولة متعثرة ما بعد فترة الاستعمار. وللأسف، ليس هناك الكثير في التدابير السياسية الحالية المعتمدة من قبل «حكومة إقليم كردستان»، الذي يمنع تطورها على هذا النحو.
وبمساعدة خارجية، تمكنت «حكومة إقليم كردستان» من إحراز بعض التقدم في تحسين الحوكمة. فعلى سبيل المثال، يساعد البنك الدولي على إعادة هيكلة وتنويع اقتصاد «حكومة إقليم كردستان» القائم على النفط، كما تساعد حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا على إضفاء الطابع الاحترافي على قوات البشمركة الكردية. أما شركات مراجعة الحسابات الدولية فهي تعزز شفافية قطاع النفط في المنطقة. وتُعتبر هذه المساعدة الخارجية ضرورية، لذلك فهي موضع ترحيب. ولكن في النهاية، يجب أن تستثمر «حكومة إقليم كردستان» في قدرتها المؤسساتية الخاصة لتعزيز شرعيتها في نظر المواطنين.
وتُعتبر هذه الرؤية واقعية، وعلى وجه التحديد لأن «حكومة إقليم كردستان» تسير في هذا الاتجاه منذ عام 1991. وقد تم ذلك بشكل متقطع وغير كامل، إلا أنه لا يمكن إنكار التقدم المحرز. فبناء مثل هذه المؤسسات هو المسيرة الفعلية التي يتعيّن على الأكراد تسريع وتيرتها حالياً. ويجب أن لا يتمحور ذلك حول الحدود والأعلام والمقاعد في الأمم المتحدة، وتطلعات خارجة عن السيطرة الكردية، بل حول العمل الشاق المتمثل بتحسين إدارة الأراضي الخاضعة للسيطرة الكردية.
وسيؤدي الحكم الديمقراطي والفعال، بدوره، إلى تعزيز شرعية المسعى الكردي لإقامة دولة مستقلة. فالاستفتاء هو بمثابة قرع باب المجتمع الدولي من الجانب الكردي. إن استحقاق الأكراد لدولة خاصة بهم لن يكون كافياً، بل يجب على «حكومة إقليم كردستان» أن تتصرف وكأنها دولة.
وهنا يحتاج الأكراد إلى المساعدة والتشجيع من قبل أصدقائهم. فمنذ عام 1991، تستثمر الولايات المتحدة في ديمقراطية «حكومة إقليم كردستان» واستقرارها. ويبقى استقلال كردستان قضية تستحق العناء، ويشكل الاستفتاء الكردي الطريقة الأمثل لتحقيق ذلك. ولكن في نهاية المطاف، إن إقامة دولة مستقلة فعلية لا تكون حول الحدود المعترف بها دولياً على خارطة بقدر ما تكون مرتكزة على ما يحصل (أو لا يحصل) داخل تلك الحدود.
بلال وهاب
معهد واشنطن