معركة الرقة.. الهروب من بندقية داعش إلى مدافع الأكراد

معركة الرقة.. الهروب من بندقية داعش إلى مدافع الأكراد


لندن – تدور معارك عنيفة في مدينة الرقة السورية دون أن يسمع عنها أحد. فالقصف اليومي لقوات التحالف الدولي، ودويّ انفجار القاذفات التي تطلقها قوات سوريا الديمقراطية من المدافع يكاد يصم آذان السكان المحليين، دون بصيص أمل عن قرب انتهاء هذه المعارك قريبا.

وتكاد الرقة تختفي من على خارطة التغطيات الإعلامية التي باتت تقتصر على بيانات تصدرها قيادة التحالف الدولي من حين إلى آخر. لكن حياة الناس اليومية وصراعهم من أجل البقاء ظل كامنا في طبقة سفلى لا يراها أحد.

وهؤلاء المدنيون هم الأبطال الحقيقيون، إذ دأبوا على العيش تحت سطوة نظام وحشي أجبرهم على انتهاج أسلوب بدائي للحياة، وكان أسهل عقاب يلجأ إليه في مواجهة أصغر الأخطاء هو الموت المحقق.

وتقول تقارير إن تنظيم داعش أغلق أبواب المدينة قبل أكثر من عام، ومن تسنّى له الخروج منها كان عليه أن يدفع مبلغا يقدر بـ800 دولار، ومن لا يملك هذا المبلغ لم يكن له خيار آخر سوى البقاء داخل المدينة بانتظار قدره.

ويقول تيم رمضان، وهو اسم مستعار لصحافي سوري مازال يعيش في الرقة واختار أن يحكي تجربته في مقال نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، إنه يعيش في الرقة منذ أن سيطر عليها داعش قبل ثلاث سنوات، وعمل هناك لصالح عدة شبكات إخبارية.

ويروي رمضان يوميات 5 آلاف عائلة مكثت في المدينة تحت حكم داعش، ويقول إنه لم يفقد الأمل مع ذلك باستعادة الرقة لجمالها يوما.

ولا أحد يروق له العيش تحت سطوة داعش ولا الخضوع لقوانينه، وفقا لرمضان. وعلى ذلك كان لا بد لكل فرد أن يعيش وفق شخصيتين. الأولى حقيقية في الخفاء تُعرّض صاحبها لخطر الإعدام إذا ما أظهرها خارج منزله. والثانية هي تلك التي تنافق المقاتلين وتظهر لهم المودّة والولاء على حواجز التفتيش.

ولا يملك السكان إلا الإشادة بالتنظيم إذا ما سُئلوا عن ذلك، ولا يملكون إلا إخفاء شخصياتهم الأولى الحقيقية عن أطفالهم، ذلك أن المقاتلين يعمدون إلى التدقيق مع الأطفال في المزاج الحقيقي لأهلهم إزاء “الدولة الإسلامية”.

ويعرض رمضان لنوعية الأسئلة التي يوجّهها رجال الحواجز في الرقة: أين كنتم؟ وإلى أين تذهبون؟ ولماذا تخرجون ليلا؟ إلى جانب عدد آخر من الأسئلة حول الدين، والتي قد يؤدي سوء الإجابة عنها إلى الترحيل إلى معسكرات تعليم الشريعة.

صراع من أجل البقاء
ويقول رمضان، الذي تعرّض لهذا النوع من الأسئلة يوما، إنه كان يتخيل أن طائرات ستقصف المعسكرات التي قد يرسل إليها لتعلّم الشريعة، وأنه راح يلجأ إلى شخصيته الثانية في الرد على تلك الأسئلة والإسهاب في الحديث عن الدين وقصص الإسلام وحكايات المسلمين الأوائل. ويؤكد أن الأمر بالنسبة إليه كان مرعباً، ذلك أنه كان يخترع أغلب هذه القصص.

وأيّ خطأ صغير في الرقة قد يؤدي بصاحبه إلى الموت. ويعمد المدنيون بحنكة إلى اختيار أيّ شخصية يظهرون بها وفي أيّ ظروف، مع الحرص على تجنب أن تسيطر الشخصية المزيفة على أشخاصها.

ويقول رمضان إن الناس في الرقة يرتدون جلابيب ويطيلون لحاهم وشعورهم زاعمين الاقتداء بمظهر مقاتلي داعش لتجنب أيّ مشاكل مع “الحسبة”، أي قوات الشرطة الدينية.

وأضاف أن أيّ مخالفة في الملبس وطول اللحية والشعر تقابل بمخالفة قيمتها 150 دولارا أو 3 أشهر في السجن، أو الاقتياد إلى معسكر للشريعة. ويروي رمضان أن أحد أصدقائه اضطر للبقاء في منزله شهراً كاملاً لأنه أحرق جانبا من لحيته أثناء إشعاله لسيجارة، إذ أن عقوبة التدخين في حكم داعش الجلد.

لكنّ الأمر بات أكثر سوءا في الأشهر الأخيرة بسبب الهجمات التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية للسيطرة على الرقة. ويكشف رمضان أن الغارات الجوية والقصف اليومي كانا سببا في مقتل كثير من المدنيين، إلى جانب قيام قناصة داعش باستهداف أيّ مدني في المدينة يحاول الفرار.

ويقول رمضان إن لا أطباء في المدينة ولا طعام، وإن ما كان يخزّنه الناس من طعام في البرادات تعرض للتعفن بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وأضاف أن الناس كان يعرفون أن المدينة ستتعرض للحصار، ومع ذلك لم يستطيعوا تخزين الغذاء بسبب ارتفاع الأسعار، كما أن كثيرا من المخازن أقفلت أبوابها أو لم تعد تصلها البضائع، فيما الذهاب إلى مخازن بعيدة محفوف بمخاطر جمّة بسبب القصف الجوي.

وبسبب تقدم قوات سوريا الديمقراطية باتت عمليات فرار المدنيين أسهل على الرغم من نشاط قناصة داعش.

ويروي رمضان أن أحد جيرانه فرّ إلى أحد مواقع هذه القوات بعد أن أعطاه مفتاح منزله وسمح له باستخدام ما خزّنه من طعام داخله. ووجد تيم طعاما قليلا في ذلك المنزل، واكتشف أن مدنيين آخرين تمكنوا من الهرب وتركوا طعاماً وراءهم. لكن تيم، الذي يقول إنه قاوم داعش لثلاث سنوات على الأرض في الرقة، يقول إنه لن يتخلّى عن المدينة الآن.

العرب اللندنية