في زيارات الوزراء اللبنانيين الأخيرة إلى سورية، إصرار على نزع ورقة التين الأخيرة عن الحكومة وإعلان صريح أن ما فرضته الموجة الأولى للثورة السورية من مقاطعة عربية لنظام بشار الأسد قد انتهت مفاعليه وأن لبنان سيكون في طليعة المطبّعين العرب مع النظام.
الزيارات العلنية التي بدأها وزيران من الثنائية الشيعية، تأتي بعد العديد من الاتصالات بين ممثلين لرئيسي البلدين. علنية الزيارات لا تفعل، إذن، غير تكريس أمر واقع. وبعد الضخ الإعلامي الكثيف أثناء معركة جرود عرسال بين «حزب الله» و «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، عن التعاون والتنسيق بين الجيش اللبناني والحزب ضد إرهابيي «النصرة»، والذي أـريد منه إسباغ الشرعية على «حزب الله» بصفته جزءاً من القوى الحامية للدولة ومؤسساتها ككل (وليس فقط للأرض وللسكان، كما كانت تصر دعاية المقاومة في السابق)، في سياق لبننة نتائج الحرب في سورية والبناء على هزيمة الثورة لفرض سيطرة سياسية وأمنية واقتصادية نهائية على هذا البلد لمصلحة محور الممانعة، تأتي زيارات الوزراء بذريعة المشاركة في معرض دمشق الدولي والبحث في العلاقات الثنائية.
بغض النظر عن الفشل الرسمي الكامل في الحفاظ على القرارات الحكومية منذ 2011 بعدم التعامل مع النظام السوري إلا ضمن الحدود التي يرسمها الإجماع العربي والعقوبات الدولية عليه، فإن الزيارات تستحق تناولاً من زاوية مختلفة. فإذا كان وجود الآلاف من مسلحي «حزب الله» في سورية قد ألغى عملياً معنى الحدود بين البلدين وفاقم من حدة الانقسام السياسي والطائفي في لبنان وطرح أسئلة عميقة عن مضامين السيادة والوحدة الترابية والاستقلال، خصوصاً بعدما رفض الحزب كل اعتراض على خطواته تلك التي مزج في تبريرها الدوافع المذهبية (الدفاع عن القرى ثم المقامات الشيعية) والوطنية (حماية لبنان من الإرهاب التكفيري)، فإن في الوسع الاعتقاد أن المرحلة المقبلة ستسمح بتقديم إجابات عن الأسئلة تلك على طريق تطابق في السلوك والآراء بين حكومتي البلدين.
يراهن حلفاء بشار الأسد في لبنان، وعن صواب، أن من سيعترض من اللبنانيين، إضافة إلى موازين القوى الواقعية في سورية ولبنان، لا تتيح بأي شكل تغيير المسار الحالي. وما نهج تكميم الأفواه واستدعاء الناشطين إلى الأجهزة الأمنية (التي يُفترض أن الوزير المسؤول عنها من صقور «تيار المستقبل») سوى بداية ظاهرة، قابلة للتعميم والانتشار، ترمي إلى نقل ما جرى من تطويع وترويض مع الإعلام المرئي والمطبوع، إلى منصات التواصل الاجتماعي. يجري ذلك فيما تلوح في الأفق كارثة اقتصادية– اجتماعية تساهم فيها مساهمة ملموسة العقوبات الأميركية المقبلة على لبنان ضمن الحملة المتجددة على إيران وأذرعها، بحيث لن يكون لأفراد معارضين ولا لأصواتهم أي قيمة أو سند أو صدى.
بهذا المعنى يُمثل لبنان المعبر المتقدم للتطبيع مع نظام قتل مواطنيه بالغازات الكيماوية (في الذكرى الرابعة لمجزرة الغوطة الشرقية) وبالبراميل المتفجرة والسكاكين. تطبيع مع الشرّ العادي والهمجية اليومية المستترة بادعاءات العلمانية ومكافحة الإرهاب وحماية الأقليات والسير على طريق القدس. وبهذا المعنى أيضاً يصح استخدام كلمة «التطبيع» التي كانت مخصصة للعلاقات مع الأعداء.
لا يريد أي من المسؤولين اللبنانيين أن يشعر مواطنوهم بالقلق حيال ما يجري وما يُعد له. بل على العكس، يريدون لنا النوم مطمئنين إلى أن المرحلة المقبلة ستكون عهداً للازدهار والاستقرار وأن نتجاهل كل مؤشرات التدهور المحيطة بنا.
حسام عيتاني
صحيفة الحياة اللندنية