على الرغم من التوافق العام في الآراء، إلّا أنّ عقود ما بعد الثورة الإيرانية كانت مليئة بالمنافسة الداخلية، بما في ذلك في صفوف الجيش. وعلى وجه الخصوص، ظهر تضارب في المصالح أحياناً بين القوات البرية لجمهورية إيران الإسلامية – الذراع البرية للقوات المسلحة الوطنية الإيرانية، أو “أرتيش” – و «الحرس الثوري الإسلامي».
وكما هو مبين في المادة 143 من الدستور الإيراني، فإن القوات المسلحة الإيرانية مكلفة أولاً وقبل كل شيء بالدفاع عن استقلال إيران وسيادتها، ولكنها مسؤولة أيضاً عن حماية “الجمهورية الإسلامية الحاكمة”. وفي الوقت نفسه، فإن مهمة حماية الثورة الإسلامية وإنجازاتها، ذات المكافأة الأعلى كما يبدو، منوطة، بموجب المادة 150، إلى القوات المسلحة الثورية – وهي «الحرس الثوري الإسلامي» ومنظمة «الباسيج» – الأمر الذي يوضح نفوذها السياسي الأوسع نطاقاً، وفوائدها الأفضل للجنود، وميزانياتها السنوية الأكبر بشكل ملحوظ. وفي الواقع، كانت ميزانية “أرتيش” للسنة الإيرانية المنتهية في 21 آذار/مارس 2018 هي الثلث التي خُصصت لـ «الحرس الثوري » و«الباسيج» وعملياتهما الاستكشافية. ومثل هذه التفاوتات كانت مصادر أولية لعدم التوازن، وفي بعض الأحيان الخلاف بين السلاحين العسكريين، حتى مع تغير الإدارات والقيادات.
في عام 1987، تم إدخال تغيير طفيف فى المهمات عندما تولت أيضاً القوات المسلحة الوطنية الإيرانية “الدور الاحتياطى” المتمثل بالتعاون مع «الحرس الثوري الإسلامي» في مساعدة المسلمين وغيرهم من الدول الصديقة للمسلمين على الدفاع في وجه التهديدات العسكرية والعدوان حسبما رآه [المرشد الأعلى في ذلك الوقت] ضرورياً. ومنذ عام 2015، قامت “أرتيش” بمثل هذه المهمة في سوريا، حيث تم إرسال مستشارين/مراقبين منفردين من «لواء النخبة 65 المحمول جواً»، المكوّن من مستشاري القوات الخاصة الإيرانية، تحت رعاية «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري». ومع ذلك، يشير هذا الإدراك المحدود للدور الموسّع، حتى الآن، إلى أن القوات المسلحة الوطنية الإيرانية ظلت بعيدة إلى حد كبيرٍ عن مغامرات «الحرس الثوري» الإيراني. وحتى أن عمليات “أرتيش” العرضية في شرق العراق أو شماله، مثل المحاولة التي جرت في آب/أغسطس 2014 لفك الحصار على عامرلي، كانت قصيرة وداعمة في طبيعتها.
ومع ذلك، يرى كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم المرشد الأعلى علي خامنئي والجنرال محمد باقري، الذي يرأس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، وجود تهديدات هجينة على طول الحدود الإيرانية وعبرها وخارجها، وأوضحوا دعوتهم خلال العام الماضي أو نحو ذلك إلى زيادة مرونة القوات المسلحة الوطنية الإيرانية عبر توسيع مسؤولياتها، من بينها تلك المتعلقة بجمع المعلومات الاستخباراتية خارج حدود إيران، على غرار دور «الحرس الثوري» الإيراني. غير أنه بالنسبة لجيش صُمم للانخراط في حرب دفاعية ضد الخصوم التقليديين، فإن الانخراط في حروب بالوكالة على قدم المساواة مع «الحرس الثوري»، كما هو الحال في سوريا، يتطلب الاستعداد والتدريب المتخصص على التكتيكات الهجومية.
التغييرات التنظيمية
بالنظر إلى الاحتياجات التي تم وصفها للتو، قام الجنرال باقري، بعد تعيينه لقيادة هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في حزيران/يونيو 2016، بتوجيه [ضباط] النخبة من القوات المسلحة الوطنية الإيرانية – الذين أُختيروا بسبب ولائهم للنظام قبل كل شيء – نحو تسريع خطة قائمة منذ ست سنوات لإعادة توزيع القوة. وقد صُممت المبادرة، التي أطلق عليها اسم “ثامن الأئمة”، على نموذج دراسة دقيقة لمفهوم فريق اللواء الأمريكي القتالي، وكان الهدف منها تحسين مرونة الجيش وتنقله. وبالتالي، سعى الجيش إلى تحقيق توافق أفضل ضد التهديدات الناشئة الهجينة أو متعددة الأبعاد، فضلاً ضد حقنة من الثورات الثورية والدينية، التي تتزايد باستمرار.
واسترشاداً بهذه الرؤية، بدأ القائد الجديد للقوات المسلحة الإيرانية، الجنرال كيومارس حيدري، الذي حل محل الجنرال أحمد رضا بوردستان في أواخر عام 2016، بإصلاح القوات. فقد أعاد تنظيم كل فرقة من فرق القوات المسلحة الوطنية الإيرانية الإحدى عشرة إلى ثلاثة كتائب قتالية متنقلة مستقلة تعمل تحت سلسلة قيادة مبسطة، مع الإبقاء على البنية العليا لهيئة الفرق. وبعد ذلك، أشرف على إنشاء خمسة مقار إقليميةٍ لقيادة وحدات الجيش. وقد رُفعت هذه الوحدات، بدورها، إلى “مقر عمليات”، وكلها مخولة باتخاذ القرارات داخل مناطق اختصاصها المحلية. وتخضع الكتائب المستقلة حالياً لمقر العمليات، مما يعكس إلى حد ما مفهوم «الحرس الثوري» الإيراني للعمليات اللامركزية.
ويمكن لقائد القوات المسلحة الوطنية الإيرانية وأركانه الانخراط مباشرةً في القيادة والسيطرة على الكتائب الفردية، إذا لزم الأمر، من خلال بنية تحتية مُشكّلة حديثاً تسمى “مقر قيادة الولاية”. وبمجرد قيام هذا الكيان، من المفترض أن يسمح للقادة رفيعي المستوى بتوجيه الأوامر والاستخبارات إلى أدنى المستويات التكتيكية. ووفقاً لأحمد وحيدي، الذي يرأس “مركز الأبحاث الاستراتيجية الدفاعية” الإيراني، تهدف هذه التغييرات التنظيمية والنظرية إلى تمكين القتال في الحروب التقليدية أو غير المتناسقة، والهجينة أو بالوكالة، [وخوض] الحروب مع قوة أصغر وأكثر كفاءة.
ووفقاً لتقرير “الميزان العسكري” لعام 2017 – وهو تقرير سنوي يعده “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” – يضم الجيش الإيراني حالياً حوالي 350 ألف جندي، مقارنةً بحوالي 130 ألف في “الباسدران” («الحرس الثوري الإسلامي») وحوالي1,000,000 في «الباسيج». وعلى الرغم من الجهود التي بُذلت مؤخراً لتعزيز القوات المسلحة الوطنية الإيرانية بالأسلحة والمعدات الجديدة، فإنها لا تزال متخلفة جداً، وكثيراً ما تضطر إلى تصليح المعدات الموجودة باستخدام أجزاء منتَجة محلياً. وقد أدى الاستثمار الطارئ الجديد الذي قامت به قوات “أرتيش” في أواخر عام 2016 إلى تحقيق تحسيناتٍ إضافيةٍ محدودة. ولكن بعد سنواتٍ من العمل تحت ظل العقوبات الدولية، تلقت أخيراً عمليات الجيش الإيراني لصيانة الطائرات والمروحيات تمويلاً في العام الماضي لإعادة طائرات “هيوي” و”شينوك” و”جت رانجر” و”كوبرا” الأمريكية الصنع إلى الخدمة بمعدل عشرة طائرات جوية سنوياً. ويُقال إن ميّزة الرؤية الليلية وميزات أخرى لتحسين الاستهداف قد أُضيفت إلى عدد قليل من الطائرات أيضاً. وفي الماضي، ادعت طهران أن طائراتها المروحية الهجومية قد توغلت إلى عمق أربعين كيلومتراً داخل المجال الجوي العراقي للبحث عن مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» الذين كانوا يقتربون من الحدود الشرقية لإيران.
ولا تزال إيران تواجه نقصاً في الطائرات المروحية والطيارين المدربين، مما قد يستلزم اتخاذ إجراءات على كلا الجبهتين. ومن أجل الحصول على الطائرات اللازمة، تجري طهران حالياً محادثات مع موسكو لتجميع عدة نماذج روسية فى إيران، من بينها نموذج “كاموف كا 62″، وهي مروحية نقل قادرة على حمل ما يصل الى 15 جندياً.
قوة الرد السريع
من المرجح أن تسعى طهران أيضاً إلى معالجة اعتمادها الحالي الفائق على المجندين ذوي التكلفة المنخفضة. وبالرغم من عدم قدرة القوات المسلحة الوطنية الإيرانية على التحول إلى قوة مهنية بالكامل، يسعى قادتها إلى إجراء تغييرات تدريجية تهدف إلى خفض عدد المجندين. كما يطمحون إلى تشكيل “كتائب جديدة للرد السريع” لزيادة قدرة وحدات المشاة القائمة على التنقل من خلال تزويدها بمركبات وعجلات خفيفة أسهل صيانة، ولتشجيع المشاركة الأكثر نشاطاً لـ “طيران جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية”. وفي مسعى واضح للمنافسة المباشرة، أعلن «الحرس الثوري الإسلامي» خططاً مماثلة في 20 نيسان/أبريل، سبقها إنشاء قسم طيران خاص به في أوائل عام 2016. ومن جانبها، تريد القوات المسلحة الوطنية الإيرانية في نهاية المطاف أن تكون قادرة على الرد على أي نقطة انطلاق نزاع محتملة على طول حدود إيران البرية التي تبلغ 5440 كلم في غضون أربع ساعات – وهو هدفٌ طموحٌ بالطبع – بالإضافة إلى قدرتها على الانخراط في بعثات هجومية داخل المنطقة العازلة “الحمراء” الممتدة على مسافة 40 كلم خارج حدودها التي أعلنت عنها القوات بنفسها.
وفي الوقت الحالي، يتمتع الجيش الايراني بثماني قوات خاصة (تُعرف باسم “تاكافار”) وبكتيبتَين للعمليات الخاصة المحمولة جواً. وعلاوةً على ذلك، أعلن المسؤولون أنه سيتم تشكيل لواءين جديدين للرد السريع خلال السنة الفارسية الحالية. وبينما تضم كتائب القوات الخاصة المجندين الذين يتعلمون المهارات الأساسية للقفز بالمظلات ويتم تدريبهم على القتال في بيئاتٍ متنوعةٍ، إلّا أن القوات المحمولة جواً، التي أصبحت الآن “قوات الرد السريع المحمولة جواً”، تتألف أساساً من المهنيين الذين يتلقون تدريباً أوسع نطاقاً في الحرب غير التقليدية والهجمات الجوية وتكتيكات التسلل، والغوص، والقفز بالمظلات، وإنقاذ الرهائن، والقنص، وما إلى ذلك. وفي عام 2015، تم افتتاح مدرسة مخصصة للرد السريع بالقرب من طهران، مع تخرج أول فوج في عام 2016. وبالإضافة إلى ذلك، يُقال أن جميع وحدات القوات الخاصة القائمة تقريباً ستخضع لتدريبٍ لتجديد المعلومات لكي تتمكن من الاضطلاع في نهاية المطاف بمهام الرد السريع. وتبقى معايير الجودة لهذا التدريب غير معروفة، ولكن الوحدات المعنية وُعدت بمعدات أفضل، ولأول مرة، من خلال التدريس بلغة أجنبية.
وعلى الصعيد التنظيمي، تود القوات المسلحة الوطنية الإيرانية أن تحوّل أكبر عددٍ ممكن من كتائب المشاة القتالية والممكننة/المدرعة البالغ عددها 34 كتيبة إلى كتائب هجومية مهنية متنقلة ومسلحة تسليحاً جيداً تضطلع بأدوار دفاعية وهجومية على حد سواء، وفقاً لتوجيهات المرشد الأعلى. كما تتفق هذه الخطوة مع “قانون خطة التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الخمسية السادسة” الذي سنته إيران مؤخراً، والذي يغطي الفترة ما بين عامي 2016 و2121، ومع النظرية الجديدة المفتَرضة لـ “أرتيش”.
قيود مالية
استفادت القوات المسلحة الإيرانية، أو على الأقل مكوناتها البرية والجوية، أقل من «الحرس الثوري» و«الباسيج» من الزيادات الأخيرة في الميزانية، والتي بلغت هذا العام 13 في المائة، بالإضافة إلى 4 في المائة أُخرى خُصصت حصرياً لـ «الحرس الثوري» وبرنامج الصواريخ. ونتيجةً لذلك، لا تزال القوات المسلحة تعتمد على قوة عاملة مدربة ومجهزة تجهيزاً خفيفاً، مع تجنيد معظم الأفراد لمدة أربعة وعشرين شهراً. وحتى قواتها المحترفة تعاني من قلّة الاندفاع، وهو أمر اعترف به مؤخراً القائد الجديد للقوات المسلحة الوطنية الإيرانية. وقد أدى هذا النقص في الاندفاع، الذي ينبع أساساً من المحسوبية الممنوحة إلى «الحرس الثوري» وما نجم عن ذلك من ظروف عملٍ غير ملائمة، إلى إنشاء فرقة عمل في الآونة الأخيرة مكرسة لمعالجة المشكلة. ومع ذلك، ستتطلب جميع هذه الخطط تمويلاً كبيراً يتجاوز ميزانية “أرتيش” بمبلغ 2.3 مليار دولار (مقارنة بميزانية «الحرس الثوري»/«الباسيج» التي تم الإعلان عنها والبالغة 7.65 مليار دولار). وحتى أن الخطط الحالية للقوات المسلحة الوطنية الإيرانية لبيع بعض من ممتلكاتها أو إعادة تطويرها ليس من المتوقع أن تغطي التكاليف، فقد تساعد في أفضل الأحوال على دفع الأجور فقط.
وبالتالي اضطرت القوات المسلحة الوطنية الإيرانية إلى إيجاد مصادر جديدة للإيرادات. وقد فعلت ذلك، على وجه الخصوص، من خلال الانخراط في أعمال شركات الطيران، وشراء حصص الأغلبية في “الخطوط الجوية قزوين” وتشكيل “خطوط معراج” – اللتان تخضعان لعقوبات دولية بسبب مساعدتهما للنظام السوري. كما حاولت القوات السير على الخُطى المربحة لـ «الحرس الثوري» الذي يمتلك “مقر شركة خاتم الأنبياء للإنشاءات” عبر تشكيل شركة خاصة بها للبناء تُعرف باسم “مقر قُرب”. وغني عن القول أن المنافس القوي لشركة “قُرب” في «الحرس الثوري» قد طغى عليها كثيراً فاقتصر عمل الشركة التابع للقوات المسلحة الوطنية على التعاقد من الباطن مع شركة “خاتم الأنبياء”. وعلى أقل تقدير، من المتوقع أن تضمن شركة “قُرب” مشاريع البناء الخاصة بالقوات المسلحة التي يُقال أنها تشمل اثني عشر ثكنة جديدة موزعة في جميع أنحاء البلاد. إلا أن الافتقار إلى الشفافية المالية سيحول دون معرفة الجمهور بكمية هذه الإيرادات التي تُستخدم في نهاية المطاف لتمويل المشتريات وترقية الجهود، وتلك التي يتم الاحتفاظ بها في الجيوب.
الخاتمة
باختصار، تعيد القوة البرية الوطنية الإيرانية تنظيم نفسها عبر كتائب مستقلة للرد السريع لكي تصبح أكثر استجابة وتنقلاً. بيد تبقى فعالية هذه التدابير موضع تساؤل نظراً للعقبات اللوجستية القائمة، والاعتماد على المجندين غير الملتزمين، والمعدات القديمة التي لم تتمكن الصناعات المحلية من استبدالها بالكامل. يُضاف إلى ذلك قيود التمويل، فعلى الرغم من الزيادة البالغة 1.3 مليار دولار على الأقل في ميزانية الدفاع الحالية، من المتوقع أن يُخصص معظم هذا المبلغ لمشاريع الصواريخ التي يديرها «الحرس الثوري» والتي تُعتبر ذات أولوية. ومع ذلك، ولأول مرة منذ عام 1989، يأتي الجنرال أمير حاتمي، الذي سيتولى قريباً منصب حسين دهقان كوزير للدفاع، من صفوف القوات المسلحة الوطنية الإيرانية، ويبقى أن نرى ما إذا كان سيتْبَع ذلك تخصيص حصة أكبر قليلاً من التمويل والمعدات لهذه القوات.
وعلى الرغم من هذه التحولات، من غير المرجح أن تؤدي الجهود الرامية إلى توسيع نطاق محفظة “أرتيش” ومنحها أدوار هجومية إلى تغيير توازن القوى في المشهد العسكري الإيراني. ووفقاً لهذا الرأي، ستحتفظ القوات المسلحة الوطنية الإيرانية بموقفها الحذر والدفاعي وتبقى في الغالب على الهامش. وفي الوقت نفسه، سيواصل «الحرس الثوري»الإيراني و«فيلق القدس» و«الباسيج» قيادة الموقف الإيراني الهجومي للتعامل مع المعارضة الشعبية في الداخل، ودعم الحروب الإيرانية بالوكالة في الخارج.
فرزين نديمي
معهد واشنطن