وصل التوتر التركي- الأوروبي ذروته مع ألمانيا، وبالتالي مع أوروبا عندما دعا أردوغان المواطنين الألمان من أصل تركي إلى عدم التصويت في الانتخابات النيابية في 24 أيلول المقبل لحزب أنجيلا ميركل ولحزب الخضر والاشتراكيين الذين بنظره معادون لتركيا.
في لحظات التوتر كان أردوغان يطرح خيارات مضادة للاتحاد الأوروبي، وكان يشير إلى منظمة شنغهاي للتعاون بزعامة روسيا والصين. مسألة الخروج من مسار التفاوض من أجل العضوية الكاملة بدأ أردوغان يهدد بها. ففي التاسع من أبريل 2017 وصف أردوغان أوروبا بأنها هي الرجل المريض الآن بعدما كانت الدولة العثمانية هي رجل أوروبا المريض. وقال إن أوروبا «ستدفع الثمن» نظراً لمواقفها المعادية لتركيا. وأضاف أن مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ستكون مطروحة على الطاولة ملوحاً بالذهاب إلى استفتاء شعبي حول ما إذا كانت تركيا ستواصل مفاوضات الانضمام أم لا. بل قال أيضاً إنه في حال أقر البرلمان التركي عقوبة الإعدام فإنه سيوقع عليها فوراً. وهو موقف دفع سابقاً دول الاتحاد إلى التهديد بإنهاء المفاوضات في حال إعادة العمل بعقوبة الإعدام.
التلويح/ التهديد التركي بالعمل على الانضمام إلى منظمة شنغهاي يطرح من وقت لآخر نقاشات واسعة في الداخل التركي.
تأسست هذه المنظمة في 26 أبريل 1996 في مدينة شنغهاي الصينية وضمت ست دول: روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزيا وطاجكستان وعرفت باسم «الخمسة» قبل أن تنضم إليها أوزبكستان عام 2001 لتصبح على ما هي عليه الآن.
وفي أول زيارة لرئيس الحكومة التركية آنذاك رجب طيب أردوغان إلى روسيا عام 2005 أعرب عن رغبة نقلها إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالانضمام إلى هذه المنظمة بعدما توجس من النوايا السلبية للاتحاد الأوروبي تجاه تركيا.
لكن تركيا وجهت بعدم تجاوب الصين مع هذه الرغبة. وفي العام 2012 رفض وزراء خارجية المنظمة أن تكون تركيا عضواً مراقباً .
وفي الواقع، إن عوائق انضمام تركيا إلى المنظمة متعددة. منها أن تركيا في مرحلة مفاوضات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كذلك فإن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي ولا يمكن بالتالي التنسيق العميق بينها وبين منظمة شنغهاي في مجالات الأمن. كذلك فإن سياسات تركيا الخارجية تحت عنوان «تعدد البعد» يعني أن تركيا غير قادرة على الالتزام بسياسات محددة قد تقررها منظمة شنغهاي. وتجلى ذلك بوضوح في سياسات تركيا المتناقضة مع روسيا والصين في الشرق الأوسط ولا سيما في سوريا والعراق.
توفر منظمة شنغهاي فوائد متعددة لتركيا في حال الانضمام إليها ومنها مشروعية التحرك في البلدان التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي سابقاً. لكن هذه الفوائد المفترضة مرتبطة بطبيعة العلاقة بين تركيا وبين المنظمات الأخرى التي هي جزء منها أو في علاقات شراكة قوية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي على وجه التحديد. لذا فإن الغرب لن يوافق على أن تكون تركيا عضواً في الوقت نفسه في حلف شمال الأطلسي وفي منظمة شنغهاي.
كذلك فإن عضوية تركيا في هذه المنظمة تأخذها إلى معايير مختلفة عن معايير الاتحاد الأوروبي على صعيد الديمقراطية والحريات العامة وهو ما يجعل تركيا تلقائياً خارج مسار الاتحاد الأوروبي. وما لم تختر تركيا الخروج من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي فإنها لا يمكن أن تكون عضواً مستقبلياً في منظمة شنغهاي. كذلك هناك معارضات داخل تركيا للانضمام إلى منظمة شنغهاي على أساس أن الاتحاد الأوروبي يبقى الخيار الوحيد رغم كل الصعوبات التي يواجهها هذا المسار من أجل المضي قدماً في حركة التحديث. كما إن أردوغان غالباً ما كان يعبّر عن خيار شنغهاي كورقة ضغط على الاتحاد وليس كخيار جدي.
مهما بلغ الخلاف التركي مع أوروبا والغرب فإن أنقرة لا تستطيع الخروج من مربع العلاقة الأوروبية- الغربية. ومهما بلغ التقارب التركي مع منظمة شنغهاي أو أية خيارات بديلة فلا يمكن أن تذهب إلى الحد الأقصى معها أي العضوية الكاملة.
وفي الوقت نفسه فإنه مهما بلغ تقارب تركيا مع الاتحاد الأوروبي ومن مسار الشروط وتلبيتها فلن تصبح عضواً كامل العضوية فيه. وهذه هي المعضلة المزمنة والتاريخية التي تواجهها تركيا منذ أكثر من قرن والتي عنوانها: أزمة الهوية والتي لم تستطع أن تجد حلاً لها.
محمد نور الدين
صحيفة الخليج