“جيش الأسد”: الوجه الآخر لميليشيات العراق الطائفية في سوريا

“جيش الأسد”: الوجه الآخر لميليشيات العراق الطائفية في سوريا

تنطلق الطائرات محملة بالبراميل المتفجرة والكيماوي لتلقيها على منازل السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد، فتحرقها وتدمرها وتحصد أرواح الضحايا، وتنطلق بعدها مدافع الجيش السوري لتسحق ما تبقي من حياة في القرى، وما أن يهدأ القصف والدخان الكثيف حتى تصل سيارات خفيفة وموتوسيكلات تحمل أعدادا من الشباب منتفخي العضلات كأنهم تعاطوا كل أنواع “الستيرويد” المستخدم في صالات الجيم الرياضي على أيديهم أوشام غريبة كالتي تضعها عصابات الغرب على أكتافهم وأيديهم وصدروهم.

يدخل هؤلاء الشبان مفتولي العضلات ما تبقى من المنازل أو المساجد والقرى وهم يحملون غالبًا بنادق الكلاشينكوف، والسكاكين والفؤوس، يذبحون من بقي حيا من القصف، ويشقّون رقاب النساء والأطفال أو يضربونهم حتى الموت كأنهم يتدربون على أكياس الرمل في صالات الألعاب الرياضية، حتى يسقطون مضرجين في دمائهم، وتستمر الجريمة حتى يشعر هؤلاء “القتلة” بالاكتفاء، فينصرفون، حاملين معهم بعض المسروقات وبعض الجثث للتغطية على ما حدث هناك.

إنهم “شبيحة سوريا” أو “شبيحة الأسد” -البلطجية- الذراع غير الرسمية لنظام الأسد في دمشق، وهذه مهنتهم التي يتقاضون عليها ما لا يقل عن 100 دولار يوميا، بحسب اعترافات بعض من اعتقلتهم المقاومة السورية منهم، وغالبيتهم مجرمون سابقون أو عسكريون متقاعدون وأغلبهم من الطائفة العلوية.

لا يخجلون مما يفعلونه ويفتخرون بأنهم شبيحة الاسد، وينشرون صورهم على مواقع التواصل ليثيروا الرعب في النفوس، ويختار النظام أكثرهم انتفاخا في العضلات وأصحاب الوجوه الإجرامية منهم ليصورهم ويوزع صورهم على صفحات الإنترنت.

بسبب طائفيتهم، وولائهم، وإجرامهم، وتدريبهم العنيف، باعتبارهم من القوات المقاتلة الأكثر وحشية، فهم متعطشون للدماء، ويقومون بكل شيء من أجل الصمود أمام اختبارات الولاء التي يعرضها الأسد أمامهم ومن أجل الدفاع عن النظام في دمشق والطائفة العلوية في سوريا.

في كل مرة يحتاج نظام الأسد لنشر الذعر في منطقة ثائرة عليه، أو بها قوات المعارضة، يلجأ إلى هؤلاء الشبيحة الذين لا يختلفون عن قوات “الحشد الشعبي” العراقية الطائفية، التي تحرق منازل سنة العراق وتذبحهم، فوظيفة هؤلاء الشبيحة هي القيام بالعمل القذر.

شبيحة الأسد ..التسمية

الشبّيحة ومفردها “شبِّيح” هو مصطلح عامي يطلق على الأفراد الذين يستخدمون العنف والتهديد باستخدام القوة لخدمة شخص نافذ وذلك لابتزاز وإرهاب الناس، ومرادفها في دول عربية أخي هو “بلطجي“-المأخوذة من التركية وتعود للبلطة المستخدمة في تقطيع الأشجار- فهي مشابهه إلى حد ما لكلمة “بلطجية” التي استخدمت لوصف جماعات موالية للنظام في مصر وكلمة “زعران” التي استخدمت في الأردن.

والعمل الذي يقومون به هو التشبيح، وأصل الكلمة عربي فصيح هو “الشَبْح“؛ أي ربط الإنسان بين وَتَدين لجلده؛ أي إنّ “الشبيح” هو الجلاد الذي يقوم بالعمل الجسدي تنفيذا لأمر الحاكم.

وكان عملهم في التهريب بين لبنان وسوريا، ثم ظهروا بقوة في سوريا في نهاية الثمانينيات بعد اشتغالهم بالتهريب غير الشرعي، ومن أهمّ المهربات المواد الغذائية والألبسة والأدوات الكهربائية.

تاريخ الشبيحة

بحسب مصادر في المقاومة السورية، تم تأسيس هذه الميليشيا الوحشية من قبل عائلة الأسد في مدينة اللاذقية الساحلية في البداية، وكانت بدايتهم بالعمل في لبنان خلال الاحتلال السوري للبنان، وكانوا يعملون بالتهريب إلى لبنان ومنها، وكان يشرف عليهم غالبا أبناء عمومة الاسد، الذين أصبحوا أغنياء.

و”الشبّيحة” هو مصطلح محلي يطلقه أهل المنطقة الساحلية في سوريا، على مجموعة من القوات المسلحة غير النظامية شكلها ابن أخ حافظ الأسد نمير الأسد.

وبدأ ظهور الشبيحة فعليا عام 1975 م بعد دخول القوات السورية إلى لبنان، على يد رفعت الأسد وهو الشقيق الأصغر للرئيس حافظ الأسد، ونمت الظاهرة من مجرد أفراد مهربين إلى عصابات مسلحة، يتم اختيار أفرادها بعناية فائقة من أشخاص لهم عقل صغير وثقافة معدومة وبنية قوية وجسم رياضي كبير الحجم وتدريب قتالي عال، وغالبا يتم اختيارهم من مجرمين ويطلق سراحهم بشرط أن يكنوا الولاء المطلق إلى درجة الموت في سبيل القائد.

وتنوع تهريبهم ليشمل الدخان والمخدرات والكحول والخمور والأسلحة والسيارات المهربة والمسروقة وقطع الغيار والأجهزة المنزلية والسجاد وكل ما يمكن بيعه في سوريا، وامتد التهريب بين سوريا وقبرص ولبنان وتركيا، واتخذوا موانئ طبيعية على الساحل لتكون مراكز التحميل والتفريغ وإعادة التصدير وكانوا أحيانا يستخدمون الموانئ الرسمية تحت تستر ودعم النظام السوري.

وكان أول من اكتشفهم واعتمد عليهم هو الرئيس حافظ الأسد، والد بشار، حيث كان يرسل هؤلاء المجرمين السفاحين إلى الشوارع لوأد أي مظهر من مظاهر المعارضة وهو في مهده، ثم استخدمهم بشار في نفس المهمة مع بدء الثورة الشعبية الثورية لضرب المتظاهرين ومطاردتهم وقتل بعضهم وتعذيبهم.

ومع بدء الثورة السورية بدأ النظام يسلحهم علنا وكانوا يحملوا السلاح في العلن في دمشق والمدن السورية المختلفة، وتظهر عليهم مظاهر الثراء، فهم يقودون -بحسب ما ينشرونه من صور على صفحاتهم علي فيس بوك- سيارات مرسيدس فاخرة مع نوافذ مظلمة كعصابات الغرب، أو ينطلقون في درجات بخارية حديثة فاخرة، ويطلق عليهم “الأشباح”.

وكثير منهم يلتحق بصالات رياضية، ولهم ولاء أعمى لزعمائهم العلويين المحليين، الذين يطلق عليهم “معلم” أو “خال”، وليس معروفًا مصدر تمويلهم، ولكن هناك من يقول إنّ التمويل يأتي من الحكومة مباشرة أو من رجل أعمال ثري على تواصل مع النخبة العلوية، وأنهم يتقاضون ما بين 100 إلى 200 دولار يوميا ما يعتبر ثروة بالنسبة لسوريا.

وبسبب حاجة النظام للمزيد من هؤلاء الشبيحة لحمايته، لجأ إلى شباب الطائفة العلوية، كما لجأ إلى مجرمين ومحكومين وبلطجية يتعاونون مع أجهزة الأمن بمقابل مادي، ووسع هؤلاء الشبان المجرمون تدريجيا أعمالهم الإجرامية الصغيرة إلى مجالات أخرى، وغض النظام طرفه عن إجرامهم لحاجته لهم.

ومع الوقت، أصبح هؤلاء الشبيحة هم ذراع النظام الأساسية في القمع وعصابته الني تنهب وتعطي لأفراد عائلة الأسد، من أبناء العمومة والخال، حتى أصبحوا ميليشيات النظام الطائفية الأساسية التي يعتمد عليهم في حمايته.

جرائم ومجرمون

عملهم -بحسب الجرائم التي تم رصدها- هي: الاغتصاب الجماعي للنساء والفتيات، الإعدامات، إبادة عائلات كاملة بالسكاكين والفؤوس، والاغتيالات، وتعذيب الضحايا وضربهم، ولا يرمش لهم جفن، فمعظمهم مجرمون سابقون، تجار مخدرات، ومهربون على الحدود ومحكومون في جرائم أخرجوا من الزنازين لحماية النظام.

يحرص النظام على أن يكونوا من المفتولين العضلات كي يرهبون الشعب، وكما تُظهر الصور التي ينشرونها لأنفسهم على صفحات الشبكات الاجتماعية، أن لديهم الكثير من الأورام الليفية وعضلات وهمية منتفخة، حيث أخذوا الكثير من الستيروئيدات، التي تستخدم لنفخ العضلات بين الشباب في الجيم الرياضي.

تقدر أعدادهم ببضعة آلاف، والغالبية الساحقة من عناصر الشبيحة هم من العلويين، طائفة الرئيس، ويتم تشغيلهم غالبا من قبل ضباط الاستخبارات الذين يرسلونهم للعمل في مناطق لا يمكن للجيش العمل فيها، أو في مناطق يجب فيها “تربية” أو “تأديب” المواطنين، كما يقول هؤلاء الشبيحة.

في بداية الثورة السورية كانت عناصر الشبيحة غير منظمة ولا ترتدي زيا محددا، ومع إطالة أمد الحرب، أصبحوا يعملون في إطار وحدات شبه عسكرية وبزي عسكري، والقليل منهم -من القيادات- يرتدون زيا مدنيا، أما المهمة الرئيسة لهم فهي قمع الاحتجاجات ومهاجمة الثوار ونشر الرعب في قلوب القرى المختلفة كي لا تتعاون مع الثوار.

عندما وقعت مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق التي أودت بحياة أكثر من 1300 سوري معظمهم من الأطفال أغسطس 2013، انتشرت الاحتفالات بين صفوف الشبيحة، وكانوا يضعون مكبرات الصوت على جسر الرئيس في منطقة البرامكة بقلب العاصمة دمشق، لتصدع منه أجواء الاحتفالات بين صفوف الشبيحة، وهم يجوبون الشوارع بالسيارات ويحملون أسلحتهم في أيديهم الخارجة من السيارات.

وعلى فيس بوك، يمكن أن ترى صورهم التي رفعها مجموعة من الشبيحة وتعطي لمحة غير اعتيادية عن عالمهم المغلق بشكل عام، وقد رفعت الصور مجموعة تعمل في منطقة العاصمة دمشق، ويقودها شخص عرف نفسه باسم ضياء الأسد.

وقد أثارت هذه الصورة فضول الكثيرين علي الشبكة الاجتماعية والإعلام العالمي، لأنها أعطت لمحة عن الحياة اليومية لهؤلاء الوحوش البشرية المقاتلة المتعطشين للدماء، حيث حرصوا على رفع صورهم وهم يحملون أنواعا مختلفة من الأسلحة ويركبون دراجات السباق النارية السريعة، علما أن جزءا من ثروتهم ورواتبهم تأتي مما حصلوا عليه من عمليات النهب، والتي هي جزء كبير من أنشطتهم.

ويقدر تعداد أفرادها ما بين 9 إلى 10 آلاف عنصر، ويقودها أفراد من آل أسد من أبرزهم: منذر الأسد، هلال الأسد، هارون الأسد، أمير الأسد، علي الأسد، محمد الأسد الملقب بشيخ الجبل، فواز الأسد.

ويقوم أفراد هذه العصابة بالتواصل مع بعضهم البعض في الداخل والخارج، ولديهم علاقات خاصة ووطيدة بعصابات إرهابية وطائفية في لبنان وأيضا يمتلكون علاقات مهمة مع بعض المحسوبين على الجاليات السورية واللبنانية في أمريكا الجنوبية، وخصوصا في البرازيل وفنزويلا ودول أخرى في أفريقيا من ضمنها ساحل العاج، وتقوم عصابة الشبيحة ورؤوسها بتهريب الأموال إلى تلك البلدان عن طريق عصابات طائفية لبنانية تابعة للجنرال عون بالإضافة إلى عصابات طائفية إرهابية ميليشيا مرتبطة بإيران.

العالم السري للشبيحة

وقد كشف صحيفة “صنداي تلغراف” في تقرير حولهم -عما وصفته بالعالم السري العنيف والوحشي المظلم للشبيحة الذين تحولوا من دور المهربين والمجرمين إلى دور الموالين للنظام السوري والمتعطشين للدماء.

ونقلت الصحيفة عن الطبيب مصعب العزاوي -الذي يقيم الآن في لندن بعد أن غادر اللاذقية- قوله “إنهم كالوحوش، لديهم عضلات ضخمة، ولحى طويلة وبطون كبيرة، قامتهم طويلة ومنظرهم مرعب، ويأخذون المنشطات لتضخيم أجسادهم“.

ويضيف: “كنت أضطر للحديث معهم كالأطفال لأن مستوى ذكائهم متدنٍ، وهذا ما يجعلهم مصدرًا للرعب، خاصة عندما تجتمع القوة الوحشية مع الولاء الأعمى للنظام“.

ويقول العزاوي إن معظم الشبيحة يتم تجنيدهم من الأندية الخاصة ببناء الأجسام وتشجيعهم بعد ذلك على تناول المنشطات، مشيرًا إلى أنهم يُعامَلون كالحيوانات، ويتم دفعهم من قبل رؤسائهم لارتكاب المجازر.

ففي إحدى المرات ذبح الشبيحة -بحسب “صنداي تلغراف”- 108 منهم 49 طفلا في بلدة الحولة حيث قامت هذه العصابات الموالية للرئيس بشار الأسد بتمشيط البلدة منزلا تلو الآخر وذبحت كل من تجده، وبعد أسبوع تقريبا، هجم الشبيحة على 12 عاملا وأخرجوهم من الحافلة التي كانت تقلهم في بلدة القصير، وقيدوا أيديهم إلى ظهورهم، ومن ثم أطلقوا النار على رؤوسهم.

وتنقل الصحيفة عن سلمى -التي تنحدر من الطائفة العلوية وينتمي أبناء عمها إلى الشبيحة- “حتى قبل الثورة، كان الشبيحة يقمعون أي مظاهرة تخرج“، وتضيف أنهم “كانوا يكسرون أذرع الناس وأرجلهم، مشيرة إلى أنهم على استعداد للقتال حتى الموت من أجل الأسد، وإنهم يدافعون عن طائفتهم“.

وتتابع أن ذويها من الشبيحة كانوا يرتدون الملابس المدنية، “حتى يستطيع التلفزيون السوري أن يقول إنهم مجرد مدنيين يحبون بشار”.

وكان الشبيحة في بداية الأمر مجرد عصابة من المافيا التي تجني أموالا طائلة من تهريب السلع الرخيصة في سوريا إلى لبنان مثل الديزل والحليب والأجهزة الإلكترونية، حسب ما تقول “سلمى”، غير أن عائلة الأسد الحاكمة غضت الطرف عن جميع تصرفاتهم الإجرامية والعنيفة، فأصبحوا مقابل ذلك مدافعين مخلصين للنظام.

وتشير الصحيفة إلى أن بشار الأسد ووالده الراحل حافظ الأسد استخدما الشبيحة في السابق لترويع السوريين وتطويعهم، عبر غسل الأدمغة وزرع الاعتقاد فيهم بأن الأغلبية السنية هي العدو.

 عادل القاضي 

التقرير