تل 19 شخصًا على الأقل بعد اقتحام مسلحين اثنين لواحد من المتاحف الأكثر شهرة في تونس يوم الأربعاء الماضي. ويعتقد أن 17 من القتلى هم من السياح، ومعظمهم من الرعايا الأوروبيين. ويعد هذا الهجوم ضربة كبيرة للدولة التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على الزوار الذين يتدفقون إلى شواطئها المتوسطية وآثارها القديمة. وقال رئيس الوزراء التونسي “حبيب الصيد”: “هذا عمل جبان لتقويض اقتصادنا وقطاع حيوي مساهم في هذا الاقتصاد“.
ويسلط هذا العمل، وهو واحد من أسوأ الهجمات في تاريخ تونس، الضوء على العنف الذي اندلع في البلاد، في نفس الوقت الذي تمت الإشادة فيه بديمقراطية تونس الوليدة باعتبارها قصة النجاح الوحيدة لانتفاضات عام 2011 العربية.
ارتفاع التشدد
ويأتي الهجوم على متحف الباردو الوطني وسط تزايد المخاوف من التشدد الإسلامي في هذا البلد الإفريقي الشمالي الصغير، الذي تعد غالبية سكانه من المسلمين ولكنه حكم لعقود من قبل العلمانيين.
ومنذ سقوط المستبد زين العابدين بن علي في عام 2011، وهو الحدث الذي أعطى الدفعة الأولى للحركات المؤيدة للديمقراطية في أماكن أخرى من العالم العربي، وجد المتطرفون الإسلاميون المزيد من الأتباع في تونس، على الرغم من أنهم لا يزالون أقلية صغيرة هناك. واستمر وجود ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وهي الأمور التي شجعت الاحتجاجات ضد “بن علي”، كمشاكل كبيرة في البلاد.
واكتسبت “أنصار الشريعة”، وهي جماعة متطرفة سلفية على صلة بتنظيم القاعدة، المزيد من القوة، ووجهت نداءها إلى حد كبير إلى الفقراء والمحرومين من الشباب التونسي. ويشتبه بأن هذه المنظمة تقف وراء موجة من الاغتيالات والهجمات الإرهابية الأخيرة، بما في ذلك هجوم على سفارة الولايات المتحدة في عام 2012. وقد قتل قائد بارز في المجموعة الأسبوع الماضي في ليبيا، بينما كان يقاتل جنبًا إلى جنب مع فصيل متحالف مع منظمة الدولة الإسلامية المتشددة.
وكما وثقت صحيفة واشنطن بوست، كان التونسيون من بين أكبر المجموعات الأجنبية التي سافرت إلى سوريا والعراق للانضمام لصفوف الدولة الإسلامية. وقد ورد أيضًا أن الحكومة ألقت القبض على نحو 1500 من المسلحين العام الماضي.
السياسة المضطربة
ويعترف المسؤولون التونسيون بأنهم تأخروا في إدراك التهديد الذي تمثله أنصار الشريعة، والتي أعلن أنها تمثل جماعة إرهابية في عام 2013 فقط. وقد قال المنتقدون إن حزب النهضة الحاكم حينها لم يأخذ خطر المتشددين على محمل الجد بما فيه الكفاية.
وتغيرت الأمور بعد اغتيال اثنين من السياسيين اليساريين البارزين من قبل المتطرفين الإسلاميين. وهزت احتجاجات مناهضة للإسلاميين تونس، وفاز حزب علماني له علاقات مع النظام القديم في أول انتخابات عامة حرة ونزيهة في البلاد نهاية العام الماضي.
وفي السنوات التي تلت رحيل زين العابدين بن علي، كافحت تونس لبناء نظام سياسي مستقر وشامل. وأدت الانقسامات العميقة بين العلمانيين والإسلاميين إلى أزمة سياسية في عام 2013 أجبرت حزب النهضة على التنحي. ولكن جماعات المجتمع المدني روجت لـ “الحوار الوطني“، وهو ما أسفر عن انتخابات العام الماضي وتمرير دستور جديد هو الأكثر ليبرالية في العالم العربي.
العلمانيون مقابل الإسلاميين
ترك الزعيم التونسي البارز في فترة ما بعد الاستقلال، وسلف زين العابدين بن علي، الحبيب بورقيبة، بصمةً كبيرة من خلال سن القوانين العلمانية والمبادرات المناهضة للإسلاميين.
وقد سخر بورقيبة من ارتداء الإناث للحجاب، وشرب ذات مرة عصير البرتقال خلال بث تليفزيوني في شهر رمضان. كما أنه ترأس أيضًا اعتقال الآلاف من المعارضين الإسلاميين.
وبعد انتفاضة عام 2011، عاد الإسلاميون في تونس من عزلتهم ومنفاهم. وأنهى كبار السياسيين منهم عقودًا قضوها في المنفى، وأصبحت مجموعة متنوعة من المنظمات الإسلامية قادرة لأول مرة على القيام بأنشطتها بشكل علني.
وقد أدى كل هذا إلى عودة الاحتكاك من جديد. وفي عام 2012، قام مثيرو الشغب السلفيون، ولغضبهم من معرض فني، بمهاجمة المكاتب الحكومية. وفي العام نفسه، ألقيت قنبلة حارقة في منزل مدير إحدى شبكات التليفزيون الرائدة، واتهم في المحكمة بـ “انتهاك الآداب العامة“.
وفي عام 2013، تكثف رد الفعل العنيف ضد الإسلاميين بعد مقتل شكري بلعيد، وهو قيادي يساري يحظى بشعبية واسعة. وجاء حزب علماني في المركز الأول في الانتخابات التشريعية في أكتوبر عام 2014، وفاز أحد أعضائه بالرئاسة.
ولا يزال هناك أسباب للتفاؤل حول مستقبل تونس، حتى في أعقاب هجوم يوم الأربعاء الإرهابي. حيث يبقى حزب النهضة قوة كبيرة في المعارضة، على عكس ما حدث في مصر؛ حيث أطاح الجيش بجماعة الإخوان المسلمين من السلطة، ووضع قادتها وآلاف النشطاء في السجن. وفي تونس أيضًا، هناك منظمات مجتمع مدني قوية، على عكس معظم جيرانها.
وقد أصدر “النهضة” بيانًا أدان فيه الهجوم على المتحف، وشدد على أن: “هذه الجريمة لن تكسر إرادة شعبنا، ولن تقوض ثورتنا وديمقراطيتنا“.
http://www.washingtonpost.com/blogs/worldviews/wp/2015/03/18/why-tunisia-the-arab-springs-sole-success-story-suffers-from-islamist-violence/