بشكل مفاجئ ومتسارع فتح القضاء الأمريكي ملفات ما يقول إنها قضية مساعدة تركيا لإيران في التهرب من العقوبات الدولية عليها خلال السنوات الماضية، مستهدفاً بذلك وزيراً سابقاً ومسؤولين مقربين من الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان.
القضية تعود إلى سنوات ماضية، عندما بدأت تتحدث واشنطن عن دور تركي في مساعدة إيران التي كانت تقبع تحت عقوبات دولية بسبب برنامجها النووي في التحايل والتهرب من هذه العقوبات، وقبل أكثر من عام أوقفت السلطات الأمريكية رجل الأعمال التركي من أصل إيراني (رضا زراب) إلى جانب (محمد حقان) ووجهت لهم تهماً في هذا الإطار حيث من المتوقع أن تبدأ محاكمتهما في 30 تشرين الأول/أكتوبر في مانهاتن (نيويورك) ويواجهان عقوبة بالسجن تصل إلى 30 عاما.
و»رضا زراب» هو رجل أعمال تركي (34 عاماً) مقرب من أردوغان وكان قد تعرض للاعتقال من قبل الأمن التركي نهاية عام 2013 في القضية التي عرفت لاحقاً بـ»محاولة الانقلاب القضائية»، حيث اتهم أردوغان أتباع فتح الله غولن في سلك القضاء بمحاولة القيام بانقلاب من خلال اتهام وزراء ومقربين منه بقضايا فساد ورشوة. وبعد أشهر طويلة على هذه القضية، وسنوات على ملف مساعدة إيران بالتحايل على العقوبات، وجهت السلطات الأمريكية الأربعاء الماضي لتسعة أشخاص بينهم ثمانية أتراك منهم وزير الاقتصاد السابق ومسؤولون مقربون من الحكومة تهمة القيام بصفقات مئات ملايين الدولارات لحساب الحكومة ومنظمات إيرانية. ومن أبرز المتهمين المتوقع أن تُصدر السلطات الأمريكية قرار اعتقال بحقهم، محمد ظافر شاغليان (59 عاما) الذي كان انذاك وزيرا للاقتصاد وسليمان اصلان، ولاوند بلقان، وعبد الله حباني، وجميعهم مسؤولون في مصرف «البنك التركي-1» الحكومي، ومتهمون بـ»تبييض أموال عائدة لإيران وإتاحة المجال أمامها للوصول إلى النظام المالي الأمريكي لقاء ملايين الدولارات من الأموال والذهب». هذه القضية التي صعدت الخلافات الموجود أصلاً بين واشنطن وأنقرة، يتوقع أن تتصاعد بشكل أكبر في حال إصدار قرار اعتقال بحقهم من المتوقع أن يُحول للشرطة الدولية «الإنتربول» وهو ما تعتبره أنقرة محاولة للنيل منها لا سيما وأن المتهمين جميعهم مقربون من الحكومة وبينهم وزير سابق. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي اعتبر قرار القضاء الأمريكي «قراراً سياسياً موجه ضد الدولة التركية»، قال: «هذه الإجراءات سياسية بالكامل»، مضيفا «أقول بوضوح شديد: بالنسبة إلي هذا الإجراء هو إجراء اتخذ ضد الدولة التركية»، وتابع: «على الولايات المتحدة أن تعود عن هذا القرار». وخاطب واشنطن بالقول: «قد تكونون بلدا كبيرا، ولكن أن تكونوا بلدا عادلا هذه قضية أخرى». وقال نائب رئيس الوزراء، المتحدث باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ، الإثنين، إنّ علاقات بلاده التجارية مع إيران والتعاملات الحالية في البنوك التركية، مطابقة للقوانين المحلية والدولية، وتخضع للرقابة، معتبراً أن «القضاء الأمريكي بات آلة لتصفية حسابات منظمة فتح الله غولن الإرهابية مع الحكومة التركية، عبر قضية الإيراني زراب». وألمح الناطق باسم الحكومة إلى الجانب السياسي في القضية عندما قال «الوزير الأسبق تشاغلايان عمل على حماية مصالح الدولة التركية، بشكل يتوافق مع القوانين المحلية والدولية.. هناك غايات أخرى تكمن وراء إدراج اسم تشاغلايان في قضية زراب»، وأضاف: «في هذه القضية هناك شيء آخر ونراقب مجريات القضية عن كثب، فهناك لعبة قذرة ضدّ تركيا وهذه القضية جزء من هذه اللعبة، فلا توجد أدلة ضد تشاغلايان». وترتبط الاتهامات الأمريكية بشكل مباشر ببنك خلق (halkbank) الحكومي ما يعني أن الاتهامات تستهدف الحكومة التركية بشكل غير مباشر، وتخشى أطراف تركية أن يتطور الأمر إلى اتخاذ إدارة ترامب هذه القضية مدخلاً من أجل فتح الباب أمام القيام بضغوط اقتصادية على الحكومة التركية والتهديد بحجز أموال أو وقف معاملات تجارية لا سيما وأنه من غير الوارد أن يوافق أردوغان على تسليم المتهمين إلى القضاء الأمريكي.
ويرى مراقبون أن لجوء إدارة ترامب إلى تفعيل هذه القضية في الوقت حالياً لا يبدو منعزلاً عن التوتر المتصاعد في الخلافات بين البلدين لاسيما فيما يتعلق في المطالبات التركية المتتالية بتسليم فتح الله غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة وتتهمه أنقرة بقيادة وتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي.
كما تصاعدت الخلافات بين البلدين على خلفية إصرار واشنطن على تقديم الدعم العسكري إلى الوحدات الكردية في سوريا التي تقول أنقرة إنها الامتداد السوري لتنظيم بي كا كا الإرهابي وتشكل تهديداً مباشراً على أمنها القومي، وسط خلافات حول إدارة الأزمة السورية.
لكن الخلاف الأكبر على ما يبدو يتمثل في غضب الإدارة الأمريكية من التقارب المتزايد بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وميل أنقرة لمخططات بوتين في سوريا على حساب الرؤية الأمريكية، بالإضافة إلى القضية الأبرز حالياً والمتمثلة في قرب إنهاء صفقة بيع روسيا منظومة إس 400 الدفاعية إلى تركيا وهو ما يثير قلق واشنطن وحلف الناتو الذي يعتبر حصول تركيا على أسلحة روسية إستراتيجية بمثابة انحراف كبير عن خط الحلف.
وتزامن فتح القضاء الأمريكي لهذه القضية مع توجيه اتهام إلى مرافقين لاردوغان بضرب نشطاء أكراد في واشنطن على هامش زيارة للرئيس التركي في أيار/مايو الماضي، في قرار اعتبرته أنقرة «منحاز» وقالت إنها «تحتفظ بالحق في التصرف بالطرق القانونية» ضد هذه الاتهامات الـ»عارية عن الأساس»، حيث من المتوقع أن تصدر السلطات الأمريكية أيضاً قراراً باعتقال العديد من حراس أردوغان وهو ما سترفضه أنقرة بطبيعة الحال.
بعد فشل الضغوط السياسية… هل تمهد واشنطن لفرض عقوبات اقتصادية على تركيا؟
صحيفة القدس العربي