يهدف واحد من أهم أسباب سعى الولايات المتحدة لإبرام اتفاق نووي مع إيران، إلى منع القنبلة الإيرانية من إطلاق سباق نووي في الشرق الأوسط. إلا أنه حتى مع استمرار المحادثات الآن في سويسرا، بدأ منافسو طهران الإقليميين بالفعل في العمل بهدوء على الطموحات النووية الخاصة بهم. وقد تكون الطاقة النووية في طريقها إلى الزوال تقريبًا في كل مكان آخر في العالم، ولكنها في قمتها في تلك المنطقة الغنية بالنفط.
فقد جعل إعلانها في الشهر الماضي أنه تم التعاقد مع روسيا لبناء مفاعل قرب الإسكندرية، مصر فقط أحدث وافد في درب القوى النووية الناشئة. فقد أعلنت كل القوى السنية الرئيسة الأخرى في المنطقة عن خطط مماثلة.
ورغم أن أيًا منها لم تصل في درجة الطموح ولا الغموض إلى إيران والتي تعد المسيطرة على دورة الوقود النووي بكاملها؛ إلا أن الراية الحمراء ترتفع مع كل برنامج عسكري يتم الإعلان عنه في المنطقة.
فباستثناء (إسرائيل) التي لم تعترف أبدًا علنًا بترسانتها النووية المعروفة على نطاق واسع، لم يكن لدى أي بلد في الشرق الأوسط (باستثناء إيران)، أي برنامج نووي سلمي أو غير ذلك، حتى بدأت الإمارات العربية المتحدة في بناء مفاعل في يوليو عام 2012 (والذي من المقرر الانتهاء منه في عام 2017).
وتضم القائمة الآن مصر وتركيا والأردن وعدو إيران اللدود المملكة العربية السعودية، والتي كشفت العام الماضي عن خطط لبناء 16 محطة نووية خلال العقدين القادمين. وعندما زار رئيس كوريا الجنوبية (التي لديها 23 محطة نووية) المملكة في وقت سابق من هذا الشهر، وقع قادة البلدين على مذكرة تفاهم تدعو سيول لبناء اثنين من محطات الطاقة النووية. كما عمل السعوديون ترتيبات مماثلة مع الصين والأرجنتين وفرنسا.
ويقول مارك فيتزباتريك الخبير النووي السابق بوزارة الخارجية الذي يدير الآن برنامج نزع وعدم انتشار السلاح في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن: “إن ذلك ليس فقط لأن الطاقة النووية ينظر إليها كخطوة أولى نحو خيار الأسلحة النووية، بل إن هناك أيضًا عاملًا الهيبة؛ ومواكبة الجيران“.
قد يكون لدى دول الشرق الأوسط أسباب مشروعة للاستثمار في الطاقة النووية. فالأردن، على سبيل المثال، تكاد لا تمتلك أي نفط سائل، كما أن لديها كميات أقل من المياه. وبرغم أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تمتلكان احتياطيات نفطية ضخمة، ولكنهما تفقدان عائدات التصدير المحتملة بسبب حرق النفط في الداخل لتوليد كميات ضخمة من الكهرباء التي تمتصها محطات التحلية.
وفي تركيا، وعلى الرغم من الطاقة الكهرومائية المثيرة للإعجاب، إلا أنها مضطرة لاستيراد النفط والغاز الطبيعي.
ولكن كل ذلك ليس أمرًا جديدًا. غير أن الشيء الذي تغير في السنوات الأخيرة هو تنامي القدرات النووية الإيرانية، البلد الشيعية التي يعتبرونها تمثل تهديدًا كبيرًا. فقد حذر العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني من “هلال شيعي” من الدول المتحالفة مع إيران يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي. بينما أعلن السعوديون بوضوح أنهم سيمتلكون سلاحًا نوويًّا، إذا ما امتلكت إيران واحدًا.
ويقول شارون سكواسوني، مدير برنامج الوقاية من انتشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: “إن هذا ليس أقصر الطرق لامتلاك سلاح نووي بأي وسيلة، ولكن إذا وضعت نفسي مكانهم، فإنني سأعتقد أنه ربما كان من المنطقي أن نبدأ في هذا الطريق لنرى ما إذا كنا سنستطيع تطوير (برنامج) نووي مدني، وإذا كنا سنمتلك بعض القدرات على طول الطريق، وهذا أمر مقبول“.
ويتصاعد الشك مع كل إعلان جديد، ويرجع ذلك إلى أن جزءًا من الشرق الأوسط يخالف الاتجاه العالمي. فقد انخفض عدد المحطات النووية في جميع أنحاء منذ انهيار محطة فوكوشيما دايتشي في اليابان في عام 2011.
وقد اختلفت ردود الفعل حسب البلد. فقد نبذت ألمانيا الطاقة النووية كليًا بعد وقوع الكارثة، في حين ضغطت الصين قدمًا، بالتخطيط لأكثر من 100 من المفاعلات الجديدة. ولكن في معظم الأماكن، دفعت المخاطر البيئية وارتفاع التكاليف الدول للتحول عن الطاقة النووية.
غير أن التكلفة وحدها قد تمنع بعض دول الشرق الأوسط من الانضمام للسباق. حيث تبلغ تكاليف بناء محطة نووية 5 مليارات دولار على الأقل، بحسب فيتزباتريك، ومصر تعاني من فقر مدقع بينما يعتمد الأردن بشكل كبير على التحويلات والمساعدات الخارجية. لكن السعوديين لا يزال لديهم المال، كما أنهم رفضوا باستمرار مطالبة الولايات المتحدة لهم بتوقيع تعهد بعدم تحويل أي برنامج نووي نحو إنتاج قنبلة (وهو التعهد الذي قطعته دولة الإمارات العربية المتحدة) وفقًا للمسؤول السابق في البيت الأبيض، غاري سامور.
وقد وقعت المملكة العربية السعودية على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ولكن إيران فعلت ذلك أيضًا، وفي النهاية يمكن تشغيل السباق من قبل الهند وباكستان، الدولتين الفقيرتين اللتين امتلكتا طاقة نووية في عام 1974 وعام 1998، على التوالي.
وتهدف المحادثات في سويسرا إلى أكثر من مجرد منع إيران من الحصول على القنبلة النووية. فهم يعملون أيضًا على إقناع الدول المجاورة لإيران أن الخيار النووي فعال خارج الطاولة.
ويقول دبلوماسيون إن المحادثات إذا انتهت بعقد اتفاق نهائي، وهو ما سيعد فوزًا للجمهورية الإسلامية، فسيتقدم جيرانها في مسار سريع لتنفيذ خططهم النووية الخاصة؛ وهو ما قد يؤدي إلى انتشار نووي خطير للغاية.
التقرير