في الأسبوع الماضي، أصدرت محكمة عسكرية لبنانية حكماً بالإعدام على زعيم جهادي سنّي لبناني يدعى الشيخ أحمد الأسير. ويقبع الأسير خلف القضبان منذ عام 2015 بسبب مسؤوليته عن صدامات وقعت بين مؤيديه و”الجيش اللبناني” في صيدا قبل عامين، أسفرت عن مقتل 17 جندياً. وفي حين أن عدداً ضئيلاً من اللبنانيين فقط سيحزن على الحكم الصادر بحق الأسير، أطلق خبر إعدامه في وقت قريب شرارة احتجاجات الشارع السنّي في مختلف أنحاء البلاد. فبالنسبة للعديد من السنّة، تعكس المعاملة القاسية التي تلقاها الأسير النفوذ العلني للميليشيا الشيعية «حزب الله» في بيروت.
إن قصة الأسير بحدّ ذاتها تسلّط الضوء على تفوّق «حزب الله» في لبنان. وبالعودة إلى عام 2013، نفّذ “الجيش اللبناني” عملية عسكرية استمرت يوماً كاملاً ضد الأسير و200 من أنصاره المدججين بالأسلحة في بلدة عبرا، قرب صيدا. وخلال خمس وعشرين ساعة، أفادت التقارير أن “الجيش اللبناني” أطلق نحو 400 ألف طلقة نارية خلال محاولته قتل الجهاديين. غير أن “الجيش اللبناني”، الذي عجز عن إلحاق الهزيمة بالأسير، طلب مساعدة «حزب الله»، منسقاً العمليات مع الميليشيا المدعومة من إيران لاقتحام معقل المسلحين ودحر الجماعة في النهاية.
ومنذ ذلك الحين، يمكن القول بموضوعية إن «حزب الله» كان ينسّق بشكل أوثق حتى مع مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش، لمحاربة المسلحين الإسلاميين السنّة. فعلى سبيل المثال، تساهل “الجيش اللبناني”، إن لم نقل سهّل، حركة مقاتلي «حزب الله» ونقل المعدات العسكرية من سوريا وإليها، حيث كان الحزب يقاتل باسم نظام الأسد ضد المتمردين السنة منذ عام 2011. ولمنع وقوع هجمات إرهابية محلية من قبل مسلحين سنّة تستهدف «حزب الله»، أقام “الجيش اللبناني” والحزب نقاط تفتيش أمنية مشتركة في بيروت بين عامي 2013 و2014.
وفي الآونة الأخيرة (وبشكل فاضح)، شنّ «حزب الله» و”الجيش اللبناني” عمليات عسكرية مشتركة هذا الصيف ضد مسلحي تنظيم «الدولة الإسلامية» على طول الحدود اللبنانية-السورية. وأثناء العمليات البرية التي نفّذها الحزب في تموز/يوليو، وفّر له “الجيش اللبناني” غطاء مدفعياً، وأفادت بعض التقارير أنه أطلق قذائف من عيار 155 ملم – زودته بها الولايات المتحدة – دعماً لمناورات الميليشيات.
إن التعاون الوطيد والتفاهم الظاهر بين بيروت و «حزب الله» – وهي منظمة تصنفها الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية بأنها إرهابية – يتناقض بشكل صارخ مع معاملة الدولة للإرهابيين السنّة. وبالفعل، يبدو أن التصور السائد في لبنان هو أن الدولة لا تقاصص «حزب الله» وحلفاءه على أعمالهم الإرهابية.
فعلى سبيل المثال، لم تحاول السلطات اللبنانية توقيف عناصر «حزب الله» الأربعة الذين اتهمتهم “المحكمة الخاصة” التي تتولى التحقيق في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري في عام 2005. فهؤلاء الرجال لا يُعتبروا من الهاربين في لبنان؛ وليسوا مطلوبين للعدالة.
أو حتى الوزير السابق ميشال سماحة، وهو شخصية بارزة موالية لـ «حزب الله» ومن أصول الاستخبارات السورية في لبنان، الذي اعتُقل في عام 2012 لمحاولته تهريب متفجرات من أجل استهداف شخصيات سنّية لبنانية. فقد صدر حكم بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة 16 عاماً بحق سماحة، الذي صنفته واشنطن “إرهابياً عالمياً”، لقاء جريمته، لكنه أمضى في السجن أقل من خمس سنوات قبل اطلاق سراحه العام الماضي.
والقائمة تطول مع مصطفى حسين مُقدم، عنصر في «حزب الله» أطلق النار في آب/أغسطس 2008 على مروحية تابعة لـ”الجيش اللبناني” في جنوب لبنان، إذ اعتقد خطأً أن المروحية إسرائيلية. وتسبب مُقدم بمقتل طيار في “الجيش اللبناني”، وألقي القبض عليه وحوكم أمام محكمة عسكرية، وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات. ولكن بعد ذلك، تم تخفيف العقوبة إلى عشرة أشهر، ومن ثم ستة، ليتمّ بعدها إطلاق سراحه بكفالة.
واليوم، يشارك «حزب الله» في حكومة ائتلافية في بيروت مع خصومه السياسيين السنّة السابقين ومجموعة واسعة من الأحزاب المسيحية. وكان قد تمّ انتخاب أعضاء البرلمان السنّة هؤلاء، بقيادة رئيس الوزراء سعد الحريري زعيم “تيار المستقبل” وابن رئيس الوزراء السابق الذي اغتاله «حزب الله»، في عام 2009 ضمن تركيبة موالية للغرب ومعادية لإيران.
غير أن نفوذ طهران المتنامي محلياً، المترافق مع ممارسات ترهيب وجرائم محلية قائمة منذ أكثر من عقد من الزمن، أدّى إلى انفراج عملي بين الميليشيا الشيعية والسنّة تركّزت بشكل أساسي على الأمن. وفي حين يبدو أن العناصر السنية المؤيدة للحريري تدعم عموماً حملة الحكومة القوية ضد الجهاديين السنّة، إلّا أن النقص المتزايد في أي شكل من مظاهر الحياد له عدة تداعيات مقلقة.
وفي العام الماضي، استقال وزير العدل (السنّي) السابق في حكومة الحريري، أشرف ريفي، من منصبه احتجاجاً على إطلاق سراح سماحة. ومنذ ذلك الحين، أَمطر الحريري بالانتقادات لما وصفه تعاون مع «حزب الله». ويُعتبر ريفي، وهو من مدينة طرابلس السنّية، من أشد منتقدي نظام الأسد في سوريا بالإضافةً إلى”المشروع” الإيراني في لبنان. وفي أيار/مايو، واستناداً إلى خطابه الطائفي السنّي إلى حد كبير، نجح ريفي بالفوز في الانتخابات البلدية في طرابلس. وإذا حقق نجاحاً في الانتخابات النيابية المزمعة في عام 2018، فسوف ينقسم الشارع السنّي الموالي للغرب ويضعف بشكل أكبر فيما يتعلق بـ «حزب الله»، مما يعزّز من ميل الدولة نحو إيران.
وهذا الخبر ليس جيداً بالنسبة للبنان، ولا حتى بالنسبة للولايات المتحدة أيضاً. فاستقرار لبنان يهم واشنطن إلى حدّ كبير – وذلك أساساً لأن الدولة هي على حدود إسرائيل. ولهذه الغاية، فمنذ عام 2005، قدّمت الحكومة الأمريكية الدعم المالي والتدريب لـ “الجيش اللبناني”: وفي عام 2016، قدمت مساعدة إلى “الجيش اللبناني” بأكثر من 150 مليون دولار. ويقيناً أن هذه المساعدة قد حسنت قدرة الجيش على محاربة المسلحين الإسلاميين. ولكن حتى الآن – وفي المستقبل المنظور – من شبه المؤكد أن “الجيش اللبناني” سيستهدف السنّة فقط.
وبغض النظر عن استياء السنّة – الذين يشكلون نحو 35 في المائة من ضباط صف “الجيش اللبناني” – فهم لن ينشقوا عن الجيش بأعداد كبيرة في أي وقت قريب. وبالفعل، هناك منافسة شديدة على ضمهم إلى فيالق السنّة المحرومين اقتصادياً. ولكن على المدى الطويل، وكما يشير أداء أشرف ريفي القوي في الانتخابات البلدية في طرابلس، فإن تحيز الدولة لصالح الشيعة يعزّز مظالم السنّة، التي يمكن أن تؤدي بمرور الوقت إلى التطرف.
والمسار في لبنان ليس بمنأى عن التطورات الإقليمية؛ فهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بنفوذ إيران المتنامي، الآخذ في الازدياد في لبنان منذ عشرات السنين، ولكنه برز في الآونة الأخيرة في سوريا والعراق أيضاً. ولمنع تدهور الوضع في لبنان أيضاً، سيتعين على واشنطن ردع إيران في النهاية. فمحاربة المسلحين السنّة من دون التصدي لما قد يشكل تطرفهم الرئيسي ليست إستراتيجية رابحة.
ديفيد شنيكر
معهد واشنطن