يحتل العراق مكانة مهمة في التخطيط الأمني الاستراتيجي الإيراني، وقد شهدنا هذا واضحًا عندما تفاقمت صرامة العقوبات الدولية وتأثير ها على إيران؛ إذ تحول العراق إلى باب خلفي ومسلك موازٍ لتأمين احتياجات إيران المالية والتقنية، وتم كل هذا بفضل ما أتاحه غزو العراق واحتلاله من قبل الولايات المتحدة .
ويمثل العراق المحور الاستراتيجي لإيران لأسباب كثيرة، أهمها ما يلي
• التصورات الخاطئة لإيران بأن العراق هو جزء من الامتداد التاريخي والجغرافي والمذهبي لإيران، واعتباره أحد الأقاليم الإيرانية وليس دولة مستقلة، ويؤكد ذلك تصريح رئيس أركان الجيش الإيراني فيروز آبادي بأن الخليج والمنطقة كانت دائماً ملكاً لإيران وأن نفط الخليج يقع في مناطق فارسية.
• ايران تعد العراق بوابة السيطرة والعبور الى بقية العالم العربي لنشر فكر الثورة الإيرانية، وان عدم السيطرة الإيرانية على العراق يعني عزل إيران عن أماكن الوجود الشيعي في سوريا وجنوب لبنان.
• ترى ايران ان العراق هو حجر عثرة أمام تمدد النفوذ الإيراني الى الخليج الذي يختلف معظم سكانه من ناحية المذهب، ووضح ذلك جلياً خلال الفترات التي تكون فيها الدولة العراقية قوية اقتصادياً وعسكرياً .
استطاعت دبلوماسية إيران التجارية في العراق الاستحواذ على الاقتصاد العراقي بعد عام 2003 من خلال عدد من الاتفاقيات مع بغداد يتوقع أن يكون لها وقع إيجابي على نشاط إيران الاقتصادي في العراق، واهمها , عُقد اتفاق خفضت بغداد بموجبه تعرفتها الجمركية أمام السلع الإيرانية لتتراوح بين 0 و5%, وإلغاء عمليات الرقابة على الصادرات الإيرانية للعراق لتيسير حركة التجارة.
ولو قارنا حجم التجارة البينية بين العراق وايران منذ السبعينيات ولغاية 2017 ، لوجدنا تطورا في المبادلات والعلاقات الاقتصادية جدير بالتأمل، ففي عام 1975 بلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وايران نحو 200 مليون دولار ، وتوقف التعامل التجاري بين البلدين بين عامي 1980 و1988، باستثناء التهريب الحدودي بين الطرفين ، ثم اصبحت حسب الجدول التالي .
ويتأرجح العراق من عام لآخر بين مرتبة الشريك التجاري الأول والثاني لإيران مع استمراره في احتلال المرتبة الأولى مستوردا لسلعها غير النفطية اذ يستورد 72% من مجموع السلع الإيرانية المحلية.
ويشير رئيس غرفة تجارة طهران يحيى آل إسحاق, الى وصول حجم التبادل التجاري بين البلدين 20 إلى 25 مليار دولار في السنوات المقبلة، وبطبيعة الحال, ستستمر العلاقات التجارية بين طهران وبغداد في نمطها غير المتكافئ وفي ميل كفتها لصالح طهران.
وتنقسم الصادرات الإيرانية إلى العراق وخدماتها الاقتصادية إلى ثلاثة أنواع: 1- سلع طاقية (غاز طبيعي وكهرباء)، 2- سلع غير نفطية (سيارات، ومواد غذائية, ومستلزمات منزلية, وأعمال يدوية)، 3- خدمات فنية وهندسية (في قطاعات الطاقة, والإسكان, والصحة, والنقل).
وتستحوذ طهران من خلال هذه الصادرات على 17.5% من السوق العراقي بعد أن كانت تستحوذ على 13% فقط قبل صعود تنظيم الدولة الإسلامية, بحسب تصريح الأمين العام للغرفة التجارية الإيرانية العراقية سنجابي شيرازي. وتستهدف طهران -بحسب تصريح شيرازي- الاستحواذ على 25% من السوق العراقي في السنوات المقبلة.
ومع هذا كله، لا تزال الصادرات الإيرانية إلى العراق تواجه عوائق بيروقراطية عند المنافذ الحدودية المؤدية إلى العراق بسبب تداخل عمل عدد من المؤسسات الإيرانية، ولذا تسعى جماعات الضغط من التجار والمصدرين الإيرانيين إلى حل هذه الإشكالات. فطالب سكرتير هيئة تنمية العلاقات التجارية بين إيران والعراق رستم قاسمي بتوحيد نظم الإدارة عند المنافذ الحدودية مشيرا الى وجود 11 مؤسسة تعيق توسع حركة التجارة والتصدير بسبب تعقيداتها للعمل.
ويذكر خبراء سياسيون واقتصاديون ان واقع حال العراق اليوم هو امتداد لنفوذ ايراني يمثل ما يعرف بالقوة الناعمة soft power ، فقد سيطر النفوذ الإيراني على الاقتصاد العراقي، فعلى صعيد الصناعات المحلية، فقد اختفت عدة صناعات، ومنها صناعة الطابوق العراقي المعروفة منذ عشرات السنين اذ لم يعد له وجود لصالح استيراد الطابوق من إيران، ومنها الصناعات البسيطة كالمبردات وغير التي اندثرت بالعراق لصالح الاستيراد من إيران.
ويكاد الميزان التجاري ان يكون لصالح إيران بنسبة 1-10% ما يعني إغراق العراق بالبضائع الإيرانية، التي ترتبط بالعقود التي وقعتها إيران مع بغداد والتي تصب كلها لمصلحة ايران، فمثلا سمحت العراق لإيران فقط من بين دول العالم بفتح بنك ملكيته إيرانية أجنبية 100% فيما البنوك الأخرى يجب أن يكون الرأسمال عراقيا أو شريكا عراقيا، ويستعمل مثل هذه البنك أحد المنافذ لتعويض إيران في حالة فرض العقوبات.
وبمعنى آخر ان الاقتصاد العراقي يتم استيعابه واحتواؤه من إيران تدريجيا بحيث تجد القوى الاقتصادية العراقية الفاعلة تجد واقتصادها وحياتها مرتبطة بالرأسمال الإيراني .
ويضاف الى هذه القوة الناعمة التي تعمل للسيطرة على العراق انه في عام 2008 اشارت التقديرات الدولية الى أن هناك ألفي إيراني جاءوا إلى الحوزات العلمية في النجف وكربلاء كطلاب أو كرجال دين ثلثهم على الأقل من رجال المخابرات الذين يدعمون الوجود الإيراني هناك، وهذه حقيقة يلام عليها من يحكمون العراق.
ان الادعاء بالحرص على الشعب العراقي يشبه ادعاء الأمريكان ايضا الذين بالنهاية دمروا العراق، كما ادعوا ان الوجود الأميركي فيه كان يمثل تهديدا لإيران فعملت إيران وهذا دفاع عن نفسها بأن جعلت العراق مستنقعا للأمريكان ولكي يكون مستنقعا فهي زادت من تهشيم البنى التحتية العراقية من خلال دعم أعمال العنف في البلد..
ولما قالت الولايات المتحدة أنها تريد الخروج من العراق ابدى الإيرانيون استعدادهم لإعادة إعمار العراق وتأمين الأمن فيه ،
ودعا خبراء لإقامة علاقات سليمة وصحية بين العراق وإيران و لا يتحول إلى انتقام إيراني بطريقة ناعمة بأن يحول العراق إلى ساحة نفوذ وامتداد إيراني ، وهذا واقع سياسي، حيث ان التجار العراقيين في إيران يذهبون إلى المناطق الحرة مع إيران دون تأشيرة ، وهناك علاقات على مستوى المحافظات مثل محافظة ميسان والبصرة القريبتين لإيران حيث الحدود مفتوحة الذهاب والإياب حيث حصل الايرانيون على مشروع بقيمة مليار ونصف المليار، واتصبح ورقة سياسية بيد المقاول الإيراني لتعيين الناس وتشغيلهم.
ويبدو أن الفاعلين الاقتصاديين بطهران لا يرغبون في لعب دور أكبر في مشروعات بنية تحتية فقط, فمن المحتمل أيضاً أنهم يرغبون بالانخراط في كيانات اقتصادية مشتركة مع بغداد لكي يستطيعوا من خلالها اختراق المؤسسات الاقتصادية أكثر بتأسيس جماعات ضغط محلية توجه مراكز صنع القرار المعنية لصالحهم، فتسعى إيران للاستحواذ على 5 – 10% من مشروعات تنموية في العراق .
الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية