النمو الهائل في الاقتصاد الماليزي: نموذج استرشادي للدول النامية …

النمو الهائل في الاقتصاد الماليزي: نموذج استرشادي للدول النامية …

        تعد ماليزيا أحد النّمور الآسيويّة السّبعة التي خرجت من كبوة وطور الاستعمار لتنهض إلى مصافّ الدول المتقدّمة خلال عقدين من الزمن.، اذ قدمت تجربة ناجحة ورائدة في التعايش بين المجموعات البشرية التي تنتمي إلى ديانات وقوميات متعددة ، ومنها أربعة أعراق وخمس ديانات أساسية، وهي: الملايو ويمثلون 52 % من السكان يدين معظمهم بالإسلام، السكان المحليون يمثلون 11 %، الصينيون ويمثلون 24 % يدينون بالبوذية، الهنود يمثلون 7 %يدين معظمهم الهندوسية، وهناك 9 % يدينون بالمسيحية،2%يدينون بالكونفوشية.
تقع ماليزيا، في جنوب شرقي آسيا، وتتكون من 13 ولاية وثلاثة أقاليم اتحادية، ومساحتها 329٫845 كيلومترا مربعا، وعدد سكانها 30 مليون نسمة، وكانت قبل نحو أربعة عقود مجتمعــًا زراعيـًا لا يعرف سوى زراعة الأرز والمطاط وبعض النباتات والفاكهة، لكن التطور الهائل الذي حدث، خفض معدل الفقر من 70 %، الى 5 %، وليزيد دخل الفرد السنوي من 350 دولارًا ليصبح في الوقت الحالي 18000 دولار.

تعد ماليزيا نموذجا للتنمية الشاملة ، بالنسبة لدول العالم الثالث وتمتاز بخصوصيتها واهميتها، اذ نهضت في المجال الاقتصادي خلال الاربعة عقود الاخيرة، واستطاعت التوفيق بين اتجاهين الاول: الاندماج في اقتصاديات العولمة والاخر: الاحتفاظ بنهج الاقتصاد الوطني فتحول من بلد يعتمد على تصدير المواد الاولية البسيطة الى اكبر الدول المصدرة للسلع والتقنية الصناعية في منطقة جنوب شرقي اسيا.
وانتهجت سياسة توازن عرقي وسياسي دقيق في التعامل مع مكونات المجتمع، مما ساعدها على تجنب الصراعات والخلافات بينها ، واتبعت نظام حكم يحاول الجمع بين التنمية الاقتصادية الشاملة والسياسات الاقتصادية التي تعزز المشاركة العادلة لجميع الأعراق في ماليزيا.

استقلال ماليزيا:
استقلت ماليزيا عن بريطانيا سنة 1957م، وفي سنة 1963 عرفت باتحاد ماليزيا، بسبب انضمام مناطق الملايو وسرواك وصباح وسنغافورة، و في عام 1965انسحبت سنغافورة من الاتحاد الماليزي وكونت لها دولة مستقلة، وفي 13 مايو 1969، انفجرت أخطر مشكلة في تاريخ ماليزيا الحديث والمعاصر، وهددت مصير التعايش في البلاد، وكادت تعصف بالاتحاد الماليزي.
فقد حصلت صدامات دامية في العاصمة كوالالمبور بين الملايويين الذين يمثلون أكثرية السكان، وبين الصينيين الذين يمثلون أقلية، وذلك نتيجة التفاوت الكبير في مستويات المعيشة، واختلال التوازن الاقتصادي بين المجموعتين، والتوزيع غير العادل للثروة، فالصينيون كانوا يتحكمون باقتصاد البلد و تجارته، والملايويون كانوا يشتكون من انتشار الفقر وتدني مستويات المعيشة.
وكان لهذه المشكلة، وقع الصدمة المدوية، التي نبهت جميع الماليزيين في الحكومة وخارجها الى أنهم أمام واقع متأزم لا يمكن البقاء عليه أو عدم الاكتراث به، فقد كشفت هذه المشكلة عن اختلالات اقتصادية واجتماعية خطيرة، وضعت قضية التعايش بين مكونات المجتمع الماليزي على محك الخطر، وهذا التنبه لهذه المشكلة مثل بداية مسارات الإصلاح والتغيير.
ويمكن القول ان النجاح الاقتصادي والتنموي الذي شهدته ماليزيا يعود في جانب كبير منه الى الدور الكبير الذي قامت به الدولة، بدءا من التخطيط للسياسات الاقتصادية حتى متابعة تنفيذها ووضع الضوابط المنظمة للنشاطات الاقتصادية في شتى المجالات، وبرهنت تجربة ماليزيا على صدق التأثير الايجابي للحكم المحلي في مساعي التنمية عن طريق الخطط والاستراتيجيات التنموية التي مكنتها من أن تصبح دولة صناعية حديثة، قدمت إنموذجا تنمويا فريدا عن طريق الاخذ بنظام الحكم المحلي .

رجل بحجم أمة:
“إننا نعتبر أنفسنا في ماليزيا كأسلافنا المسلمين إبّان العصر الذهبي، لدينا رؤية ومنهج أصيل ينسجم مع روح وجوهر الإسلام؛ لذلك كان لابد أن نبدأ أولًا بتحقيق النمو من خلال تطبيق مبدأ المساواة بين جميع الفئات والعمل على زيادة الناتج المحلي، وهو ما قُوبلَ برفض الغرب لنا كونه -أي الغرب- لديه إيمانٌ راسخ بأن البقاء فقط للأقوى وأن الثراء من نصيب الأغنياء على حساب الفقراء”

تلك كانت إحدى أبرز العبارات التي أطلقها رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد أو كما يطلقون عليه لقب “صانع النهضة الماليزية”..
وتعد حقبة رئاسة مهاتير محمد من العام 1981-2003، هي الحقبة التي شهدت انطلاقة النموذج الماليزي للتنمية فقد تضاعف متوسط دخل الفرد وارتفع رقم الصادرات وحدث نمو ملحوظ في الاستثمار الاجنبي، وارتفع نصيب الاستثمار الاجنبي المباشر من الناتج المحلي الاجمالي، وهذا كله بمقتضى قوانين عقد السبعينيات من القرن الماضي التي قادت الى نقل المسؤولية الى المستوى المحلي او ما يعرف باللامركزية الإدارية
وقد حارب المسلكيات الفاسدة، والكسل والخمول وكتب عن مجتمعه وجلده جلدا من خلال كتابه عقدة الملايو وبدأت إصلاحاته تشمل القطاعات الحيوية وخاصة التعليم والصناعة التي تعمل دون كلل ولا ملل.
وحذر مهاتير محمد من خطورة اتباع شروط صندوق النقد الدولي ونصائحه، التي قدمها لماليزيا في بداية نهضتها وتبين انها مضللة، وتم تفاديها و قررت ماليزيا التعامل مع مشاكلها ذاتياً دون الرجوع لنصائح الصندوق الذي بدأ يضغط على ماليزيا لإحباط تجربتها، واوضح مهاتير محمد أن تجربة النهضة في ماليزيا ليست بالتجربة السهلة، لكن الجميع وضعوا مصلحتها أمام أعينهم.
وعن أهم المشكلات التي واجهت ماليزيا يقول مهاتير : انها مشكلة البطالة، لذلك على عمل توفير العديد من فرص العمل للشباب، بإقامة المشروعات الكبرى، وجلب الاستثمارات الأجنبية، وتم التركيز على الزراعة والصناعة، مقدمين إعفاءات وتسهيلات ضريبية على الاستثمارات الأجنبية لمدة عشر سنوات». وشدد « على الصناعة الماليزية لتتخذ خطوة جديدة في طريقها النهضوي، بالاهتمام بصناعة الإلكترونيات التي كانت تتطلب تنمية العنصر البشرى، وعمل على تطوير المناهج التعليمية الماليزية وتعديلها، حتى يتم بناء طلاب قادرين على مواكبة التقدم».
كان اهتمام مهاتير بالتعليم منذ مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية؛ فجعل هذه المرحلة جزءًا من النظام الاتحادي للتعليم، واشترط أن تكون جميع دور رياض الأطفال وما قبل المدرسة مسجلة لدى وزارة التربية، وتلتزم بمنهج تعليمي مقرر منها.
وتمت إضافة مواد تُنمي المعاني الوطنية وتغرز روح الانتماء في مواد التعليم المنهجية واللامنهجية، فبجانب العلوم والآداب تُدرَّس مواد خاصة بالمجالات المهنية والفنية التي تتيح للطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم.
وإلى جانب ذلك كان إنشاء الكثير من معاهد التدريب المهني التي تستوعب طلاب المدارس الثانوية وتؤهلهم لدخول سوق العمل في مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية وتقنية البلاستيك، وكان من أشهر هذه المعاهد معهد التدريب الصناعي الماليزي، الذي ترعاه وزارة الموارد البشرية.

التجربة الماليزية من التجارب التنموية الجديرة بالاهتمام والدراسة لما حققته من إنجازات كبيرة يمكن ان تستفاد منها الدول النامية كي تنهض من التخلف والجمود، وتعد ماليزيا دولة إسلامية ذات مقومات ﻛبيرة حققت خلال العقود الاربعة الماﺿية قفزات هائلة في التنمية البشرية والاقتصادية حيث اصبحت الدولة الصناعية الاولى في العالم الإسلامي، في مجال الصادرات والواردات في جنوب شرقي آسيا، وتمكنت من تأسيس بنية تحتية متطورة ومن تنويع مصادر دخلها القومي من الصناعة والزراعة والمعادن والنفط والسياحة، وحققت تقدماً ملحوظاً في ميادين معالجة الفقر والبحث عن عمل والفساد وتخفيض نسب المديونية الى مستويات ﻛبيرة.

تطبيق العولمة الايجابية :
استفادت ماليزيا من الانفتاح الكبير على الخارج عبر اندماجها في اقتصاديات العولمة مع الحفاظ على ركائز تنمية اقتصادها الوطني، ونرى مظاهر التقدم واضحة من خلال تحولها من بلد يعتمد بشكل اساس على الزراعة الى بلد مصدر للسلع الصناعية والتقنية خاصة في مجال الصناعات الكهربائية والالكترونية، فتقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الانمائي للأمم المتحدة لعام 2001، رصد اهم دولة مصدرة للتقنية العالمية، وكانت ماليزيا في المرتبة التاسعة متقدمة بذلك على ايطاليا والسويد، اذ كانت تجربتها الفائقة النجاح في مواجهة الازمة الاقتصادية لعام 1997، والتي واجهت دول جنوب شرقي آسيا برمتها خير دليل على البرنامج الناجح الذي انتهجته من خلال التزامها بتنفيذ خطة عمل وطنية فرضت خلالها قيوداً مشددة على سياستها النقدية واعطﺖ البنك المركزي صلاحيات واسعة لتنفيذ خطة طوارئ لمواجهة هروب راس المال الاجنبي وجلب النقد الاجنبي للداخل واستطاعت ماليزيا الخروج من ازمتها المالية خلال سنتين.
ان نجاح التجربة الماليزية المعتمد على وجود قادة للفكر التنموي فيها مكنها من الوصول الى المستوى التنموي المرموق الذي تمتاز به والمستند الى قيم الإسلام النبيلة وجعلها سلوكا يوميا للتعامل مما دفعها للتقدم داخليا وخارجيا متضافرة مع القيم الآسيوية، ليصبح الأنموذج الاقتصادي الماليزي إنموذجا يشار له بالبنان محتذيا بالأنموذج الياباني في التنمية.

منهج الاصلاح السياسي:
تستند هذه السياسة الى ركيزتين أساسيتين هما: استئصال الفقر وإعادة هيكلة المجتمع من جديد. وهكذا كان التوزيع العادل للثروة ومنح فرصة متساوية للمواطنين في التعليم والصحة والتوظيف في أولويات السياسة الجديدة.
بعد سنوات من تطبيق هذه السياسة التنموية الإصلاحية حققت ماليزيا مزيدا من الاستقرار والازدهار واختفى الاحتقان العرقي وانتشر العدل في ربوع البلاد وأصبح المعيار الأول ليس اللون أو اللغة أو العرق بل العلم والعمل والإخلاص للوطن.
وحقق البرنامج التنموي الإصلاحي نتائج فاقت التوقعات حيث ارتفعت نسبة الثروة في الطبقة الفقيرة في ماليزيا من 4% سنة 1970 إلى 20% سنة 1997 كما ارتفع الناتج القومي وانتعش الاقتصاد، فقد انتقل مستوى الدخل الفردي من 1141 رينجيت (العملة الماليزية) سنة 1970 إلى 12102 رينجيت سنة 1997 وفي الفترة نفسها انخفضت نسبة البطالة من 50% لتصل 6.8%. وليوم بلغ سعر الصرف الرينجيت الماليزي مقابل الدولار، 4,22.
وبهذا استطاعت ، ماليزيا خلال سنوات معدودة أن تتحول من دولة متخلفة يعيش جل سكانها في الغابات حياة بدائية إلى دولة حديثة ذات بنية تحتية قوية واقتصاد مزدهر وتعليم متطور.
يتساءل خبراء التنمية كيف استطاع الماليزيون أن يقهروا تلك الطبيعة الجبلية الوعرة ويحولوها إلى حدائق تستهوى كل من سمع عنها قبل أن يراه، وكيف استطاعوا تحقيق تلك النجاحات الباهرة في الصناعة والزراعة والسياحة والتكنولوجيا بفعل العمل المتواصل والجاد وثمرة لتغيير عقلية الإنسان وبناء ذاته وتطوير مستواه العلمي والمعرفي وزرع قيم المواطنة والإخلاص حققت ماليزيا الدولة المسلمة نجاحات كبيرة في مجالات الاقتصاد والعلم والتكنولوجيا وأصبحت مثالا للشعوب الطامحة إلى تغيير وضعها وتحسين واقعها و مستوى حياة سكانها.

البنى التحتية للإنسان والاستثمار :
ركزت النهضة الماليزية على بناء الإنسان والاستثمار فيه على أساس أنه هو الثروة الحقيقة والمحرك الأول لأي نهضة اقتصادية وعلمية، فكانت النتيجة نهضة أبهرت العالم وتغنت بها الشعوب التواقة إلى التغيير والنهوض، وكان أساس هذه النهضة وركيزتها العنصر البشري بناء وتكوينا وتنظيما، مع زرع قيم العمل والتميز والإبداع والابتكار، وهكذا كان التعليم والبحث العلمي هما الأولوية الأولى على رأس أجندة الحكومة فتم تشييد المدارس والجامعات ومراكز التدريب والبحث، وخصص أكبر قسم في ميزانية الدولة لتحقيق أهداف الخطة التعليمية التى شملت أيضا تطوير البحوث العلمية وإرسال عشرات الآلاف من الشباب الماليزي للدراسة في أفضل الجامعات الأجنبية خاصة في اليابان.

وجاءت النتيجة سريعة ومثمرة وقفزت ماليزيا إلى مصاف الدول المتقدمة في آسيا، وحسب تقرير وزارة التعليم العالي يوجد الآن أكثر من 1,134,134 طالبا مسجلين في الدراسات العليا، وحوالي 100,000 طالب من الأجانب ، ويبلغ عدد الجامعات 49 جامعة رئيسة و23 جامعة فرعية و411 كلية، ومن بينها ست جامعات عالمية من بريطانيا واستراليا وكندا والهند.
وقد تبنت ماليزيا سياسة Transitional Higher Education في أواخر التسعينيات حيث واجه الطلاب الماليزيين مشاكل مالية لإكمال دراساتهم في الخارج بسبب تدهور العملة الماليزية الناجم عن الأزمة المالية الآسيوية 1997 وهكذا مع زيادة مصروفات الدراسة في الخارج وترشيدا للنفقات ومساعدة للطلاب، بفتح فروع لجامعات عالمية من استراليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ماذا تعني التنمية؟
التنمية عملية شاملة تتناول جوانب الحياة المختلفة السياسية والاقتصادية، ومن جانب آخر تعد التنمية عملية مركبة ومتعددة الجوانب، وتعني على المستوى الفردي تحسنا في مستويات المهارة والكفاءة الإنتاجية والحرية والابداع والاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية وتحديدها لان تحقيق أي جانب من جوانب التنمية يرتبط ارتباطا وثيقا بوضع المجتمع بأكمله على المستويين الداخلي والخارجي وفي اطار الجانبين السياسي والاقتصادي، بدأ تداول مفهوم التنمية في النصف الثاني من القرن العشرين نتيجة للتغيرات التي حدث على الساحة العالمية، خاصة نهاية الحرب العالمية الثانية، وحصول العديد من دول العالم الثالث على استقلالها، ويرتبط مفهوم التنمية عادة بالجانب الاقتصادي ويتم الخلط بينه وبين مفاهيم اخرى التقدم والتطور ويعود هذا الخلط الى أن فكره التنمية كان قد تم فهمها على انها عملية اقتصادية بحتة مرتبطة بزيادة الناتج الوطني.

تنمية صناعية:
يمكن تقسيم قطاع الصناعة الإلكترونية والكهربائية إلى أربعة أقسام، وهي: المكونات الإلكترونية، والإلكترونيات الصناعية، الإلكترونيات الاستهلاكية، المنتجات الكهربائية، حيث ظهرت الصناعة الكهربائية والإلكترونية في ماليزيا عام 1960 بعمليات تصنيع مبدئية لأغراض خفيفة كانت تستخدم أنداك، وتحولت على مدار العقود الأخيرة إلى واحدة من أهم النقاط البارزة في عالم المنتجات العالمية.

وبلغت قيمة الصادرات الماليزية من المنتجات الإلكترونية والكهربائية 20 مليار رنجيت منذ بداية العام 2014 بحصة بلغت 32.1% من مجمل صادرات السلع التي تصدرها ماليزيا، بزيادة قدرها 14.6% عن العام الفائت لوجهات متعددة وأتت الصين في مقدمة الدول الرئيسة التي تصدر إليها ماليزيا منتجاتها الإلكترونية والكهربائية بأكثر 31 مليار رنجيت، وتلتها الولايات المتحدة 24.7 مليار رنجيت وسنغافورة 24.1 مليار رنجيت والاتحاد الأوروبي وهونج كونج 17.4 مليار رنجيت واليابان 12.4 مليار رنجيت وتايوان.

وتعد الصناعات الماليزية بمختلف أشكالها من أهم دعائم الاقتصاد الماليزي، وسجلت المنتجات الماليزية التي تُصدر كل عام ارتفاعاً مطرداً، اذ بلغت نسبته منذ بداية العام الحالي 6.2% مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2013 اذ بلغ 4.2%، مما أدى إلى نمو مجمل التجارة الماليزية بلغت قيمته 715 مليار رنجيت، وسجلت نسبت الصادرات زيادة بلغت 12.5% نتيجة لزيادة الطلب على السلع الماليزية.

ومن الصناعات التي تعد ركيزة مهمة في عائدات التجارة الماليزية صناعة الإلكترونيات والأدوات الكهربائية، والتي تعد من الصناعات الرائدة ويبلغ حجم مساهمتها 24.5% في الناتج المحلي

معايير دولية:
تندرج الشركات الصناعية الإلكترونية والكهربائية تحت هيئة تمثيلية تدعى ” TEAM”، والتي أنشئت في عام 1952 للعمل بشكل وثيق مع الدوائر الحكومية في ماليزيا والهيئات التشريعية إضافةً إلى القطاع الخاص، لضمان تطوير وتعزيز الصناعات الإلكترونية والكهربائية وتذليل العقبات أمامها، إضافةً لتبادل الخبرات بينها وبين الشركات العالمية، وتعد المنتجات التي تنتجها هذه الشركات ذات جودة عالية تنتشر في جميع الأسواق العالمية ومن هذه المنتجات التي تصنع في ماليزيا:- أشباه الموصلات الإلكترونية والدوائر المتكاملة، والترانزستورات والصمامات، وتصنيع الشرائح الإلكترونية صناعة تصاميم “الآي سي”، وتجميع وتعديل الأجهزة الإلكترونية وقطع غيار الحاسب الآلي، إضافةً إلى إنتاج الأدوات الكهربائية، والأدوات الكهربائية بمختلف أنواعها، والأجهزة المنزلية، والتجهيزات الكهربائية من كابلات وموصلات وأسلاك، ومصابيح “LED”، وبطاريات السيارات وغيرها من المنتجات، حيث أثبتت هذه المنتجات تلبيتها للمعايير الدولية، وتتجه الآن الصناعات الإلكترونية الماليزية لمنحنى المنتجات الصديقة للبيئة والتي يمكن إعادة تدويرها بعد الانتهاء من استخدامها.
الصناعات التحويلية :
تدعم الحكومة الشركات الماليزية بدعم سخي لمواصلة تطوير أنشطتها التصنيعية وزيادة نشاطها في البحث والتطوير وتنمية الدوائر الكاملة للصناعات الإلكترونية والكهربائية، حيث يصنف هذان القطاعان من بالمحرك الرئيس للاقتصاد الماليزي حيث يسهمان في نمو الناتج المحلي الإجمالي وعائدات الاستثمار الخارجية، إضافةً إلى استيعاب الموظفين في شتى الأقسام،  وتعد عاملا أساسياً في الاقتصاد والمساهمة في تقدم ماليزيا صناعياً وتكنولوجياً نحو البلدان المرتفعة الدخل من خلال التركيز على القيمة عالية وأنشطة الصناعة التحويلة التي تعد من القطاعات مرتفعة النمو، وتعد الشركات الماليزية العاملة في هذا القطاع قادرة على تطوير قدراتها ومهاراتها بشكل كبير من ناحية التصنيع والتجميع وإعادة التصميم، في العديد من الأقسام الفرعية لهذا القطاع مثل المكونات الإلكترونية وقطع الغيار، والإلكترونيات الصناعية، والإلكترونيات الاستهلاكية.

نستنتج ان ماليزيا إحدى قصص النجاح التي حققتها الدول النامية بالتطبيق لتعزيز دور العلم والعمل في النهضة.

وهنا نلخص العوامل التي ساعدت على نجاح تجربة النهضة الماليزية بكل جوانب الحياة …

1.المناخ السياسي لدولة ماليزيا الذي يمثل حالة خاصة بين جيرانها، بل بين الكثير من الدول النامية، حيث يتميز بتهيئة الظروف الملائمة للإسراع بالتنمية الاقتصادية.

2.يتم اتخاذ القرارات دائماً من خلال المفاوضات المستمرة بين الأحزاب السياسية القائمة على أسس عرقية، ما جعل سياسة ماليزيا توصف بأنها تتميز بأنها ديموقراطية.
3.تنتهج ماليزيا سياسة واضحة ضد التجارب النووية، وقد أظهرت ذلك في معارضتها الشديدة لتجربة فرنسا النووية، وحملتها التي أثمرت عن توقيع دول جنوب شرقي آسيا العشر المشتركة في “تجمع الأسيان” في العام 1995م على وثيقة إعلان منطقة جنوب شرقي آسيا منطقة خالية من السلاح النووي وقد ساعد هذا الأمر على توجيه التمويل المتاح للتنمية بشكل أساسي بدلاً من الإنفاق على التسلح وأسلحة الدمار الشامل.

4.تعد النفقات المخصصة لمشروعات البنية التحتية هي الاساس، والتي هي سبيل الاقتصاد إلى نمو مستقر في السنوات المقبلة، وبذلك ارتفع ترتيب ماليزيا لتصبح ضمن دول الاقتصاد الخمس الأولى في العالم في مجال قوة الاقتصاد المحلي.

5.انتهجت ماليزيا استراتيجية تعتمد على الذات بدرجة كبيرة من خلال الاعتماد على سكان البلاد الأصليين الذين يمثلون الأغلبية المسلمة للسكان.

6.اهتمام ماليزيا بتحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس المال البشري الإسلامي، من خلال تحسين الأحوال المعيشية والتعليمية والصحية للسكان الأصليين، سواء كانوا من أهل البلاد الأصليين أو من المهاجرين إليها من المسلمين الذين ترحب السلطات بتوطينهم.

7.اعتماد ماليزيا بدرجة كبيرة على الموارد الداخلية في توفير رؤوس الأموال اللازمة لتمويل الاستثمارات حيث ارتفاع الادخار المحلي الإجمالي بنسبة 40 % بين سنة 1970م وسنة 1993م، كما زاد الاستثمار المحلي الإجمالي بنسبة 50 % خلال الفترة عينها. ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة الدكتور محمود عبد الفضيل ، أنه في الوقت الذي تعاني فيه بلدان العالم النامي من مثلث المرض والفقر والجهل، فإن ماليزيا كان لها ثالوث آخر دفع بها إلى التنمية منذ طلع الثمانينيات وهو مثلث النمو والتحديث والتصنيع، باعتبار هذه القضايا الثلاث أوليات اقتصادية وطنية، كما تم التركيز على مفهوم “ماليزيا كشراكة” كما لو كانت شركة أعمال تجمع بين القطاع العام والخاص من ناحية وشراكة تجمع بين الأعراق والفئات الاجتماعية المختلفة التي يتشكل منها المجتمع الماليزي من ناحية أخرى.
•امتلاك ماليزيا لرؤية مستقبلية للتنمية والنشاط الاقتصادي من خلال خطط خمسية متتابعة ومتكاملة منذ الاستقلال وحتى الآن، بل استعداد ماليزيا المبكر للدخول في القرن الحالي “الواحد والعشرين” من خلال التخطيط لماليزيا 2020م والعمل على تحقيق ما تم التخطيط له.
•وجود درجة عالية من التنوع في البنية الصناعية وتغطيتها لمعظم فروع النشاط الصناعي (الصناعات: الاستهلاكية – الوسيطة -الرأسمالية) وقد كان هذا الأمر محصلة لنجاح سياسات التنمية في ماليزيا والذي يمكن اعتباره سبباً ونتيجة في الوقت عينه.

 

شذى خليل 

باحثة في الوحدة الاقتصادية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية