بيروت – أصبحت السياسة الخارجية مصدرا رئيسيا للتشويش والانقسام داخل الحكومة اللبنانية، التي تشكلت في ديسمبر 2016 على أساس جملة من المبادئ من بينها الحرص على التوافق الداخلي، والنأي بالنفس عن القضايا الخلافية.
ويستفرد وزير الخارجية جبران باسيل بالقرارات التي تهم الشأن الخارجي، دون العودة إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، أو إلى مجلس الوزراء، الأمر الذي صار يثير غضب واحتقان الأطراف المشاركة في التركيبة الحكومية.
ويتخذ باسيل، الذي يترأس كذلك التيار الوطني الحر، قراراته بناء على مواقف ورؤية حليفه السياسي حزب الله، وترجم ذلك في أكثر من قرار، لعل آخرها الأنباء التي طفت على السطح بشأن تصويت لبنان لصالح المرشح القطري لرئاسة منظمة اليونسكو على حساب نظيره المصري.
وهذا التململ من طريقة تعاطي الوزير جبران باسيل، بدأ يظهر في الآونة الأخيرة، حيث أبدى وزراء امتعاضهم من استمرار رفض باسيل التقيّد بالتوافق الحكومي واتخاذه لقرارات باتت تهدّد علاقة لبنان بدول عربية وازنة مثل السعودية ومصر.
وقال وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي ينتمي إلى تيار المستقبل، الأحد، إن “السياسة الخارجية اللبنانية شاردة”، موجّها انتقاد ضمنيا “لسلوك وزير الخارجية جبران باسيل”.
واعتبر المشنوق أن “التمادي في هذا الاتجاه السياسي يعرّض التضامن الحكومي لمخاطر جدية”، لافتا إلى أنه “لا يمكن الاستمرار في سياسة الصدمة والإلزام والإرغام”، مشددا على أنه يفرّق “بين رئيس الجمهورية الذي أكنّ له كل احترام وتقدير وعلاقتنا قائمة على الوضوح المتبادل، وبين سياسة وزارة الخارجية التي تتعارض مع الأعراف الحكومية والبيان الوزاري”.
وكان المشنوق يتحدث أمام حشد من أعضاء “جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية في بيروت”، في لقاء تكريمي أقيم على شرفه لدعم جهوده في الحفاظ على أمن لبنان.
ووجّه نهاد المشنوق في معرض تطرّقه لسياسة بلاده الخارجية اعتذارا “لمصر، بما أمثل ومن أمثل، حكومة وقيادة وشعبا، على تصويت لبنان ضد مرشحها في اليونسكو لصالح مرشح قطر في حال ثبت هذا الأمر”.
محاولات وزير الخارجية جبران باسيل وحلفائه الدفع بلبنان إلى التخندق خلف محور بعينه، بات يهدد استمرار الحكومة
وشدد على أن “سياسة مصر موزونة وموضوعية وهادئة، ودورها بنّاء في لبنان وكان لها دور في دعم التسوية الرئاسية وفي تشكيل الحكومة، ولديها دوما رغبة في المحافظة على الاستقرار، وعلاقتها ممتازة بكل الفرقاء اللبنانيين”.
ورأى المشنوق أن “سياسة النأي بالنفس التي كانت أحد بنود التسوية الرئاسية، قد تعرّضت لضربات في الفترة الأخيرة، إن على صعيد زيارة عدد من الوزراء إلى سوريا ومشاركتهم في معرض دمشق الدولي، أو في لقاء نيويورك بين وزير الخارجية جبران باسيل ووزير خارجية سوريا وليد المعلم، الذي لم يكن منسقا مع رئيس الحكومة، كما تنصّ بنود التسوية”.
وكان وزير الخارجية جبران باسيل قد التقى نظيره السوري وليد المعلم على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وتم التباحث خلاله في العلاقات الثنائية ومسألة اللاجئين. وأثار اللقاء جدلا كبيرا داخل الأوساط اللبنانية، خاصة وأنه تمّ دون أي تنسيق مع الحكومة.
ومعلوم أن جبران باسيل وتياره الوطني الحر يتبنيان وجهة نظر حزب الله في معظم المسائل الخلافية داخل لبنان، ومنها قضية التنسيق مع دمشق في مسألة النازحين.
وسبق هذا اللقاء زيارات أجراها وزراء لحزب الله ولحركة أمل الشيعية إلى دمشق، رغم إعلان مجلس الوزراء رفضه لهذه الخطوة، التي اعتبرها محاولة لفرض الأمر الواقع وضربا لسياسة النأي بالنفس التي تعتبر ركيزة أساسية لانطلاقة العهد الجديد.
ويرى مراقبون أن محاولات وزير الخارجية جبران باسيل وحلفائه الدفع بلبنان إلى التخندق خلف محور بعينه، بات يهدد فعلا استمرار الحكومة الحالية، وهذا يظهر من اللهجة التي تحدث بها المشنوق.
ومنذ تشكل حكومة سعد الحريري، هذه المرة الأولى التي يوجه فيها وزير ينتمي إلى المستقبل انتقادا واضحا للسياسة الخارجية اللبنانية، حيث كان التيار الأزرق وبخاصة وزرائه يتحاشون توجيه مثل هذه المواقف حرصا على عدم الدخول في سجالات تؤزّم الوضع الحكومي الهشّ بطبعه.
ويقول مراقبون إنه مع التحوّلات الجارية في المنطقة سواء على صعيد التحالفات أو في علاقة بالأوضاع الميدانية في أكثر من بلد وعلى وجه الخصوص سوريا من المرجّح أن تتعزز حالة الانقسام السياسي في لبنان، وهذا بطبعه سينعكس بشكل أو بآخر على الحكومة.
ويستبعد المراقبون أن تؤدي وخزة المشنوق إلى تغيّر في أسلوب باسيل في التعاطي مع الشأن الخارجي، والتجارب السابقة أثبتت ذلك، ومنها حينما رفض في 2015 التوقيع على نص بيان للجامعة العربية يدين حزب الله وإيران على خلفية حادث اقتحام السفارة السعودية في طهران، الأمر الذي استفز الرياض التي أقدمت بعد أشهر على اتخاذ جملة من الإجراءات منها إلغاء منحة 4 مليار دولار لفائدة الجيش اللبناني.
العرب اللندنية