اعترف رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، في تصريح نشر في جريدة «الأوبزرفر» أمس، بأنه، وقادة العالم الآخرين، أخطأوا في قرار مقاطعة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006.
ملتزماً بما تريده الإدارة الأمريكية لجورج دبليو بوش، آنذاك، وبضغوط الحكومة الإسرائيلية أيضاً، قدّم بلير، الذي كان حينها رئيساً للوزراء، دعماً قويّاً لقرار قطع العلاقات مع السلطة الفلسطينية المنتخبة، التي فازت بها «حماس»، إذا لم تعترف بإسرائيل وتشجب العنف وتوافق على اتفاق أوسلو.
المفارقة الكبرى التي نتجت عن ذلك القرار التاريخي كانت انكشاف نفاق الغرب فيما يتعلّق بالديمقراطية حين تأتي النتائج بعكس ما يريده القادة الأمريكيون والأوروبيون، وكان معلوما أن الانتخابات الفلسطينية في ذلك العام خضعت للمعايير الدولية وأشرف عليها مراقبون أمميون.
يقرّ بلير في تصريحاته المنشورة أمس (والتي هي جزء من كتاب للصحافي البريطاني دونالد ماكنتاير يصدر في نهاية الشهر بعنوان «غزة: الاستعداد للفجر») بأنه كان على المنظومة الدولية أن «تجرّ حماس إلى الحوار» وبذلك «يتم تغيير مواقف الحركة». تبرير بلير لعدم حصول ذلك هو أن «الإسرائيليين كانوا ضد الأمر».
يقرّ بلير أيضاً أن البريطانيين اضطروا بعد ذلك للحوار مع «حماس»، لكنّ الواقع هو أن الحصار السياسي والاقتصادي للحركة، والذي ما زال مستمراً حتى اليوم، إضافة للحروب الوحشية الثلاث التي شنتها تل أبيب على غزة بعد ذلك جعل الظروف الإنسانية هناك لا تطاق، وحسب وصف الأمم المتحدة نفسها فإن قطاع غزة صار «غير قابل للسكن البشري».
ينشر الكتاب أيضاً وثيقة حكومية بريطانية من كانون الثاني/يناير 2006 تحذّر من مقاطعة السلطة الفلسطينية المنتخبة، وتؤكد أن تعاطي حركة «حماس» مع الواقع السياسي على الأرض قد يؤدي إلى تغيّر في اتجاه الحركة السياسي.
ورغم أن آراء بلير والمعلومات المنشورة لا تفعل غير أن توضح الواضح: المساهمة الكبرى التي قامت بها المنظومة الدولية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، في استمرار المعاناة الرهيبة التي يعيشها الفلسطينيون، لكنّ اعتراف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بالخطأ، معطوفاً على ما تشهده الساحة الفلسطينية، والدولية، من تطوّرات، يمكن أن يعطي دفعة من الأمل للفلسطينيين.
أمام إقرار بلير بخطئه، وخطأ العالم، يبدو لزاماً على الفلسطينيين أيضاً أن يراجعوا تلك المرحلة المريرة من تاريخهم، وأن يخرجوا منها بدروس تفيدهم، وبجرد، ربما، لأخطائهم أيضاً، وهذا مهم ليس في إطار ترتيبات المصالحة فيما بينهم، أو في إجراءات التسوية الجاري بحثها، بل كذلك في إطار فهمهم لكيفية اشتغال العالم ضدّهم، ولكيفية اشتغالهم، أحيانا، ضمن مجرى ما يريده العالم لصالحهم، أو ضدّهم!
صحيفة القدس العربي