ترامب وفن الصفقة “الإيرانية النووية”

ترامب وفن الصفقة “الإيرانية النووية”

كما كان متوقعاً، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 13 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي أنه سوف لن يصادق على تقيد إيران بشروط الصفقة النووية متعددة الأطراف، متهماً الجمهورية الإسلامية بـ”عدم الوفاء بروح” الاتفاقية.
وبينما لم يسحب ترامب الولايات المتحدة من الصفقة، فإنه أكد على الحق في القيام بذلك، وحذر من أنه سيقبل على اتخاذ هذه الخطوة إذا امتنع الكونغرس الأميركي عن إجراء تعديلات على الاتفاقية.
على رأس قائمة التعديلات التي يريد ترامب من الكونغرس معالجتها موضوع “أحكام غروب الشمس” في الصفقة. وترفع هذه الأحكام قيوداً معينة كانت قد وضعت على إيران لما بين عشرة إلى خمسة عشرة عاماً بعد أن دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في كانون الثاني (يناير) من العام 2016. ومع ذلك، وحتى في ذلك الوقت، سيكون من المحظور على إيران تطوير سلاح نووي، ومن الممكن إخضاعها إلى عمليات التفتيش المباغتة.
وكانت إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين)، بالإضافة إلى ألمانيا، قد توصلوا إلى عقد الصفقة التي تعرف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” في العام 2015.
وأوضحت إيران وشركاء الولايات المتحدة الأوروبيون في الاتفاقية أنه لا يمكن إعادة التفاوض على الصفقة. وفي الكونغرس الأميركي، خرجت علامات في الأسبوع الماضي على أن ترامب سوف يواجه معركة صعبة في سبيل جمع الدعم الضروري لإجراء تغييرات تشريعية على الاتفاقية.
في الأثناء، تعني عدم مصادقة ترامب على الصفقة أنها ستكون لدى الكونغرس الأميركي فترة 60 يوما لدراسة إعادة فرض عقوبات على إيران، والتي كانت قد رفعت بموجب أحكام وبنود خطة العمل المشترك.
في خطابه يوم 13 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، أعلن ترامب عن استراتيجية قاسية جديدة تجاه إيران. وسوف تستند هذه الاستراتيجية تستند إلى :التصدي لدعم إيران للإرهاب؛ وبتحديد أكبر، فرض عقوبات جديدة على جهاز الحرس الثوري الإسلامي؛ وإعادة تنشيط العلاقات التقليدية الأميركية في الشرق الأوسط؛ والتعامل مع برنامج الصواريخ الباليستية في إيران وحرمان إيران من الوصول إلى امتلاك الأسلحة النووية.
في وقت سابق، كان مسؤولون أميركيون سابقون ومحللون في “مجلس الأطلسي” قد حذروا من عدم مصادقة الرئيس الأميركي على الصفقة. وفي يوم 13 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، شارك محللو “مجلس الأطلسي” أفكارهم حول آخر التطورات. وكان هذا ما كان لديهم ليقولونه:
• دانيال فرايد: زميل رفيع متميز في مبادرة مستقبل أوروبا في مجلس الأطلسي ومركز دينو باترشيو للشؤون الأوراسية. والمنسق السابق لسياسة العقوبات في وزارة الخارجية الأميركية.
عن القرار بعدم المصادقة: “أولاً، إنكَ عندما تلقي بشيء ما على الكونغرس فإنك تجازف. ثانياً، بتسخيفه الاتفاقية والإشارة إلى أنه يستطيع الانسحاب منها في أي لحظة، لم يقدم (ترامب) أي معروف لشركائنا الأوروبيين وغيرهم مما شاركوا معنا في التفاوض على خطة العمل المشتركة. المشكلة الكبيرة في سياسة الإدارة هي أنها تشعر بأننا نتفاوض مع أنفسنا، كما لو أن الرئيس يحاول إيجاد طريقة للتوفيق بين وعود حملته الانتخابية وبين الحقائق السياسية من خلال وضع سياسة إيرانية فعلية تتمتع بفرصة النجاح… لكن المجيء بتسوية من واشنطن لجلب خطاب حملتك الانتخابية إلى الواقع لا يؤدي في الحقيقة إلى خدمة تحقيق هدفنا”.
“هناك مكان للصلابة، لكن عليك أن تعرف متى تبرم صفقتك.
“الأخبار الجيدة هي أننا ما نزال نتوافر على سياسة حيوية. والأخبار السيئة أن الأمور قد تكون قد أصبحت أصلب، وإنما ليس أسهل”.
• باراث غوبالاسوامي، مدير مركز جنوب آسيا في “مجلس الأطلسي”.
قرار الرئيس دونالد ترامب الذي لم يكن مفاجئاً يقوض مصداقية الولايات المتحدة بين حلفائها وفي المجتمع الدولي. وبينما يظل انتقاد ترامب لسلوك إيران في الشرق الأوسط صحيحاً، فإن الدفاع عن عدم المصادقة يلغي أي حافز لدى إيران لضبط أفعالها ومراجعة برنامجها النووي والصاروخي. ويصب تصريح الرئيس ترامب المزيد من الوقود على النار في منطقة يعوزها اليقين وتتهدها التحديات الأمنية. كما أنها ترفع احتمال عزل الولايات المتحدة عن حلفائها الأوروبيين.
• أمير هاندجاني زميل رفيع غير مقيم في ملركز جنوب آسيا في المجلس الأطلسي.
عن إستراتيجية ترامب عن إيران: “كانت كلمة ترامب مليئة بالمبالغات وعدم الدقة الحقيقية. ولم يتضمن تناوله لسياسته الخاصة بإيران أي شيء سوى المزيد من الشيء نفسه. ومن الواضح جداً أنه يريد الخروج من خطة العمل المشتركة، لكنه مقيد بحقيقة أن الأطراف المفاوضة الأخرى تريد أن تبقى في الصفقة. كما لا يتوافر ترامب على نوع الدعم الذي يحتاجه في الكونغرس للخروج من الصفقة، بما في ذلك الكثير من القيادة الجمهورية. يدينا مسبقاً أزمة أزمة نووية في العالم، ولسنا في حاجة إلى واحدة أخرى.
عن مستقبل الاتفاق: “لا يستطيع ترامب إنهاء الاتفاق. تستطيع الولايات المتحدة الخروج من الاتفاق. لكنها إذا فعلت ذلك وظلت إيران متقيدة، فإن الأطراف الأخرى في الاتفاقية وإيران سيستمرون مع الصفقة. ليس هذا اتفاقاً بين الولايات المتحدة وإيران. إنه يضم خمس قوى عالمية أخرى. وطالما ظلت هذه القوى الخمس توافق على أن إيران متقيدة، سوف تستمر الصفقة وسوف يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها الناشزة.
“ما فعله ترامب اليوم هو عزل الولايات المتحدة عن العالم. يريد المجتمع الدولي التعامل مع وقائع أخرى من السلوك الإيراني، لكنه يريد التعامل مع ذلك بشكل منفصل، ولا يريد إعادة فتح موضوع الصفقة النووية”.
عن الكيفية التي سوف ترد بها إيران: “سوف تشهد مصالحة طبيعية بين المتشددين والمعتدلين. لإيران تاريخ حيث عندما يتعرض الإيرانيون للهجوم من قوى خارجية، فإنهم يتوحدون. يعتقد ترامب بأن خطابه سيقسم إيران؛ لكني أعتقد أنه سيوحد البلد”.
• ديفيد مورتلوك: زميل رفيع غير مقيم في مركز الطاقة العالمي في “مجلس الأطلسي”.
“ما فعله الرئيس يكشف عن احتقاره التام لخطة العمل المشتركة، والافتقار الظاهر للالتزام، أو حتى القلق إزاء ما إذا كنا سنمكث فيها أم لا.
“لم يتغير الكثير اليوم. وبالنظر أماماً، فإن لدينا سناريو أسوأ حالة لكون خطة العمل المشتركة مقيدة بشروط، بحيث ينتهي بنا المطاف في ما يشبه الحَجر في الاتجاه نحو الانهيار والانسحاب. أما سيناريو أفضل حالة، فقد يكون هذا عاصفة واشنطنية فقط، بينما سنستمر في المضي قدماً.
• أوريان أوتول: زميل رفيع غير مقيم في برنامج الأعمال والاقتصادات العالمية في “مجلس الأطلسي”.
عن إعلان ترامب عن الصفقة النووية: “كما كان متوقعاً، يتوج إعلان عدم مصادقة الرئيس أشهراً من العمل من أجل إحداث تغيير قليل فعلي، إذا كان ثمة تغيير، في الوضع القائم فيما يتعلق بإيران. وعلى الرغم من التهديدات، فإن الانسحاب الأميركي من خطة العمل المشترك وسط غياب أي انتهاك إيراني خطير، من شأنه أن يحول أقرب حلفائنا ضد الولايات المتحدة ويقوض أي امتيازات يتم السعي إليها من خلال تجديد فرض العقوبات النووية”.
“ثمة الكثير من العمل الشاق في انتظار الإدارة لتنجزه مع الكونغرس وشركائنا في خطة العمل المشتركة، خاصة أولئك في أوروبا، من أجل وضع استراتيجية تضمن أن الولايات المتحدة لن تقدم على انتهاك خطة العمل المشتركة، بينما يتم الانتقال بشكل معقول لاحتواء برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعم الإرهاب والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة”.
عن ما يستطيع الاتحاد الأوروبي فعله: “يجب على الاتحاد الأوروبي الاستمرار، كما يفعل، في الإصرار على أن تواصل الولايات المتحدة تنفيذ التزاماتها بخطة العمل المشتركة، ما لم -وحتى تنتهك إيران الصفقة. كما يجب على الاتحاد الأوروبي دراسة الخطوات التي يستطيع اتخاذها لضبط العدوان الإيراني الذي يتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي 2231، الذي يؤكد خطة العمل المشتركة، مثل الحظر الكامل للمجموعة الإرهابية، حزب الله، وفرض عقوبات على خطوط دعم إيران لنظام الأسد، بما في ذلك شركة طيران مهران. وقد تساعد دفعة من الاتحاد الأوروبي لاحتواء عدوان إيران في المنطقة في إقناع إدارة ترامب بأن خطة العمل المشتركة جديرة بالحفاظ عليها”.
عن العمل ضد جهاز الحرس الثوري الإيراني: “بينما يبقى ذلك وصمة جيدة يمكن إلصاقها بكل جهاز الحرس الثوري الإيراني، من المهم الإشارة إلى أن وصم المجموعة بالتنظيم الإرهابي لا يحمل أي أثر قانوني بالقدر الذي يخص العقوبات. وكان قد تم وصم الحرس الثوري الإيراني وتصنيفه أصلاً بموجب العديد من سلطات العقوبات، وظل خاضعاً لعقوبات ثانوية حتى بعد يوم تنفيذ خطة العمل المشتركة”.
• آرون شتاين: زميل رفيع مقيم في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في مجلس الأطلسي.
“خطة العمل المشتركة عبارة عن تسوية بسيطة: الخلاص من العقوبات في مقابل تحقق مشدد من الإبقاء على برنامج تخصيب إيراني محدود. ويخاطر قرار الرئيس بأن يكون تحققاً مشدداً في استراتيجية سيئة التعريف، والتي تكون معقولة فقط إذا كانت نيته الحقيقية هي استخدام العقوبات لقلب نظام الحكم الإيراني. كانت هذه السياسة توصف بأنها “الصبر الإستراتيجي” لكننا عرفنا أن هذه العبارة هي تلطيف لحقيقة “التراجع والجبن الأميركيين”. قد لا تتمزق خطة العمل المشتركة. ولكن، دعونا نكون واضحين فيما يتعلق بالتداعيات التي تتسبب بها: سوف تستمر إيران في تخصيب اليورانيوم من دون أي من القيود التي تفرضها خطة العمل المشتركة. ولن تنتهي الحدود التي تزيد عن التزامات إيران في معاهدة عدم انتشار السلحة النووية حتى العام 2040. وبالنسبة لمعظم الناس، فإن الحصول على المزيد من الوصول لبرنامج إيران النووي هو شيء جيد. لكنه بالنسبة لآخرين شيء مقلق لأن العلاقات الودية مع نظام إشكالي تعني أنك لا تستطيع محاولة استخدام أدوات قسرية لإسقاطه”.
• باربارا سلافين: مديرة مبادرة مستقبل إيران في مجلس الأطلسي.
“خطة العمل الشاملة المشتركة هي قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، وهي لذل قانون دولي. ولا تمكن إعادة التفاوض عليها من جانب واحد أو إلغاؤها من جانب أي طرف في غياب انتهاك مادي للاتفاقية. وإذا نفذ الرئيس ترامب تهديده الضمني بإعادة فرض عقوبات لها صلة بالموضوع النووي على إيران بينما إيران متقيدة تماماً بخطة العمل المشتركة، فسوف تكون الولايات المتحدة في حالة انتهاك مادي، ما يمنح إيران المبرر لاستئناف نشاطاتها النووية المحظورة راهناً. وعلى باقي المجتمع الدولي أن يظهر القيادة الغائبة حالياً في الولايات المتحدة والمحافظة على هذه الاتفاقية المهمة لعدم الانتشار”.

آشيش كومار سِن

صحيفة الغد