قبل عامين، وعقب معارك خاضتها قوات البيشمركة الكردية مع تنظيم الدولة، تمكّنت تلك القوات من استعادة مدينة سنجار القريبة من الموصل شمالي العراق، فوقف رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، على قمة جبل هناك ورفع العلم الكردي، وألقى خطاباً أكد فيه أن العلم الكردي “سيبقى مرفوعاً”.
إلا أنه وبعد أقل من عامين، عاد العلم العراقي ليرفرف مجدداً على سنجار، بعد أن دخلتها القوات الحكومية، فكيف تحوّل استفتاء كردستان، الذي جرى في الـ 25 من سبتمبر الماضي، إلى نقمة؟ تتساءل صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية.
تقول الصحيفة إن نتائج استفتاء كردستان جاءت بنتائج عكسية على الأكراد؛ فعلى الرغم من الاعتراضات العراقية والإقليمية الغاضبة، أصرّ رئيس الإقليم على إجراء الاستفتاء، غير أن الأمر انقلب ضده، وأدى إلى انتكاسة كبيرة للأكراد.
وبينما كانت الرغبة الإقليمية، وحتى الدولية، تقف ضد الاستفتاء، فإن ذلك أدى إلى تقسيم وانقسام الأكراد، خاصة عقب ما جرى بعد الاستفتاء؛ فلقد ازداد التصدّع الداخلي الكردي، ولم يعد مجدياً حتى إلقاء اللوم على جناح في الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس للبارزاني بأنه وراء ضياع كركوك.
يقول محمود عثمان، وهو سياسي كردي مخضرم، كان أحد أعضاء وفد كردستان في مفاوضات الحكم الذاتي عام 1970، إن ما جرى كان خطأ في التقدير، مؤكداً أنه حذّر البارزاني من أن عدم الحصول على الاستقلال سيشكّل خيبة أمل كبرى، خاصة في ظل الاعتراضات الإقليمية.
وتابع عثمان: “ربما اعتقد البارزاني أنه في حال جرى الاستفتاء فإنه ستنشأ حالة جديدة يجب أن يتم التعامل معها، هناك ثقة بالسيد البارزاني وعائلته، ربما اعتقد أن أمريكا أيضاً ستتعامل معه بشكل مختلف، أو أن إيران وتركيا لن تتخذا الكثير من الإجراءات ضده، قد يكون البارزاني حصل على تقارير مختلفة من مستشاريه”.
يقول معارضو البارزاني إنه كان بحاجة إلى تعزيز شعبيته، فلقد مدّد ولايته في العام 2013 من خلال البرلمان ولم تُجرَ أي انتخابات، حتى الانتخابات التي كانت مقررة الشهر المقبل عُلّقت حينما أعلنت المفوضية أن أحداً لم يترشح لها.
يقول أحد معارضي البارزاني، طالباً عدم ذكر اسمه، إن البارزاني أراد من خلال اللعب بورقة الاستقلال أن يستعيد شرعيته.
الأكراد تمكّنوا، خلال فترة محاربة تنظيم الدولة، من ضم كافة الأراضي التي كانت توصف بأنها متنازع عليها في الدستور العراقي، وحتى قبل الاستفتاء فإن حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، كان يبحث في كيفية استعادة تلك الأراضي من سلطة كردستان، ما جرى أن الاستفتاء سرّع من وتيرة عمل العبادي، بحسب مسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وزارة الخارجية الأمريكية أعربت عن معارضتها إجراء الاستفتاء بشدة؛ لأن ذلك سيضعف كثيراً من حليفها في بغداد، حيدر العبادي، قبل الانتخابات المقررة العام المقبل.
مسؤول أمريكي كشف للواشنطن بوست أنه، على الرغم من المعارضة الأمريكية الواضحة لإجراء الاستفتاء، فإن البارزاني تلقّى رسائل من أمريكا وبريطانيا تعده بدعمه خلال المفاوضات التي ستجري مع بغداد عقب الاستفتاء، وأنه في حال لم تتقدّم المفاوضات مع بغداد بعد عامين فإن الولايات المتحدة ستعترف بالحاجة إلى إجراء استفتاء.
سعدي بيره، المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، المنافس الأبرز للبارزاني، قال إن أعضاء في حزب البارزاني ناقشوا رسالة وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إلى البارزاني؛ التي تحدث فيها عن تأجيل التصويت لعامين مقابل دعم أمريكي للأكراد في مفاوضاتهم مع بغداد، وفي حال لم يحصل تقدّم فإن أمريكا ستدعم إجراء الاستفتاء.
إلا أن بعض أعضاء حزب البارزاني طالبوا بأن تكون الرسالة الأمريكية أقوى. وقد قال البارزاني إنه حتى في حال قرر الاتحاد الوطني الكردستاني عدم إجراء الاستفتاء في مناطقه فإنه ماضٍ بإجرائه في المناطق الخاضعة لسيطرته، وهذا كان سيتسبب بخلاف كبير.
هذا الكلام نفاه هيمن هورامي، مستشار البارزاني، واعتبره “تضليلاً”، قائلاً: “إن جميع الأطراف كانت وراء قرار إجراء الاستفتاء”.
أكثر من ذلك، أن اثنين من المسؤولين في الخارجية الأمريكية نفوا أن يكون وزيرهم قد وجه رسالة إلى البارزاني بشأن تأجيل الاستفتاء والشروع بمفاوضات مع بغداد، مع تأكيد أن الخارجية الأمريكية كانت دوماً مع المفاوضات والحوار بين بغداد وأربيل.
النقطة الحاسمة التي غيّرت شكل المعادلة قبل الدخول في كركوك هي إيران؛ فقبل أيام من دخول القوات العراقية إلى كركوك، زار قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، السليمانية وأربيل؛ في محاولة لإقناع البارزاني بالتخلّي عن نتائج الاستفتاء، في هذا الوقت كانت شوارع كردستان تعجّ بالمحتفلين، كان التراجع سيعتبر خطأً فادحاً.
قبل دخول القوات العراقية إلى كركوك عقدت القيادات الكردية اجتماعاً موسّعاً في دوكان، بحضور الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، وقدّمت وقتها صفقة تقضي بأن يُسمح للقوات العراقية بالدخول إلى كركوك، إلا أن البارزاني رفضها وغادر الاجتماع غاضباً، بحسب أحد الحاضرين.
عقب الاجتماع تحدثت وسائل الإعلام الكردية عن أنه تم خلال الاجتماع الاتفاق على وحدة الصف، وأنه لا مجال للتفاوض مع بغداد من قبل أي طرف كردي.
يتحدّث الملا بختيار، المسؤول في الاتحاد الوطني الكردستاني، عن أنه كانت هناك صفقة لإدخال القوات العراقية إلى كركوك، مؤكداً أن الصفقة تمت من خلال وسيط رفض الإفصاح عن هويته. وشدد على أن تلك الصفقة قُبلت حتى من طرف الحزب الديمقراطي الكردستاني، وليس من طرف الاتحاد الوطني فقط.
إلا أن سعدي بيرا، من الاتحاد الوطني الكردستاني، قال إن تفاصيل الصفقة لم يُبلَّغ بها العديد من قيادات الحزب، وأنها ربما تكون قد أُجريت سراً مع جماعة “أصدقاء كركوك”، التي تقودها أرملة الرئيس السابق المتوفَّى مؤخراً، جلال الطالباني، وأن الصفقة مُرّرت، وتم الاتفاق عليها خلال مراسم جنازة الطالباني.
مسؤول آخر في حزب البارزاني قال إن الصفقة عُقدت مع قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني.
ووفقاً للاتفاق، انسحبت القوات الكردية مع تقدّم القوات العراقية؛ فلقد وصلت أوامر للقيادات العسكرية الكردية بالانسحاب، وهو ما دفع العديد من تلك القيادات إلى وصف ما جرى بأنه خيانة لدماء الشهداء، بحسب الملازم برهان رشيد.
بغداد أعلنت أنها استعادت المواقع التي سيطرت عليها القوات الكردية بعد 2014، ومع ذلك فإن قادة المليشيات الشيعية التي تشارك القوات العراقية تقدمها وقتالها ضد البيشمركة الكردية يضغطون باتجاه إجبار القوات الكردية على العودة إلى مواقعها قبل عام 2003، وهو أمر قد يؤدي إلى صراع يطول أمده، بحسب السياسي الكردي برهم صالح.
واشنطن بوست