رجح مسؤولون ومحللون أن يستفيد الحرس الثوري الإيراني من زيادة التوتر بين واشنطن وطهران، التي يمكن أن توسع نفوذه السياسي وإمبراطوريته الاقتصادية والصناعية.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خالف القوى الكبرى الأخرى هذا الشهر برفضه أن يشهد بالتزام إيران بالاتفاق النووي، الأمر الذي عقد الأمور للمستثمرين الأجانب الذين يخشون فرض عقوبات أميركية جديدة على طهران.
وبدأ الحرس الثوري التابع مباشرة لسلطة المرشد الأعلى علي خامنئي، التوسع بسرعة في مشاريعه التجارية قبل 10 سنوات أي قبل فرض العقوبات الغربية على قطاعي النفط والتمويل في عام 2012 بسبب البرنامج النووي الإيراني.
ويسيطر الحرس الثوري على أنشطة متعددة من إدارة الموانئ إلى الاتصالات وقد استفاد أكبر استفادة ممكنة من فتور العلاقات مع الغرب ومن تحسنها أيضا.
فعندما هجرت شركات النفط الغربية مشروعات الطاقة في إيران عام 2012 تولى الحرس الثوري أمرها وبعد رفع العقوبات عام 2016 أسس الحرس الثوري شركات شكلية أصبحت منفذا لدخول الشركات الأجنبية إلى إيران.
وقال مسؤول من معسكر خامنئي “نحن نريد بقاء المستثمرين الأجانب. لكن إذا رحلوا بسبب الضغط الأميركي فيمكن للحرس أن يحل بكل سهولة محلهم. لا يوجد بديل أفضل من ذلك”.
وفي ظل العقوبات كافأ حكام إيران الحرس الثوري بإغراقه بالعقود لتفادي القيود وقمع المعارضة ومساعدة حلفاء طهران على الصعيد الإقليمي في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وبسبب نقص الخبرات التقنية لدى الحرس الثوري وضعف مشاريعه الاقتصادية في ظل العقوبات فقد رحب بالصفقة التي أبرمها الرئيس حسن روحاني لتخفيف العقوبات مقابل تقييد البرنامج النووي.
وأيد خامنئي الذي له الكلمة الأخيرة في شؤون الدولة الاتفاق النووي تأييدا متحفظا لكنه قال إن العائد الاقتصادي الذي تحدث عنه روحاني لم يحقق المنشود منه.
وللالتفاف على العقوبات الأميركية التي لا تزال سارية وتمنع التعامل مع الحرس والشركات التابعة له فإن الكثير من الشركات الشكلية التابعة للحرس لا يملكها الحرس الثوري ملكية رسمية بل يملكها أفراد وشركات تربطهم صلات به.
وقد حاول روحاني تشجيع الشركات والبنوك الأوروبية المترددة في العودة إلى إيران بالسعي للحد من دور الحرس الثوري في الاقتصاد الأمر الذي أدى إلى نقل الحرس ملكية بعض الشركات إلى الدولة.
وقال دبلوماسي غربي إن “الحرس الثوري سيكون المستفيد الرئيسي من التوتر مع واشنطن… هو يفضل انفتاحا محدودا فقط على الغرب لحماية هيمنته على الاقتصاد”.
ورغم أن الأوروبيين يؤيدون الاتفاق النووي فإنهم يشاركون واشنطن قلقها إزاء البرنامج الصاروخي وتصرفات إيران الإقليمية “المزعزعة للاستقرار”.
ولا تزال شركات أجنبية كثيرة تتردد في الاستثمار في إيران بسبب العقوبات الأميركية الأحادية المفروضة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ودعم إيران للإرهاب ودور الحرس الثوري في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط. ومن الشركات الأوروبية التي أعلنت صفقات كبرى في إيران منذ العام الماضي إيرباص لصناعة الطائرات ومجموعة توتال الفرنسية وسيمنس الألمانية. وكانت بوينغ الشركة الأميركية الوحيدة التي أبرمت اتفاقا لبيع 110 طائرات لشركتين إيرانيتين.
غير أن نهج ترامب المتشدد تجاه إيران واقترانه بمخاوف مصرفية ومشاكل سياسية داخلية في البلدين يغلف مصير صفقة الطائرات بالغموض.
ويسلم المسؤولون الإيرانيون بأن الشركات العالمية مازالت تخشى تمويل مشروعات ترتبط بإيران خشية الوقوع تحت طائلة غرامات وعقوبات أميركية بينها حظر على التعامل بالدولار مع طهران.
وقال أندرياس شفايتسر العضو المنتدب في شركة أرجان كابيتال المتخصصة الاستشارية التي تستثمر في إيران منذ 2009 انطلاقا من لندن، إنه رغم ذلك هناك صفقات تبرم بعضها في قطاعات السيارات والطاقة والصناعة وذلك في حدود من 100 إلى 200 مليون يورو وتتركز في عمليات اندماج واستحواذ.
وأضاف “نفترض أسوأ التقديرات بما في ذلك فرض عقوبات على الحرس الثوري رغم أننا لا نتعامل معه، وإذا كانت أطراف خاضعة لعقـوبات معينة فإننا لا نمس الصفقة. نحن في غايـة الحـذر وحتى الآن لـم نواجـه مشكلـة”.
وفي أعقاب خطاب ترامب قال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إنه يعتزم فرض عقوبات على الحرس الثوري وسيعمل مع نظرائه على المستوى الدولي في ما يخص هذه المسألة.
وقال تشارلز بلاكمور الرئيس التنفيذي لشركة أودير إنترناشيونال إن تغير سياسة واشنطن سيكون له “أثر على المستثمر الأكثر عزوفا عن المخاطر. أما الذين يعرفون البلد معرفة جيدة فلن يحدث ذلك أي فرق… الناس تدرك كم حجم الاقتصاد الذي يسيطر عليه مالكون في الظل وهياكل معتمة للحرس الثوري الإيراني”.
وأمام الكونغرس الأميركي 60 يوما للبت في ما إذا كان سيعيد فرض عقوبات على إيران في وقت تؤكد فيه الإدارة الأميركية أنها لن تقف في طريق التجارة الأوروبية وصفقات الأعمال مع إيران.