كان بناء آلاف الوحدات السكنية اليهودية الإضافية في فلسطين المحتلة هو آخر تعهد يقدمه النظام الإسرائيلي اليميني المتطرف الذي يقوده مجرم الحرب بنيامين نتنياهو.
لكن هذه الخطوة الجريئة، على الرغم من كونها غير شرعية وتتعارض بشكل مباشر مع قرارات الأمم المتحدة، لا تنتهي هنا. فالمنازل الجديدة مخصصة لإحدى أكبر المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، معاليه أدوميم. وسيكون الضم هو الخطوة التالية. وقد أعلن نتنياهو راعداً: “هذا المكان سيكون جزءاً من دولة إسرائيل”.
في حين أن مصطلح “المستوطنات” قد يشير زيفاً إلى مجموعة من الخيام المتناثرة وحفنة من الكرافانات، فإن الحقيقة هي أن هذه المستوطنات تشكل مجموعة من البلدات والمدن المتقدمة للغاية. وتتكون مستوطنة معاليه أدوميم من منطقة سكنية كاملة تضم حوالي 140.000 شخص وتقع مباشرة إلى الشرق من القدس.
وتضم هذه المستوطنة منطقة صناعية، والتي سيتم توسيعها هي أيضاً، بالإضافة إلى بناء آلاف المنازل الجديدة، كما وعد نتنياهو. لكن ما ظل صامتاً إزاءه هو حقيقة أن المستوطنة تقع في وسط الضفة الغربية المحتلة -خلف الخط الأخضر- على الأراضي الفلسطينية.
وعلى الرغم من أن مبعوث ترامب للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، كان في المنطقة، إلا أنه لم ينطق، لا هو ولا رئيسه، بكلمة إدانة واحدة. وفي واقع الأمر، سيكون من السذاجة البالغة توقع صدور أي تعبير عن خيبة الأمل من إدارة ترامب، التي يرتبط عضواها، جاريد كوشنر وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان، بروابط طويلة الأمد بحركة الاستيطان العنصرية.
تنفجر هذه الوقاحة الصارخة والمطلقة للمشروع الاستيطاني وغطرسة إسرائيل المتصاعدة في وجه قرار مجلس الأمن الأخير. فقبل أقل من عام، أعلن القرار الذي صدر في كانون الأول (ديسمبر) أن المستوطنات تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. وبدلاً من الامتثال لطلب وقف جميع الأنشطة الاستيطانية، ما تزال إسرائيل مصممة على التهام كل شبر من فلسطين.
وبمجرد أن يكمل الضم الكامل دورته، سيصبح جميع سكان المستوطنات غير الشرعيين سكاناً للقدس، حيث تم طرد أكثر من 100 ألف مواطن فلسطيني، وحيث يواجه آلاف الآخرين ملاقاة نفس المصير.
بالإضافة إلى هذا الشكل الهمجي من بلطجة الدولة، يتزايد الضغط على ترامب لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وعلى الرغم من أن الوعد بنقل السفارة كان عنواناً بارزاً أثناء الحملة الانتخابية، فقد ربطه ترامب الآن بخطته غير الموجودة أصلاً لتحقيق السلام.
بغض النظر عما إذا كان ترامب سيفي بوعده، يبقى من الواضح أن مثل هذا القرار سيضع الولايات المتحدة في خلاف مع الأمم المتحدة. وتعرف إسرائيل أن إدارة ترامب ربما تكون الأقرب إليها، وأن فرصة وضع اللمسات الأخيرة على استكمال تهويد القدس قد لا تأتي مرة أخرى. ولذلك، تسرع إسرائيل في خلق “حقائق” جديدة على الأرض.
على الرغم من أن حماقة ترامب جعلته محطاً للسخرية، فإن الواقع هو أنه يظل القائد العام لأميركا. وطالما ظل في السلطة، سوف تستغل إسرائيل نقاط ضعفه.
من خلال توسيع نطاق التشابه مع جنوب أفريقيا المتورطة فى معارك فئوية قوية داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، لن ينظر الرئيس زوما أو وزارة خارجيته إلى تجاوزات إسرائيل على أنها أولوية.
وهناك مؤشرات على مدى البلادة الحالية، والتي تمثلت في الكشف مؤخراً عن موظف حكومي جنوب أفريقي رفيع المستوى في إدارة العلاقات الدولية، وهو يستهجن موقف وزارته من إسرائيل، إلى جانب المغامرات السرية لمبعوث جنوب أفريقيا في تل أبيب، وعدم اتخاذ أي إجراء ضدهما.
كما أن العالم العربي يشهد هو نفسه حالة من الفوضى، وهو يفتقر إلى سياسة متماسكة بشأن فلسطين. وبما أن ما يسمى بـ”دول خط المواجهة” -وهو مصطلح مستعار من نضال جنوب أفريقيا من أجل الحرية- إما انحنى أمام الضغوط الإسرائيلية أو تحول إلى أنقاض بحيث لم تعد له بذلك أي تأثيرات إيجابية على نضال فلسطين في من أجل الحرية، فإن ذلك يسهم في تعزيز موقف إسرائيل العدواني المتنمِّر.
كما أن الخذلان الذي تعرضت له قضية تحرير فلسطين من قبل العديد من الدول العربية تسبب بخيبة أمل. ومرة أخرى، يمكن أن يدعي المرء بأمان، في اللغة التي تسيطر حالياً على الخطاب الاجتماعي السياسي والاقتصادي في جنوب أفريقيا، بأن هذه الأنظمة العربية قد أصبحت “أسيرة” لإسرائيل.
بينما يستمر النهب وسرقة الأرض واستلاب الفلسطينيين، لا تتوقعوا من أي من حلفاء إسرائيل في المنطقة النطق بكلمة واحدة. بل إنهم يصنعون في واقع الأمر، بعجزهم وخمولهم، عقبات أمام مسيرة فلسطين الطويلة نحو الحرية.
ما عملية استيطان الصهاينة اليهود لفلسطين، والتي بدأت منذ قرن مضى، ماضية على قدم وساق. ويشكل بناء المستوطنات والضم والاحتلال تجليات واضحة لهذه الحقيقة. وتسترشد الأيديولوجية التي يقوم عليها هذا المشروع الصهيوني بالعنصرية، والتفرد، والتوسع: وهو ما يرقى كله بوضوح إلى أن يكون نظام فصل عنصري!
ما لم يتوقف المسار الحالي للاستيلاء على الأراضي بالقوة وينعكس اتجاهه، فسوف تواصل إسرائيل التصرف كنظام مارق. وباعتبارنا جنوب أفريقيين، فإننا نتحمل مسؤولية أخلاقية عن قصقصة أجنحتها وضمان أن تسود العدالة في فلسطين.
إقبال جاسات
صحيفة الغد