تعكس انطلاق عملية “عاصفة الحزم” منتصف ليلة الخميس 26 مارس/ آذار 2015 عن ادراك خليجي لتداعيات الانقلاب جماعة الحوثي الذي شهده اليمن مؤخراً،
وتكشف الرعاية الايرانية له، والتي تحاول الجماعة نفيها، ابعادا تتعلق بحربٍ طائفية أخذت تشمل عدداً من دول المنطقة، اكدها المحلل السياسي الإيراني، المقرب من دوائر صناعة القرار في طهران، محمد صادق الحسيني، من ان إيران صارت تحكم سيطرتها على الجزيرة العربية -يقصد اليمن والعراق-، حيث اعترف الحسيني في التصريحات التي بثتها قناة “الميادين” اللبنانية أواخر شهر ايلول/سبتمبر الماضي، أن “آل سعود سيكونون الهدف التالي”.
ولهذا لم تلقى السلوكيات الحوثية التي تستقوي بإيران آذانا صماء، فخلال الاسبوعين الماضيين بدأت ملامح توجهات سياسية جديدة اشرفت عليها المملكة العربية السعودية، يراد بها اعادة لم شمل الدول المحورية في المنطقة، ولا سيما مصر وتركيا من أجل تكوين تحالف قوي لمواجهة المخاطر المهددة التي يشهدها الاقليم، سواء من قبل ما يعرف بتنظيم “داعش”، أو تجنبا لانتشار التشيع التسلح في اكثر من بلد عربي.
ومن هنا شكل الامتداد الحوثي على طول الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية أول اختبار كبير لعاهل المملكة الجديد، الملك سلمان بن عبد العزيز، ما استلزم أخذ زمام المبادرة للتصدي للتهديد الناجم عنه، والدفاع عن الحكومة الشرعية ومنع الحوثيين من السيطرة على البلاد، بعد ان اصبحوا على وشك الاستيلاء على مدينة عدن معقل الرئيس عبد ربه منصور هادي، التي لجأ اليها بعد فراره من العاصمة صنعاء.
ومن زاوية الصراع الإقليمي على منطقة الخليج العربي، تدلل المؤشرات على تصاعد الحرب الباردة بين ايران ودول الخليج العربي التي امتدت لعقود، ولعل أهم مجالات التنافس والاختلاف تتراوح بين الأزمات في سوريا والبحرين ومصر التطورات في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، وبرنامج إيران النووي، وسياساتها التدخلية في اكثر من بلد عربي. ويجب الأخذ بنظر الإعتبار بأنه طالما تكثف طهران من انخراطها في تلك البلاد، فان الأمور تزداد سوءاً على جبهة الصراع الطائفي، وما يعني ذلك من نشر الفوضى في المنطقة، بالاستناد على وجود حلفاء لها على الأرض، بما يسمح لها بالمزيد من التغلغل في المنطقة، ويعود على بالنفع على إيران ويقوي مكانتها كقوة مهيمنة في جوارها الاقليمي.
والائتلاف العربي الذي تشكل بعد بيان خليجي مشترك جمع السعودية والإمارات والبحرين والكويت، عكس استجابة خليجية عربية تتوافر على شرعية القرار والحركة، اساسها الخوف من تكرار تجربة الهيمنة الايرانية على العراق وسوريا، ما حركت موفقا عسكريا غير مسبوق، ليتسع الى تحالف اقليمي مكون من 10 دول للدفاع عن الحكومة الشرعية. فالضربة العسكرية السعودية التي تحققت استطاعت ان تجرد الحوثيين الكثير من مقومات قوتهم، وان تعيد الاعتبار لموقف عربي حازم، تراعى فيه المصالح القومية العربية العليا، ومن خلال الجامعة العربية، التي لها الحق في التدخل للتصدى للحرب الأهلية باليمن طبقا للقانون. وهو ما اكده وزير الشؤون الخارجية المصري، سامح شكري، في كلمة أمام وزراء الخارجية العرب من أن الأمن القومى العربى كان ومازال يواجه تحديات كبيرة لفرض سيطرة الدولة، الامر الذي ضاعف التحدي الذى يمثله خطر الإرهاب ما يستلزم اتخاذ إجراءات فعالية لمعاجة هذه التحديات حتى لا تؤثر على الوضعين الأمني والعسكري.
وقد تكون ايران كسرت الكثير الاعتبارات الدبلوماسية، وعطلت مبادئ حسن الجوار والمشتركات الاسلامية، يحركها الاعتداد بالنفس والمبالغة بالقدرات والنزوع للتحول إلى اهم فاعل اقليمي في المنطقة، ما حمل عضو البرلمان علي رضا زكاني المقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي، على القول بأنهم يسيطرون على ثلاثة عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وستنضم إليها صنعاء قريبا. الامر الذي عزز موقفا خليجيا وعربيا واقليميا، امتد من مصر إلى باكستان، في عملية سريعة تتصدى لعدوان الميليشيات المنفلتة، وهو ما يشتمل على رسالة مفادها: عدم القبول بالانقلاب الذي تقوده إيران على مستوى الإقليم، والذي من شأنه زيادة وتيرة التصادم، من خلال تلاعب طهران بمعادلات المنطقة السياسية والامنية.
وبالمعنى السياسي، فان عدم الثقة بين الدول العربية وإيران عميق، فتهكّم رئيس تحرير وكالة مهر الإيرانية الفارسية حسن زادة “بالعربان” بحسب الوصف الذي اطلقه، ودعوته لضم العراق الى الامبراطورية الفارسية البائدة، كان الموقف الاكثر مشاكسة ووقاحة، ليعبر عن رؤية مليئة بحس التفوق القومي، والتي من شأنها تأطير الأجندة السياسية المليئة بالكراهية المذهبية والتطرف العسكري ضد جوارها الجغرافي، وفي هذا السياق فان زعزعة اركان الدول العربية، كان وما يزال هدف ايراني يعتمد على اعلاء فكرة التدين المذهبي السياسي، وتسليح افراده وسلخهم عن مجتمعاتهم، بما ينجم عنه تضييع لفكرة المواطنة والغائها. وهو ما جعلها تلتفت الى اليمن لتكون احد اذرع الكماشة التي يحيط بالمملكة العربية السعودية جنوبا، بعدما تمددت في شمالها.
ولكن لا ينبغي أن ننسى أن العنجهية الايرانية، لم تفلح في استقراء الموقف الخليجي والعربي من احداث اليمن، وانها تفاجئت بالعاصفة، بعد ان كانت تمني النفس باستغلال التراخي الامريكي حيال سفنها المحملة بالاسلحة للحوثيين ورحلات طيرانها المكوكية اليومية لهذا البلد. فتوق كلا من إيران والولايات المتحدة الامريكية لتوقيع اتفاق نووي الذي يجري الحديث عنه بقوة هذه الايام، لم يمنع الرياض من تصحيح اختلال معادلة التوازن الاقليمي، ولم تدرك طهران ان اليمن هو رأس الحربة في نظر السعوديين، وسقوطه يعني اندحار للشرعية وتقويض لسلطة الدولة. بعد ان أصبحت دول الخليج العربي تواجه تهديداً مستمراً لأمنها واستقرارها بوجود الأسلحة الثقيلة وصواريخ قصيرة وبعيدة المدى بيد الميليشيات الحوثية، وقيامها مؤخراً بإجراء مناورات عسكرية كبيرة بالذخيرة الحية قرب حدود المملكة, استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، ما يكشف عن نوايا مبيتة لتكرار العدوان الذي شنته على الاراضي السعودية في تشرين الثاني/نوفمبر 2009 .
ويأتي كل ذلك في سياق الوضع الحالي، الذي هو في الحقيقة مرتفع المخاطر بصورة لا يمكن تصورها، فمضيق باب المندب الاستراتيجي بين خليج عدن والبحر الأحمر، والواقع قرب مدينة تعز التي سيطر الحوثيون عليها، تطل بشكل مباشر على المضيق، الذي يمر عبره أكثر من 38 % من الملاحة الدولية، وبعد ان اعلنت القوات التي تحمي مضيق باب المندب وجزر حنيش ولاءها لجماعة الحوثي. ما يعني، رغبة إيران في السيطرة على الموانيء البحرية في اليمن بحكم العلاقة بين طهران والحوثية، والحصول على منفذ مائي يمكنها من إيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر. ولاشك في انها من أهم الخطط الاستراتيجية التي تعمل طهران على تحقيقها، وما لم تقرأه ايران جيدا، من ان انبثاق تهديدات تعيق تدفق النفط من هذه المنطقة هو خط احمر، ما اوجد بعدا دوليا للازمة في صنعاء، وأن التعاون بين اليمن ودول مجلس التعاون لإيصال البترول عبر البحر العربي، والذي لاقى ارتياحا من قبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الامريكية حول مرور خط الأنابيب عبر اليمن لن يتم إلا في حال استقرت الأحوال السياسية في اليمن.
بعد “عاصفة الحزم” ستكون المنطقة امام متغيرات جديدة، تنهي زمن المجاملات والتريث، ولطالما كانت المواقف العربية الخاثرة سببا في ضياع فرص، وانتزاع ادوار، وعليه فان اجبار الميليشيات الحوثية على الانصياع للقرارات الدولية والدخول في طاولة الحوار اليمني، وانهاء مرحلة استضعاف العرب، وإعادة ترتيب البيت اليمني، يعد عنوان المرحلة المقبلة في الموقف العربي، إذ حظيت العاصفة بدعم شعبي كاسح داخل اليمن وخارجه، فتجاهل الحوثي حقائق التركيبة اليمنية والتوازنات الاقليمية والدولية، ومن خلفهم إيران، التي تراودها احلام السيطرة الامبراطورية. يشي بانهم ما قدروا الموقف العربي-الخليجي، الذي لاح في الافق حق قدره. فعندما تتصاعد جرعات الغرور وتغيب الحكمة، فان السقوط سيكون مدويا، والرسالة واضحة: اما حرب مفتوحة، او تفاوض حول ترتيبات الأمن والاستقرار في الإقليم.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
وحدة الدراسات العربية