الكويت – قدمت الحكومة الكويتية برئاسة الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح، كما كان متوقعا، استقالتها أمس للأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بعد طلب 10 نواب طرح الثقة بالوزير الشيخ محمد العبدالله المبارك حفيد مبارك الكبير مؤسس دولة الكويت، إثر استجواب مباغت يدرك المحللون السياسيون الكويتيون أنه كان يهدف من أساسه إلى “قتل الناطور لا أكل العنب”.
ويعرف العالمون ببواطن الأمور أن محمد العبدالله، وهو عمليا وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء، ليس مسؤولا عن المحاور التي أعلنها من استجوبه، أما ما هو مسؤول عنه فقد ردّ عليه بكل شفافية موضحا بالدلائل أنّ لا أخطاء في القرارات التي اتخذت. لكن إعلان طرح الثقة بالوزير بدأ حتى قبل أن يدلي بمرافعته في البرلمان إذ توالت المواقف الداعية إلى سحب الثقة عنه وهو أمر خارج إطار الدستور تماما.
واشترك “الإخوان المسلمون” في طرح الثقة عبر نواب كانوا قبل أيام فقط ينددون بالاستجواب ويعتبرونه مشبوها، ووقّع جمعان الحربش على الطلب، وهو الذي كان يعلن ليل نهار أنه متفق مع الحكومة على إنجاز ملفّات معينة مقابل التهدئة، وأهمّها ملف إعادة الجنسية لبعض من سحبت منهم أو اكتشف أنهم حصلوا عليها بالتزوير.. لكن الحكومة ما كان يمكن أن تقبل بتغطية التزوير فكان الصدام.
وكان ملف الجنسية هو الثمن الأول الذي دفعه العبدالله، أما الثمن الثاني فكان انضمام مجموعة من النواب الذين يحرّكهم الشيخ أحمد الفهد إلى مُوقّعي طرح الثقة لتصفية حساب ثقيل بين الرجلين، خصوصا أن الشيخ محمد لم يسر في ركب الشيخ أحمد في ما يتعلق بالقضية الرياضية أو بفبركة أفلام وشرائط تطعن في كرامات وذمم شخصيات مثل المرحوم جاسم الخرافي أو رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد، إضافة إلى رفضه استخدام المعارضة ورقة لتهديد النظام أو تحسين موقعه في السلطة.
ويتمثل الثمن الثالث في الضعف الحكومي بشكل عام والركون إلى تسويات مشبوهة مع أطراف معروفة ببراغماتيّتها وعدم احترام تعهداتها مثل النواب الإسلاميين وعلى رأسهم “الإخوان”.
وظهر هذا الضعف بوضوح في جلسة الاستجواب إذ بينما كان العبدالله يفنّد المحاور كان وزير الصحة جمال الحربي مثلا يوقّع معاملات للنواب المعارضين لمن يفترض أنه زميله. وليس سرا أن الحربي متحالف مع جمعان الحربش نائب الإخوان وأن شقيق الأخير متورط في قضية ضياع مال عام من مكتب ألمانيا الصحي الذي تولّى إدارته. وإضافة إلى الحربي فلم يتحرك الوزراء الذين يفترض أنهم يموّنون على النواب لأسباب شخصية.
ويكمن الثمن الرابع في أنّ كلّ ما جرى كان يهدف إلى تسخين الأجواء ودفعها في اتجاه أن يتخذ صاحب القرار خيار حل مجلس الأمة وإقالة الحكومة، أي أن يكافئ من حرك المؤزّمين ويحقق لهم ما أرادوه، لكن ذلك لم يتم واستعيض عن ذلك بأن تقبل استقالة الحكومة على أن يأخذ التشكيل الجديد وقته الكامل وربما لمدة شهر يعاد فيها ترتيب المشهد السياسي ويكون ذلك بمثابة الإنذار الأخير للمؤزّمين في المجلس بأن الأمور لن تستمر على ما هي عليه خصوصا في أجواء إقليمية ملتهبة.
ويبقى السؤال كيف ستتشكل الحكومة الجديدة، وهل سيعود إليها الشيخ محمد العبدالله بحقيبة جديدة؟ هل ستدخل وجوه جديدة شابة لا تخشى المواجهة مع النواب طالما أنها تعمل تحت الضوء وسقف القانون؟ كيف سيتم تفكيك تلك الخلية التي جمعت بين مصالح شخصية لنواب وبين مآرب سلطوية لشيوخ؟ وهل تتحمل الكويت قائدة الوساطة الخليجية أن يتم إضعافها من الداخل؟
وستكون الإجابات رهنا بما سيحمله التشكيل الجديد من أسماء وحقائب.
العرب اللندنية