واشنطن – من الطبيعي أن تستهوي أفلام مثل النملة زد، أساطير الغد، باتمان، كارز، تشيكن ليتل، والفرسان الثلاثة، ومغامرات توم وجيري أيّ مشاهد “عادي”، لكن حين تكون مثل هذه الأفلام هي المفضلة عند شخصية مثل أسامة بن لادن، فإن الأمر حتما مثير لفضول ودهشة غطيا حتى على معلومات أهم كشفت عنها ما يقارب الـ470 ألف وثيقة نشرتها المخابرات المركزية الأميركية تتعلق بأدق تفاصيل الحياة الشخصية و”الجهادية” لمؤسس القاعدة.
جاءت هذه المعلومات، وغيرها، ضمن آلاف الوثائق التي رفعت عنها السلطات الأميركية السرية بعد فحصها ومراجعتها وتقييم ما يسمح بنشره.
عثر على هذه الوثائق في منزل أسامة بن لادن في مدينة أبوت آباد الباكستانية بعد مقتله في مايو 2011.
وقال مدير السي. آي. إيه مايك بومبيو إن “إطلاق لما تم حجزه من رسائل وفيديوهات وملفات سمعية وغيرها من المواد التابعة للقاعدة تعطي الفرصة للحصول على المزيد من المعلومات حول مخططات هذا التنظيم الإرهابي وطرق عمله”.
ومنذ 20 مايو 2015 بدأت السلطات الأميركية بالكشف عن حزم من الوثائق التي أخذت من مقر إقامة بن لاد. وتحتوي مواد أحدث مجموعة، وفق بيان نشرته السي. آي. إيه على موقعها، على ملفّات سمعية ووثائق وصور وفيديوهات وأنظمة تشغيل برمجيات. نشرت هذه المواد في صيغتها العربية الأصلية، وأرفقت بنسخ مترجمة لأهم ما جاء فيها.
القاعدة وإيران: تحالف على مبدأ عدو عدوي صديقي
> إحدى الوثائق التي تم نشرها حاليا دراسة من 19 صفحة حول الروابط بين القاعدة وإيران أعدها أحد أعوان بن لادن
> حزب الله عرض تدريب عناصر من القاعدة في معسكراته
> الجزيرة بوابة القاعدة لنشر الفوضى في بلدان الربيع العربي
> المرشد الأعلى وزعيم القاعدة تجاوزا الخلاف الأيديولوجي بينهما في سبيل تحقيق مصالحهما المشتركة
وتتضمن الملفات المنشورة:
*المذكرة الشخصية لأسامة بن لادن، مكتوبة بخط يده.
*أكثر من 18 ألف ملف لوثائق مكتوبة بخط يد أسامة بن لادن ووثائق مكتوبة ومطبوعة وموقعة بأسماء قادة وأعضاء في تنظيم القاعدة.
*قرابة 79 ألف ملف سمعي وصور، من بينها تدريبات على إلقاء خطابات للعموم، وتراسل سمعي وصور قامت القاعدة بتجميعها أو خلقها لأغراض متنوعة وفيديوهات منزلية للقاعدة ومسودات فيديو أو تصريحات لأسامة بن لادن ومواد دعاية جهادية.
*أكثر من عشرة آلاف ملف فيديو تتضمن فيديو لحمزة بن لادن في بداية مرحلة البلوغ ولزفافه، وأفلام مصورة لأطفال وأفلام سينمائية وأشرطة وثائقية.
*العشرات من الملفات الصوتية وغيرها من الوثائق المتعلقة بالحرب الأهلية داخل العراق، وتفاصيل عن تاريخ جهود تنظيم القاعدة في العراق، بدءا من الأيام الأولى لأبي مصعب الزرقاوي داخل الدولة قبل الحرب، إلى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وتعيين البغدادي رئيسا له.
ومن بين المواضيع التي تكشف عنها المذكرات والوثائق:
*استعدادات القاعدة للاحتفال بالذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر ومحاولات التنظيم نشر رسالته عبر الإعلام الغربي.
*جهود القاعدة لاستغلال الثورات العربية لمصلحتها ولمصلحة الجهاد العالمي.
*جهود بن لادن للحفاظ على الوحدة داخل التنظيم وبين التنظيمات التابعة له، على الرغم من الخلافات حول التكتيكات والعقيدة.
*جهود القاعدة لاستعادة صورتها المشوهة بين المسلمين جراء أخطائها والتصوير الإعلامي السلبي.
التحالف مع إيران
بينما اهتم عموم الرأي العام بمتابعة الوثائق التي تتحدث عن التفاصيل الحياتية الشخصية والجنسية والفيديوهات المنزلة من يوتيوب والأفلام الهوليوودية التي كان بن لادن، يشاهدها، اتجهت اهتمامات السياسيين والإعلاميين إلى الوثائق الأخطر وذات الأبعاد القومية والاستراتيجية.
لم يكن مفاجئا ما كشفته الوثائق عن علاقة إيران بالقاعدة، لكنها جاءت لتؤكد ما تصرّ طهران على نفيه. وبرزت من بين الحزمة الضخمة من الوثائق وثيقة من 19 صفحة كتبها قيادي كبير في القاعدة يستعرض فيها العلاقات مع إيران وحزب الله وتقلّبها بعد سقوط إمارة طالبان (تسمى إمارة أفغانستان الإسلامية، وأسقطت بيد قوات التحالف عام 2001، غداة إعلان الحرب العالمية على الإرهاب على خلفية أحداث 11 سبتمبر 2001).
تتحدث الوثيقة عن اتفاقات بين التنظيم والسلطات الإيرانية لضرب مصالح الولايات المتحدة “في السعودية ومنطقة الخليج كلها”.
وقالت إن بعض الخدمات والتسهيلات الإيرانية تم تقديمها من قبل طهران مقابل توجيه التنظيم نحو ما يخدم استراتيجيته في المنطقة. وعرضت طهران على القاعدة “المال والأسلحة وكل ما يلزمها” وكذلك “تدريب المقاتلين في معسكرات حزب الله اللبناني”.
واعتبرت مصادر أميركية مطلعة أن كشف الوثائق عن طبيعة العلاقة التي كانت ومازالت تربط إيران بالتنظيمات الجهادية تضع إيران في مصاف الدول الداعمة للإرهاب والتي قد تنسحب عليها مهام التحالف الدولي ضد الإرهاب.
الرسائل توضح أن بن لادن كان متحفظا على أيّ هجمات يقوم بها تنظيمه ضد المصالح الإيرانية وميليشياتها
واهتمت صحيفة التلغراف البريطانية في تقرير لجوسي إنسور بما كشفته الوثائق، مشيرة إلى أن “توقيت نشر هذه الوثائق يتزامن مع رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إلغاء الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الذي أبرم خلال فترة رئاسة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما”.
وأماطت الوثائق اللثام عن أن تلك العلاقة لم تكن مقتصرة على التعامل مع إيران بصفتها معبرا رئيسيا لتمرير الأموال والأفراد والمراسلات، بل إن علاقة تحالف وتقاطع جمعت دولة الولي الفقيه بالتنظيم الجهادي الأول في العالم.
وأعرب خبراء أميركيون في شؤون تنظيم القاعدة عن دهشتهم لقدرة بن لادن والمرشد علي خامنئي على تجاوز الخلاف الأيديولوجي بينهما في سبيل تحقيق مصالحهما البراغماتية المشتركة.
ولفت الخبراء استخدام مراسلات بن لادن لوصف “المراقد الشيعية المقدّسة” في خطاب وجّهه أحد قيادات التنظيم في العراق سنة 2003، بما يتناقض مع خطاب القاعدة التكفيري والمعادي للشيعة وإيران.
براغماتية خامنئي وبن لادن
أكد الباحثان في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات توماس جوسلين وبيل روجيو اللذين اطلعا على الوثائق قبل رفع السرية عنها، أنها تتضمن معلومات حول علاقات مضطربة بين التنظيم وإيران.
وقال روجيو إن “هذه المستندات ستساعد بشكل كبير في الرد على مئات الأسئلة التي لا تزال مطروحة حول قيادة القاعدة”.
وتحدثت رسالة كتبت بخط يد أحد قيادات القاعدة وموجهة لشخص يدعى توفيق، عن مضمون اجتماعه بأحد المسؤولين من طهران.
وقال في الرسالة إن الإيرانيين “مهتمون بإقامة حلقة تنسيق مع جهة تمثل العمدة (وهو اسم رمز يطلق على زعيم تنظيم القاعدة)، وذلك ليس فقط لوضع المرضى وإنما يهمّهم بالدرجة الأولى الوضع في العراق، حيث أنهم يعتقدون أن الإخوة هناك وبالذات الأزرق (المرجح المقصود أبومصعب الزرقاوي) ومجموعته على علاقة بالاعتداءات على الأماكن والعتبات المقدسة لدى الشيعة”.
وتضيف الرسالة أن الإيرانيين “يرغبون في مقابلة مندوب من طرف العمدة لمناقشة هذا الأمر والاستيضاح حوله وإمكانية التعاون، وهم حسب تقدير الأخ الوسيط يرغبون بتقديم نوع من الدعم والمساعدة إذا تمت تسوية بعض النقاط، وهم يرغبون على الأقل في الحصول على رسالة بتوضيح العمدة، يؤكد فيها أن الأماكن المقدسة لدى الشيعة ليست مستهدفة من قبل الإخوة، وأنها ليست ضمن الأهداف المراد ضربها”.
تكشف الوثائق أن إيران كانت تتعامل مع تنظيم القاعدة بصفته رهينة لديها وأنها تملك وسائل ضغط شتى للوصول إلى اتفاقاتها مع بن لادن وتنظيمه.
وتبين المراسلات والوثائق إمساك الإيرانيين بأوراق مختلفة للضغط على التنظيم عبر أسر وعائلات تنظيم القاعدة وعناصرهم أو من أسمتهم الوثائق بـ”الأسرى”. ولاحظ الخبراء مرارة في لهجة زعيم القاعدة في خطابه الموجه لـ”مسؤولين إيرانيين”، واستنتجوا استعطافا من قبله لطهران.
وذكرت إحدى الوثائق أن أسامة بن لادن كتب بنفسه رسالة للمرشد الأعلى علي خامنئي يطالبه فيها بالإفراج عن المحتجزين.
ويقول بن لادن في رسالته “لا شك أن العقلاء في إيران يتساءلون لمصلحة من تتم هذه الإساءات إلى المجاهدين والمهاجرين وأطفالهم من أهل السنة”، مطالبا بإطلاق سراح “جميع أسرانا، وإعطائهم الفرصة ليرجعوا من حيث أتوا”.
وطالب بن لادن بالإفراج عن عدد من أفراد أسرته، ومن بينهم ابنه سعد وأسرته وإخوانه وأخواته قائلا “انقطعت أخبارهم عنا لعدة سنوات”، إلى جانب أبنائه محمد وحمزة وأخواتهما وخالتهم، مشيرا أيضا إلى محمد إسلامبولي المتواجد حاليا بطهران، وزوجته التي توفيت هناك، وعدد آخر كبير من قيادات القاعدة، من بينهم سليمان الغيث وزوجته فاطمة، إضافة إلى القيادي عبدالحكيم الأفغاني الملقب بـ”هارون” الذي طمأن في رسالة لزعيم القاعدة مؤرخة بعام 1429 هـ (2008م) بنجاحه في الخروج من مدينة مشهد الإيرانية والمؤرخة بعام 1429هـ.
وثائق تكشف خيوط المؤامرة بين طهران والقاعدة وإعلام قطر
كانت إيران مهتمة بالتعامل مع القاعدة ودعمها وتسهيل تحركاتها في كل خطط التنظيم التي تستهدف الوجود الأميركي في العراق.
ويستنتج من دراسة الوثائق أنه مقابل أوراق الضغط التي كانت طهران تمارسها ضد التنظيم لدفعه إلى مجاراة أجندتها، امتلك تنظيم القاعدة أوراقا مضادة من خلال إمساكه برهائن إيرانيين كان يتفاوض مع طهران بشأنهم ويضغط لمبادلتهم بمطالبه. كما تفيد الوثائق بأن إيران كانت حريصة على بناء علاقة مع بن لادن وصحبه لتحييد القاعدة عن أيّ عمل يستهدفها ويستهدف مصالحها وحلفاءها في المنطقة.
وتوضح الرسائل أن بن لادن كان متحفظا على أيّ هجمات يقوم بها تنظيمه ضد المصالح الإيرانية وميليشياتها، وأن مصالح مشتركة كانت تجمعه مع طهران تدفعه للتعامل مع الأمر ببراغماتية لا ترتبط بالقناعات الفقهية المعلنة.
وأدان زعيم القاعدة في إحدى رسائله الموجهة لشخص يدعى مكارم، تهديد بعض قيادات التنظيم بالقيام بهجمات ضد إيران، معتبرا “إنكم لم تشاورونا في هذا الأمر الخطير الذي يمسّ مصالح الجميع، وكنا نتوقع منكم المشورة في هذه المسائل الكبيرة، فأنت تعلم أن إيران هي الممر الرئيسي لنا بالنسبة إلى الأموال والأفراد والمراسلات وكذلك مسألة الأسرى”، متسائلا “لا أدري لماذا أعلنتم التهديد”.
الجزيرة ونيران الفتنة
يحيل الحديث بن لادن والقاعدة مباشرة إلى قناة الجزيرة التي كانت بمثابة الناطق الإعلامي للتنظيم الإرهابي، فمن خلالها كان بن لادن، وخليفته الظواهري، ينشران خطاباتهما المصورة وتهديداتهما ووعيدهما لدول الخليج العربي وللمنطقة والعالم.
ومن بين ما كشفت عنه الوثائق رسالة من “الحاج عثمان” إلى اللجنة الإعلامية للتنظيم دعاها إلى التنسيق مع مندوب قناة الجزيرة للرد على “افتراءات طالت القاعدة”.
وجاء في مذكرات بن لادن، الجزيرة هي حاملة لواء الثورات، (لولاها) لما كانت (الثورة) في تونس وليس فقط انتشارها”؛ وفي فقرة سابقة من نفس صفحة المذكرات التي تحدث فيها عن الجويرة وثورات الربيع العربي (الصفحة 51)، يشيد بن لادن بيوسف القرضاوي الذي قال عنه إنه “يساعد أيّ أحد يتكلم، يساعد ويزيد ثقة الناس أن الثوار على حق”. وفي إحدى صفحات مذكراته، يتحدث بن لادن عن تجربته مع الإخوان قائلا “كنت ملتزما مع جماعة الإخوان المسلمين على الرغم من مناهجهم
المحدودة”.
وكان لافتا تحريض بن لادن على دول المنطقة التي تشهد ثورات، وركز على تونس وليبيا واليمن الذي وصفه بحجر الدومينو الأول في نشر الفوضى في السعودية ومنطقة الخليج.
وتحدث بن لادن عن البحرين وما يجري فيها من “تطورات خطيرة لها تداعيات على كامل المنطقة، فيما وصف سوريا بالمفاجأة الأكبر؛ ولم يستثن الأردن حيث قال إن “الأردن سقوطه قبل السعودية، ويزيده تسخينا العراق. سيستمر الناس في المظاهرات (خلال) الأوضاع الصعبة”.
وكان حديث بن لادن حول السعودية يكشف عن عجز في اختراق المملكة التي يؤكد في ختام الصفحة 81 من مذكراته أن “سقوط السعودية معناه سقوط دول الخليج بالتتابع. كل دول الخليج ما عدا قطر”.
وكان واضحا استثناء قطر، مؤسسة قناة الجزيرة وحليفة إيران، ومقر إقامة القرضاوي، من خلال حديثه عن الجزيرة، “لو دخلت القاعدة في حرب مع الجزيرة لكان موقفنا صعبا”، وهنا يعتبر الخبراء أن الحديث عن الجزيرة يقصد به أساسا النظام القطري. ونصح بن لادن في رسالة كتبها إلى ثلاثة من أبنائه وإحدى زوجاته، بترك إيران والتوجه للإقامة في قطر.
العرب اللندنية