مغامرة الرئيس “المحتمل” تيد كروز

مغامرة الرئيس “المحتمل” تيد كروز

إعلان السيناتور الجمهوري تيد كروز ترشحه لانتخابات الرئاسة الأمريكية يكون السباق إلى البيت الأبيض قد بدأ رسمياً . ومن الآن ولمدة أسابيع مقبلة سيتقدم آخرون بعضهم لديه فرص واعدة ويسبقه تاريخ حافل، وبعضهم الآخر يبدو بلا فرص تقريباً ولم ينضم للسباق إلا “للشهرة” ولا تتعامل معه وسائل الإعلام بالجدية الكافية .
كثيرون ينظرون إلى كروز على أنه من النوعية الأخيرة، أي من المغامرين الذين يسعون لإثارة الضجة حولهم، ولن يصمد طويلاً في السابق عندما يدخل اللاعبون الرئيسيون . أصحاب هذا الرأي لديهم تحفظات عدة على السيناتور المنتمي لليمين المسيحي المتشدد، وأحد أبطال ما يعرف باسم “حزب الشاي”، ذلك التجمع اليميني من المحافظين المتشددين الذين يعملون تحت راية الحزب الجمهوري .
والرئيس المرشح تيد كروز هو شخصية مثيرة للجدل ومعروف بمواقفه المتشددة . وهو بالتالي خصم عنيد للديمقراطيين . ولذلك من الطبيعي أن يتصيد له هؤلاء الأخطاء وزلات اللسان، ويصبح مادة مثيرة للانتقاد وأحياناً السخرية، خاصة أنه معروف بتصريحاته النارية غير المدروسة في بعض الأحيان . يتندر الديمقراطيون مثلاً على تصريح له هاجم فيه الرئيس أوباما لأنه لا يغلق الحدود مع المكسيك، وبالتالي يعرّض الأمن القومي للخطر، في وقت تواجه فيه الدولة إرهاب “داعش” . ويشير الديمقراطيون بسخرية إلى رغبته في إغلاق الحدود مع المكسيك (في الجنوب المتاخم لولايته أي تكساس) خوفاً من تسلل عناصر “داعش” الذين لا وجود لهم في المكسيك أصلاً . وليس من المفهوم لماذا لا يطلب بالمثل إغلاق الحدود مع كندا في الشمال لنفس السبب، فما دامت “داعش” قادرة على التسلل من الجنوب المتاخم لولايته، فما المانع من تسللها من الشمال أيضاً! . ويبدي كروز غضبه لعدم إغلاق الحدود لسبب آخر هو إمكانية تسلل مهاجرين مصابين بمرض “إيبولا”، وهو ما فجّر ضده عاصفة من السخرية لأن مريض “إيبولا” المحموم سيموت بالتأكيد قبل أن يجتاز الميل الأول من صحراء المكسيك وبالقطع لن يصل للحدود . أحد الصحفيين أشار ساخراً إلى تصريح آخر للمرشح الجمهوري حذر فيه من تسلل “الهاكرز” عبر الحدود، مع العلم أن الهاكرز هم القراصنة، وهو التعبير الذي يستخدم للإشارة إلى قراصنة الإنترنت أي العالم الافتراضي .
في كل الأحوال قد لا يكون كروز مثقفاً رغم تعليمه الراقي، وقد لا يكون ذكياً أيضاً . ولكن في السياسة الأمريكية لا يمثل الجهل أو الغباء عائقاً عادة لكي يصبح المرء رئيساً للولايات المتحدة . وإحدى الأقوال الشائعة المنسوبة للسيدة باربرا بوش والدة الرئيس السابق جورج بوش الابن عندما بشروها بنجاحه في الانتخابات صياحها مندهشة “يا إلهي إنه أغبى أبنائي” ومع ذلك انتخبه الأمريكيون مرتين .
بعيداً عن السخرية وهو نهج متعارف عليه في الحملات الانتخابية، ولن يفلت منه مرشح، فإن مواقف وآراء كروز تبدو بالفعل مثيرة للقلق لقطاع كبير من الأمريكيين وليس الديمقراطيين فقط . ويتذكر الرأي العام جيداً أنه كان المتزعم الرئيسي لأزمة إغلاق الحكومة الاتحادية عام ،2013 وهي أزمة شهيرة تسبب فيها الخلاف بين الحزبين الذي أدى إلى تعطيل إقرار الميزانية وبالتالي توقف عمل الوزارات والوكالات الفيدرالية .
وخلال مناقشة مشروع الرعاية الصحية ظل كروز يخطب في الكونغرس 21 ساعة متواصلة وهو تكتيك قانوني معروف لعرقلة التصويت . ويعارض السيناتور الجمهوري الذي انتخب عام 2012 هذا المشروع الذي يتبناه أوباما، كما يرفض رفع الحد الأدنى للأجور ويدافع عن الاستقطاعات الضريبة للأغنياء وليس للطبقة الوسطى . كما يدعو لتقليص حجم ودور الحكومة الاتحادية، إلى غير ذلك من المواقف المعروفة لليمين الأمريكي .
خارجياً هو من أشد الداعمين ل”إسرائيل”، ويعارض المفاوضات مع إيران، وسبق أن اعتبرها مشابهة لاسترضاء هتلر عام ،1938 ويعارض التدخل في سوريا لأنه لا يخدم الأمن القومي الأمريكي من وجهة نظره وإن كان يدعم التدخل في العراق .
ولا يحظى كروز على العموم بشعبية كبيرة سواء لدى الرأي العام أو بين القيادة العليا في الحزب . ووفقاً لاستطلاع حديث فإنه يأتي في ذيل قائمة المرشحين الجمهوريين المحتملين والتي يتصدرها جيب بوش الحاكم السابق لفلوريدا وسكوت وولكر حاكم ويسكنسن .
غير أن هذا الوضع لا يعني تجاهل هذا المرشح على المستوى الجمهوري، حتى لو لم تكن لديه فرص قوية للفوز، لأنه وفقاً لما تقول صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور”، سيبقى عاملاً مهماً ومؤثراً في مسار الانتخابات الداخلية في الحزب . وتعتبر أن تأثيره يرجع إلى سببين، الأول أنه خطيب مفوه مما سيزيد من سخونة الحرب الكلامية بين المرشحين الجمهوريين . السبب الآخر أن لديه علاقات جيدة تكفل له جمع ملايين عدة من الدولارات لتمويل حملته الانتخابية . وهذا معناه أن المنافسين الآخرين سيسعون لجمع المزيد من الأموال .
يضاف إلى ما سبق أن كروز يدخل الانتخابات وليس لديه ما يخسره لأنه يضمن وجوده في الكونغرس حتى أواخر 2017 وبالتالي سيعود إلى موقعه عندما تنتهي مغامرته الانتخابية .
أخيراً ما زال الوقت مبكراً لإصدار حكم قاطع على فرص كروز . وقد لا يتذكر كثيرون أنه قبل ثماني سنوات أعلن سيناتور أسود مغمور، وكان محامياً مثل كروز، نيته ترشيح نفسه للرئاسة . آنذاك واجه هو الآخر ردود فعل كانت مزيجاً من الدهشة والسخرية تماماً كما يحدث مع كروز حالياً، غير أن هذا السيناتور الشاب أصّر على موقفه ليصبح بعد ذلك الرئيس باراك أوباما .

عاصم عبد الخالق

الخليج