الحركة الحوثية هي حركة سياسية دينية مسلحة اتخذت من صعدة مركزا لها. بدأ صراع الحوثيين مع الحكومة اليمنية عام 2004 بسبب حالة عدم الرضا الناتجة عن التهميش التي يعانون منها.
تتالت المواجهات العسكرية بين الحوثيين والجيش اليمني حيث وصلت إلى سبع مواجهات، وما ميز تلك المواجهات استغلالها من قبل الرئيس صالح لإضعاف الحوثيين ومنافسه التقليدي اللواء حسين الأحمر، حيث قام قائد الحرس الجمهوري العميد أحمد علي صالح بتزويد الحوثيين بالسلاح.
الحقيقة التي لازمت جولات القتال المتتالية هي تزايد قوة الحوثيين العسكرية واتساع الرقعة الجغرافية التي يسيطرون عليها، تلك النجاحات تدفع للبحث عن إجابة للسؤال التالي: ما هي مصادر تسليح الحوثيين؟
“تمتلك السعودية قدرات متميزة في بعدي الإمداد اللوجستي والفني والبنى التحتية اللازمة، مما يمكنها من تقديم الخدمات اللازمة لاستمرار العملية الحالية لفترة طويلة نسبيا، كما أنها تحافظ على مستوى عال من التعاون والتنسيق مع أميركا، مما يساهم في سد أي ثغرات قد تحدث أثناء العملية”
حصل الحوثيون على السلاح خلال الجولتين الأولى والثانية من سوق الطلح وأسواق السلاح في مأرب مستغلين في ذلك القبائل البدوية إما بالإقناع أو عن طريق التقارب الأيديولوجي.
ساهمت إيران أيضا بتزويد الحوثيين بالسلاح، حيث رست بعض السفن المحملة بالسلاح في بعض الموانئ اليمنية، أما المصدر الرئيسي فكان مستودعات أسلحة الجيش اليمني والحرس الجمهوري سواء بالتزويد المباشر أو التزويد السري من قبل الضباط المسؤولين عنها نتيجة الولاء أو الفساد.
أعلن الحوثيون تأييدهم لثورة الشباب اليمنيين واتخذوا لأنفسهم اسما جديدا وهو أنصار الله، وكان لهم دور فاعل في إجبار الرئيس صالح على قبول المبادرة الخليجية والتنحي لصالح نائبه هادي، ولكنهم لم يدعموا الرئيس الجديد بل رفضوا العديد من قراراته -ومنها التقسيم الفدرالي- تحت ذريعة أنها تعزز عدم تحقيق العدالة الاقتصادية.
تحت ذريعة مواجهة حزب التجمع اليمني للإصلاح والموالين له سيطر الحوثيون على مدينة عمران وهي البوابة الشمالية للعاصمة بعد اجتياح مواقع اللواء المدرع 310 وقتل قائده العميد حميد القشيبي والسيطرة على أسلحته، ليقوموا بعدها بمحاصرة العاصمة ثم دخولها بمساعدة القوات الموالية للرئيس السابق صالح، والسيطرة بشكل سريع على كافة المؤسسات الحكومية والاستيلاء على العديد من المعسكرات ونهب ما فيها من آليات ومعدات وأسلحة.
بعد أن دانت صنعاء لسيطرة الحوثيين بدأت مليشيات الحوثيين بالتحرك السريع للعديد من المحافظات اليمنية ودخلت المراكز الرئيسية لتلك المحافظات وبدأت بالتوجه للسيطرة على باب المندب، وقد ساعدت القوات الموالية للرئيس السابق على ذلك سواء بالدعم العسكري المباشر أو من خلال تسليم المعسكرات الموالية له للحوثيين.
بدأت إيران تكشف عن مواقفها الحقيقية من الحركة الحوثية وعلى لسان كبار مسؤوليها، فاعتبرت الحركة الحوثية نسخة من حزب الله اللبناني، وأنها جزء من الحركات الناجحة للصحوة الإسلامية وامتداد للثورة الإسلامية الإيرانية، أدى كل ذلك إلى استشعار دول الخليج العربي وبعض الدول العربية الخطر الداهم والمتمثل بإنشاء هلال شيعي جديد برعاية إيرانية يحيط جزيرة العرب من الجنوب بعد أن أكملت إنشاء الهلال الشيعي الشمالي.
التقطت المملكة العربية السعودية طلب الرئيس هادي بالتدخل العسكري لمساندة الشرعية والحيلولة دون انهيار الدولة اليمنية فأنشأت تحالفا من تسع دول عربية وباكستان وبدأت تنفيذ عملية عسكرية تحمل اسم “عاصفة الحزم”، وقد تم حشد 185 طائرة ساهمت المملكة العربية السعودية بأكثر من نصفها، فيما ساهمت كل من الإمارات والكويت والبحرين وقطر والأردن والمغرب والسودان بالباقي.
وحشدت السعودية 150 ألف مقاتل من مختلف الأصناف، فيما أعلن كل من الأردن ومصر والسودان استعدادها لإرسال قوات برية إذا تطلب الأمر ذلك، كما ساهمت مصر في الجهد الحربي بإرسال مدمرتين وزوارق حربية لضمان سلامة باب المندب، واكتفت الولايات المتحدة بالإعلان عن تقديم الدعم اللوجستي والاستخباري اللازمين للعملية، أما تركيا فأعلنت استعدادها لتقديم دعم لوجستي إذا تطلب الأمر ذلك.
“يعاني الجيش اليمني من العديد من المشكلات، أهمها ضعف التدريب وغياب مفهوم الاحترافية وترسخ الولاءات الشخصية والفساد المنتشر لدى شريحة كبيرة من القادة والضباط، علما أنه ليست كافة التشكيلات أعلاه داعمة للحوثيين ولكن مكمن الداء سرعة تغير الولاءات لهذه الوحدات “
تمتلك السعودية قدرات متميزة في بعدي الإمداد اللوجستي والفني والبنى التحتية اللازمة، مما يمكنها من تقديم الخدمات اللازمة لاستمرار العمليات العسكرية الحالية لفترة طويلة نسبيا، كما أنها تحافظ على مستوى عال من التعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة في كافة المجالات، مما يساهم في سد أي ثغرات قد تحدث أثناء العمليات العسكرية، وقد اتضح ذلك بالتعاون معا لإنقاذ الطيارين السعوديين من مياه البحر الأحمر.
يقابل هذا الحشد الكبير للقوة قدرات محدودة للجيش اليمني، فرغم أنه يتكون من 12 لواء مدرعا و12 لواء مشاة آليا و18 لواء مشاة وثلاثة ألوية مشاة جبلية ولواءي مدفعية وسبعة ألوية دفاع جوي ولواء صواريخ بالستية فإنه يعاني من العديد من نقاط الضعف، من أهمها توزيع تلك القوات على المناطق العسكرية السبع، مما يجعلها متباعدة وغير قادرة على تقديم الإسناد المتبادل في الوقت المطلوب، خاصة أن اليمن تنقصه شبكة مواصلات حديثة، وفي معظمة يتكون من مناطق جبلية أو صحراوية يصعب الحركة خلالها.
كما يمتلك سلاحا جويا يتكون من 140 طائرة مقاتلة قديمة تعاني مشاكل فنية بسبب تدني مستوى الصيانة والإدامة، وقد خسر سلاح الجو اليمني عشرين طائرة خلال السنوات الماضية نتيجة أعطال فنية.
يضاف الى ذلك أن الجيش اليمني يعاني من العديد من المشكلات، أهمها ضعف التدريب وغياب مفهوم الاحترافية وترسخ الولاءات الشخصية والفساد المنتشر لدى شريحة كبيرة من القادة والضباط، علما أنه ليست كافة التشكيلات أعلاه داعمة للحوثيين ولكن مكمن الداء سرعة تغير الولاءات لهذه الوحدات وحسب تغير الظروف.
أما مليشيات الحوثيين فهي مليشيات مسلحة غير منظمة، أعدادها غير معروفة بسبب انضمام العديد من أبناء القبائل اليمنية لها على أسس أيديولوجية أو مصلحية، ولكنها تمتلك مخزونات جيدة من المعدات والأسلحة وتتقن خوض حرب العصابات والحروب الجبلية وحرب المدن وتمتلك قابلية حركة عالية عبر الضواحي بسيارات رباعية الدفع، ولديها معرفة جيدة بطبوغرافية الأرض اليمنية، كما تمتلك قوة نفوذ أيديولوجية ومصالح متبادلة مع العديد من شيوخ وأبناء القبائل اليمنية.
على ضوء ما تقدم سيحاول الحوثيون وبمساعدة قوات الرئيس صالح التمسك بالأراضي التي يسيطرون عليها، والتقدم باتجاه مدينة عدن مستخدمين القوات المتواجدة في المخا وباب المندب والضالع لفرض واقع جديد يستغل في مفاوضات قادمة، كما يمكنهم شن عمليات محدودة في المناطق الحدودية مع السعودية متزامنة مع قصف مدفعي وصاروخي واستغلال المتعاطفين معهم لتنفيذ عمليات إرهابية داخل الدول المتحالفة، خاصة في المملكة العربية السعودية.
إن القراءة الأولية لعاصفة الحزم والواقع الميداني تشير إلى أن العملية العسكرية ستمر بثلاث مراحل متتالية هي:
المرحلة الأولى وهي الحملة الجوية التي بدأت منتصف ليلة الخميس، حيث تم مهاجمة العديد من الأهداف، منها مراكز القيادة والسيطرة وغرفة العمليات المشتركة وقاعدة الديلمي ومقر الفرقة الأولى (مدرع) ومعسكرات السواد والشرطة العسكرية والقوات الخاصة وقوات الاحتياط ومحيط دار الرئاسة ومطارات صنعاء وتعز والحديدة وقاعدة العند الجوية ومستودعات الأسلحة ومواقع الدفاع الجوي ولواء الصواريخ وغيرها.
“نتج عن الضربة الجوية إخراج سلاح الجو اليمني من المعركة وإحداث شلل نسبي في قدرات الدفاع الجوي والقدرات الصاروخية، مما حقق مفهوم السيادة الجوية، وعلى الحملة الجوية تحديث بنك المعلومات بجعل القوات المتحركة أولوية قصوى لحرمانها من الوصول إلى عدن”
نتج عن الضربة الجوية إخراج سلاح الجو اليمني من المعركة وإحداث شلل نسبي في قدرات الدفاع الجوي والقدرات الصاروخية، مما حقق مفهوم السيادة الجوية، إلا أن الحملة الجوية لا تزال في مراحلها الأولى وعليها تحديث بنك المعلومات وأولويات الأهداف بجعل القوات المتحركة أولوية قصوى لحرمانها من الوصول إلى مدينة عدن، ومن المرجح أن تستمر الحملة الجوية عدة أسابيع.
المرحلة الثانية ويعتمد البدء بها والحاجة إليها على ما تحققه المرحلة الأولى وتتلخص باستخدام قوات العمليات الخاصة لمسك النقاط الحاسمة لحرمان قوات صالح والحوثيين من تحقيق الإسناد المتبادل والإبقاء على تلك القوات متباعدة ومعزولة، وقد يستخدم جزء من هذه القوات لحماية بعض المناطق الحيوية لمنع سقوطها بيد الحوثيين.
يمكن للقوات المشاركة في المراحل السابقة أن تلحق ضربات موجعة بقوات الطرف الآخر وتجبرها على التراجع إلى مناطق تواجدها السابقة، مما يقلص من قوة ونفوذ الحوثيين ويجبرهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
المرحلة الثالثة وهي مرحلة الدخول البري إذا ما أخفقت المراحل السابقة في تحقيق أهدافها، وهذا يعني الغوص في المستنقع اليمني وستكون حربا طويلة الأمد باهظة التكاليف المادية والبشرية وغير مضمونة النتائج.
لذا يجب النظر إلى عاصفة الحزم على إنها إحدى الوسائل السياسة وليست عملية عسكرية مجردة، ويجب أن تدعم بمسار سياسي مواز يفضي إلى حل الأزمة اليمنية على أسس العدالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون تهميش أو إقصاء لكافة مكونات الشعب اليمني.
فايز الدويري
نقلا عن موقع الجزيرة نت