أربيل (العراق) – أعلنت حكومة إقليم كردستان العراق، الثلاثاء، “احترامها” لتفسير المحكمة الاتحادية العليا للمادة الأولى من الدستور العراقي باعتبارها لا تجيز انفصال أي جزء من البلد، وذلك ضمن سلسلة من التنازلات، ما فتئت أربيل تقدّمها بهدف الخروج من الورطة الناجمة عن إجراء استفتاء على استقلال الإقليم جابهته بغداد بإجراءات صارمة زادت من وقعها مشاركة إيران وتركيا في تنفيذها.
واكتسى الموقف من قرار المحكمة والذي عبّرت عنه رئاسة الحكومة الكردية، الثلاثاء، في بيان أهمية خاصّة لدى المراقبين الذين رأوا فيه تدرّجا من تلك الحكومة نحو الاستجابة لمطلب بغداد بإلغاء نتائج الاستفتاء كشرط ضروري لبدء حوار معها.
وتأتي أهمية الموقف أيضا من إعلانه “احترام” تفسير يصيب حلم تأسيس الدولة الكردية في مقتل ويلغيه، ما يعني أن تنازلات أربيل تتدرّج نحو إعلان التخلّي عن ذلك الحلم التاريخي في سبيل الخروج من أزمتها الخانقة.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا أصدرت بتاريخ السادس من نوفمبر الجاري قرارا يتعلّق بتفسير المادة الأولى من الدستور العراقي التي تنص على أنّ “جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة، ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق”، معتبرة أنّ المادّة تعني عدم مشروعية أي مسعى لانفصال أي جزء أو مكوّن من مكونات البلد.
حيدر العبادي: لن ننتظر إلى الأبد لاستعادة المنافذ الحدودية الواقعة تحت سيطرة الأكراد
وقالت حكومة كردستان في بيانها “نحترم تفسير المحكمة الاتحادية العليا للمادة الأولى من الدستور”، مؤكدة إيمانها “بأن يكون ذلك أساسا للبدء بحوار وطني شامل لحل الخلافات عن طريق تطبيق جميع المواد الدستورية بأكملها بما يضمن حماية الحقوق والسلطات والاختصاصات الواردة في الدستور باعتبارها السبيل الوحيد لضمان وحدة العراق المشار إليها في المادة الأولى من الدستور”.
ووجد إقليم كردستان العراق بعد تنظيم استفتاء على الاستقلال في الخامس والعشرين سبتمبر الماضي وقف وراءه بقوة حزب رئيس الإقليم مسعود البارزاني، نفسه في حالة شبه حصار مطبق تشارك فيه كل من إيران وتركيا، وأصبح يواجه أزمة مالية خانقة بعد توقف مبيعاته من النفط بشكل مستقل عن الحكومة المركزية.
والأزمة المالية إحدى دوافع التنازلات الكبيرة التي تقدّمها القيادة الكردية تباعا. واعتبر نائب رئيس كتلة التغيير البرلمانية الكردية أمين بكر، الثلاثاء، أن مسودة الموازنة الاتحادية للسنة المالية 2018 “غير منصفة”، داعيا إلى دفع مستحقات الإقليم المالية كاملة بالموازنة والبالغة 17 بالمئة بغية معالجة جميع الملفات بين بغداد والإقليم، ومحذّرا رئيس الوزراء حيدر العبادي من “فوضى كبيرة وخطيرة لا تحمد عقباها” في حال عدم تعديل المسوّدة.
وقال بكر في بيان إن “مسودة الموازنة التي صوّت عليها مجلس الوزراء مثّلت صدمة لنا”، مبيّنا أن “نسبة الإقليم في الموازنة التي حددت بـ12.67 بالمئة بدلا من النسبة السابقة المتوافق عليها أمر غير صحيح كون تغييرها من المفترض أن يكون بعد إجراء الإحصاء السكاني وهو الأمر الذي لم يحصل”.
وأضاف، “توجد التزامات مالية كبيرة للإقليم من بينها وجود مليون ونصف المليون نازح من محافظات أخرى إضافة الى رواتب مستحقة بأثر رجعي لموظفي الإقليم، وبالتالي فإن هذه النسبة لن تكفي لتسديد رواتب ومستحقات الإقليم لنصف العام وليس لعام كامل”.
وفي المقابل تتمسّك حكومة بغداد بإجراءاتها الصارمة ضد إقليم كردستان، مدفوعة من جهة بالمساندة الإيرانية والتركية، ومن جهة ثانية بالموقف الأميركي الذي اعتبر مفاجئا لجهة عدم مساندته أكراد العراق، والذين كانت الولايات المتحدة هي من دفعت بهـم إلى وضـع أشبـه بوضـع الـدولة المستقلـة.
وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الثلاثاء، إن بغداد لن تنتظر إلى الأبد لاستعادة المنافذ الحدودية الواقعة تحت سيطرة الأكراد وإنه سيتخذ قريبا إجراءات لاسترجاعها من دون عنف.
وتأمل أطراف سياسية عـراقية في أن تمثّـل التنازلات الكردية أرضية للحل واستئناف الحوار بين بغداد وأربيل بما يجنب البلد صداما جديدا لا يحتمله.
ورحّب مكتب إياد علاوي نائب الرئيس العراقي، الثلاثاء، بموقف حكومة إقليم كردستان بشأن قرار المحكمة الاتحادية. وقال في بيان إن “ذلك الموقف من شأنه أن يمهّد أكثر لأرضية حوار صريح وشفاف يُعلي مصلحة العراق الموحد أولا، ويسهم في إيجاد حل لجميع نقاط الخلاف، وهو ما ندعو جميع الأطراف للبدء به وفي أسرع وقت ممكن”.
العرب اللندنية