يكتسي لقاء القمة المنتظر عقده في مدينة سوتشي المطلة على البحر الأسود بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني، أهمية كبرى وسط ترجيحات بأن يكون الهدف منه بلورة استراتيجية لمواجهة الولايات المتحدة في سوريا.
ورغم اختلاف أهدافهم وتناقض مصالحهم في سوريا بيد أن الأطراف الثلاثة لها مصلحة اليوم في قيام تحالف تكتيكي يفضل البعض تسميته بـ”تحالف الضرورة” لمواجهة الوجود الأميركي في هذا البلد الذي أكد البنتاغون أنه سيطول حتى بعد القضاء على تنظيم داعش، وأنّ هذا الوجود جاء بناء على طلب من الأمم المتحدة، الأمر الذي أثار استغراب موسكو.
وقال الكرملين الخميس إن روسيا ستستضيف القمة الثلاثية في 22 نوفمبر الجاري للتباحث “بشأن الدول الضامنة لعملية السلام السورية والأجندة في سوريا”.
من جهته صرّح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أن القمة ستُناقش الفعاليات التي ستجري في مناطق خفض التوتر المتفق عليها خلال محادثات أستانة، فضلا عن الملف الإنساني.
ويرى مراقبون أن هذه الملفات التي تحدث عنها الجانبان لا تستحق أن يعقد لها لقاء من هذا الوزن، وأنه كان من الممكن الاقتصار على وزراء خارجية الدول الثلاث، مؤكدين على أن المسالة أكبر من ذلك بكثير.
ويستدل هؤلاء أيضا على مدى أهمية هذا اللقاء، بأنه يأتي قبل أيام قليلة من جولة جديدة لمحادثات السلام في جنيف التي ستعقد في 28 من هذا الشهر برعاية الأمم المتحدة.
ولا يستبعد المراقبون أن يكون هذا اللقاء مسعى لحسم الملفات العالقة بين الأطراف الثلاثة، سواء لجهة الموقف من أكراد سوريا أو في ما يتعلق بحدود انتشار الميليشيات الإيرانية وليس آخرا ملف إدلب والوجود التركي هناك، لفسح المجال لتشكيل تحالف يضغط على الولايات المتحدة لتسريع عملية التسوية السياسية، وفق منظورهم.
وبدا واضحا في الفترة الأخيرة أن هناك خيبة أمل روسية كبيرة من التمشي الأميركي، الذي اتهمته في أكثر من مناسبة بمحاولة تعطيل حسم المعركة ضد داعش، لغايات أخرى.
وكان رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة آبيك في 11 نوفمبر الماضي، قد ساهم في تعزيز الشكوك الروسية حيال النوايا الأميركية ومدى رغبتهم في التعاون الجدي لحسم الملف السوري.
وتم احتواء رفض انعقاد ذلك اللقاء بإصدار بيان مشترك أقل ما يقال عنه أنه “فضفاض” ولم يأت بأيّ جديد.
وكانت روسيا تأمل في أن يكون تعاطي الإدارة الأميركية الحالية مختلفا عن سابقتها، في ظل تصريحات أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية بدت متماهية مع الرؤية الروسية للحل في سوريا.
وعلى مدار الأشهر الماضية سعت روسيا التي تعتبر حاليا الطرف الأقوى في المسرح السوري، إلى جذب واشنطن نحوها، بيد أن للأخيرة حسابات تختلف عنها، وهي بالتأكيد ترفض الذهاب في تسوية حاليا للأزمة ستكون ممّا لا شك فيه لصالح موسكو وأيضا إيران وميليشياتها.
وتراهن واشنطن في تعاطيها اليوم على عامل الوقت، وعلى حلفائها على الأرض وأساسا قوات سوريا الديمقراطية، الذين نجحوا في السيطرة اليوم على أكثر من ربع مساحة سوريا الجغرافية، ويواصلون التقدم شرقا مع التركيز على السيطرة على آبار النفط والغاز الطبيعي المنتشرة في محافظة دير الزور.
وهذا التوجه الأميركي لا يستفز فقط روسيا، بل وأيضا تركيا التي ترى بأن الاستراتيجية الأميركية اليوم في سوريا باتت تضر بمصالحها لجهة أنها تعتمد فيها بالدرجة الأساس على الأكراد الذين يقودون تحالف سوريا الديمقراطية.
ومعلوم أن تركيا ترى أن التمدد الكردي في سوريا يشكّل تهديدا لأمنها القومي، خاصة وأن الطرف الذي يقوده هو الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
وقد حاولت تركيا بشتى الطرق إقناع الإدارة الأميركية السابقة والحالية بالتخلي عن هذا الحليف بيد أنها فشلت في زحزحة هذا الموقف قيد أنملة.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في كلمة الخميس إن التطورات الأخيرة في الرقة السورية تظهر أن وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة مهتمة بالسيطرة على أراض أكثر من اهتمامها بقتال تنظيم الدولة الإسلامية.
وهاجم أوغلو الاتفاق الذي جرى بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم داعش بدعم من واشنطن والذي انتهى بانسحاب عناصر الأخير من الرقة وانتشارها في مناطق أخرى من سوريا.
ويقول متابعون إن روسيا وتركيا قد نفضتا أياديهما على ما يبدو من الولايات المتحدة، وبالتالي يرون أن الخيار المطروح هو تكريس التنسيق بينهما ولم لا التحالف معا لمواجهة النوايا الأميركية، وهذا التحالف بالتأكيد تريد إيران أن تكون أحد أضلاعه فهي الطرف المستهدف من الاستراتجية الأميركية.
ومعلوم أنه من الأسباب الرئيسية التي حالت دون تفاهم أميركي روسي هو الوجود الإيراني، وترى واشنطن اليوم أن بقاءها في سوريا ضروري ليس فقط على مستوى تكريس نفسها كطرف رئيسي في بلورة تسوية تؤمن مصالحها بل وأيضا للحيلولة دون حصول إيران على مبتغاها، وهو تركيز هلال شيعي يربط بين العراق وسوريا ولبنان.
ويقول متابعون إن الرؤساء الثلاثة في حال نجحوا في حل الخلافات العالقة بينهم أو على الأقل تجميدها خاصة بين تركيا وإيران فقد يشهد العالم تحالفا ثلاثيا في سوريا يهدف إلى سحب البساط كليا من إدارة ترامب التي تبدو سياستها اليوم مرتبكة وليس أدل على ذلك من الاتفاق الذي أيّدته بين الأكراد وداعش.
ويشير هؤلاء إلى أن هذا الاتفاق لم يستفزّ فقط خصومها بل وحتى حلفاءها الأوروبيين الذي شكل لهم إحراجا كبيرا، وهو ما بدا واضحا في مسارعة الجيش الفرنسي التبرأ منه.
وقال الجيش في بيان إن التحالف الدولي “لم يكن… مع هذا الاتفاق الذي أتاح لإرهابيي الدولة الإسلامية الهرب دون أن تتم ملاحقتهم”.
وكان تقرير تلفزيوني لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) نشر الأحد قد أكد أن نحو أربعة آلاف من متشددي تنظيم داعش بينهم المئات من الأجانب خرجوا من الرقة في إطار الاتفاق وانتشروا عبر سوريا وحتى تركيا.