اذا صحت الانباء التي وردت على لسان السيد انور عبد الهادي مدير الدائرة السياسية في منظمة التحرير حول اقتحام مقاتلي “الدولة الاسلامية” مخيم اليرموك والاستيلاء على غالبيته، وهي تبدو صحيحة، فان هذا يشكل تطورا خطيرا لانه يجعل هؤلاء على بعد بضعة كيلومترات من العاصمة السورية دمشق، وربما يكون مقدمة لاشتباكات وتصفيات دموية تطال العديد من سكان المخيم والمدافعين عنه، خاصه من الفصائل الفلسطينية القريبة من النظام السوري، وانصارها الكثر، الذين بقوا في المخيم ولم يغادروه.
مخيم اليرموك تعرض لحصار تجويعي ظالم طوال السنوات الاربع الماضية من عمر الازمة السورية، وعاش اهله الحرمان من ابسط مقومات الحياة، وتعرض المئات من ابنائه للموت، اما نتيجة الصراعات داخل المخيم بين الفصائل المتقاتلة، اسلامية كانت او غير اسلامية، او بسبب الفاقه وانعدام الاغذية والادوية، والامر الذي ادى الى انخفاض عدد سكانه من 170 الفا الى اقل من عشرين الفا.
تقدم قوات “الدولة الاسلامية” في المخيم وسيطرتها عليه ربما جاء ردا على تراجعها في تكريت ومناطق اخرى في محافظة صلاح الدين العراقية بسبب تقدم قوات الجيش العراقي والميليشيات (الحشد الشعبي) الموالية له، فقد جرت العادة انه في كل مرة تواجه قوات الدولة في مكان تلجأ الى “التمدد” في مكان آخر، سواء داخل سورية او العراق او في اجزاء اخرى عربية مثل “ولاية سيناء” المصرية او “ولاية درنة الليبية” او تكثيف تواجدها في ولاية سرت معقل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
اللافت ايضا ان هذا التقدم في المخيم يأتي بعد استيلاء قوات تابعة لـ”جبهة النصرة” على مدينة ادلب قرب مدينة حلب والحدود التركية، والمعبر السوري الاخير الذي كان تحت سيطرة قوات النظام السوري على الحدود مع الاردن.
مخيم اليرموك بات على ابواب حرب طاحنة بين تنظيم “اكناف بيت المقدس″ المقرب من حركة “حماس″ و”الدولة الاسلامية”، وبات الثمانية عشرة الفا من سكانه في قفص تسيطر عليه القوات النظامية السورية من الخارج بحيث باتوا عاجزين عن النجاة بأرواحهم في حرب ليس لهم اي دخل فيها، الامر الذي ينبأ بمجازر دموية قادمة لا محالة، تذكر بنظيرتها عام 2014، وقبل التوصل الى هدنة بين المقاتلين في المخيم من الفصائل المعارضة والنظام، مما سمح بدخول بعض المساعدات الغذائية والطبية وتخفيف اجراءات الحصار جزئيا.
اهالي مخيم اليرموك اعتاشوا على الحشائش والجرذان اثناء الحصار الظالم الذي فرض عليهم، والاقتتال الدموي بين قوات النظام والمعارضة المسلحة، ويبدو ان هذا المشهد المأساوي سيتكرر في الاسابيع والاشهر المقبلة للأسف الشديد.
الامر الآخر، ان وجود قوات “الدولة الاسلامية” في المخيم سيجعل قلب دمشق على مرمى حجر من المدفعية، مما سيدفع بقوات الجيش السوري وطائراته الى قصف المخيم بالصواريخ والبراميل في محاولة لاسكاتها، مما يعني سقوط المئات من القتلى والجرحى.
كان من المأمول ان تجنب الفصائل الاسلامية مثل “اكناف بيت المقدس″ التي اعتقلت موالين لـ”الدولة الاسلامية”، داخل المخيم كرد على اغتيال الاخيرة يحيى حوراني احد قادة حركة “حماس″ المخيم عن صراعاتها وخلافاتها، ولكن يبدو هذا الامل مستحيلا في بلد مثل سورية تختلط فيه الامور، ويغرق في حمامات دماء، لا تميز بين سوري او فلسطيني.
لا نعرف لمن نوجه مناشدتنا في هذه الصحيفة “راي اليوم” لانقاذ ابناء المخيم، او ما تبقى منهم، من ما ينتظرهم من قتل وتجويع، وكل مل يمكن ان نقوله ان مسؤولية انقاذ هؤلاء تقع على جميع الاطراف، وعلى رأسها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية التي اكتفت في الماضي، وتكتفي الآن، بالحديث عن اوضاع المخيم الانسانية المتفاقمة فقط.
راي اليوم