تأسس «التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب» في كانون الأول (ديسمبر) 2015 بمبادرة من ولي ولي العهد محمد بن سلمان، ضمن سياق الحاجة الماسة إلى ضربة دعائية مبكرة تستهدف تلميع صورته على أكثر من صعيد، كوزير للدفاع منخرط لتوه في «عاصفة الحزم» ضد اليمن، وكشخصية جديرة بارتقاء المناصب الأعلى في سلم التوريث داخل العائلة الملكية، وكشخصية قيادية على النطاقين العربي والإسلامي.
وقبل أيام ترأس محمد بن سلمان اجتماعات مجلس وزراء دفاع التحالف الإسلامي العسكري في الرياض، ليعيد التأكيد على أغراض التأسيس ذاتها، مع إضافة التطور الأبرز خلال السنتين الماضيين، والذي يفيد بأنه لم يرتق إلى سدّة ولاية العهد فحسب، بل هو الملك الفعلي غير المتوّج. وهو، فوق هذا، يملك اعتقال كبار الأمراء من آل سعود، ويفرض الأتاوات على ملياراتهم تحت راية محاربة الفساد، ويستخدم كل السلطات والوسائل لقطع دابر أية معارضة لبرامجه في حيازة السلطة المطلقة.
وكما بدأت صيغة «التحالف الإسلامي» ظاهرة لفظية وإعلامية خالية من أي مضمون فعلي على أرض الواقع، فإن غالبية مؤشرات ما بعد مؤتمر الرياض الأخير تشير إلى تحالف كلامي ضد الإرهاب ينتهي في خلاصته إلى تنصيب محمد بن سلمان ملكاً، متوجاً هذه المرة، على رأس التحالف. والبرهان الأول جاء في توصيات البيان الختامي، التي منحت ولي العهد السعودي رئاسة مجلس وزراء دفاع دول التحالف، وسلطة تعيين أمينه العام، وقائده العسكري، والنظام الداخلي لما سُمي «مركز التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب»، واعتماد لوائحه وميزانيته السنوية، بالإضافة إلى مقرّه في الرياض، حيث تقوم المملكة بتأمين احتياجاته.
ومن المفارقات أن اجتماع الرياض الأخير هو النشاط الأول للتحالف بعد سنتين من تأسيسه، ومن الجلي أنه حملة دعائية ثانية لا صلة لها أبداً بما التزم الاجتماع الأول بإنجازه، بل هي تكرار لأهداف قديمة تجاوزها الزمن وجعلتها التطورات الراهنة مجرد أصداء جوفاء. فمن جهة أولى كان الكفاح ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» هو الهدف الصريح الوحيد الذي تعهد به لقاء أواخر 2015، في حين أن التنظيم بات اليوم على حافة الاندحار، وليس بجهد تحالف الرياض.
ومن جهة ثانية، كانت الطائرات الحربية السعودية انضمت إلى التحالف الدولي الذي تصدى لتنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، لكن عدد الغارات التي نفذتها المملكة في أجواء البلدين لم تتجاوز 7 طلعات، من أصل 9,500 خلال الفترة الزمنية لاشتراكها في عمليات التحالف. وأما من جهة ثالثة، فإن قيادة السعودية لتحالف «عاصفة الحزم» في اليمن كان يعني أن إرهاب «الدولة» لم يعد الهدف الأول، المعلن على الأقل، بل حل محله تحالف الحوثي ـ علي عبد الله صالح.
ومن جهة رابعة، كم من منظمات جهادية ومراكز تعصب تولت المملكة دعمها بالمال والسلاح، لكي تزعم اليوم عزمها على تجفيف منابع الإرهاب؟ وكم أسهم ذلك الدعم في تنشئة الفكر المتطرف، بدل الإسهام في فضح أوهامه وأساليب زيفه وخداعه، كما يطالب اجتماع الرياض؟ وأخيراً، هل شعار «متحالفون ضد الإرهاب» هو الشجرة التي أخفت غابة عنوانها الاصطفاف خلف مشروع محمد بن سلمان، وتجييره سعودياً وعربياً وإسلامياً، ليس أكثر؟
القدس العربي