يثير الاتفاق النووي الدولي مع إيران مخاوف الأنظمة الملكية في الخليج العربي من التخريب الإيراني. فالرياض وغيرها من العواصم الخليجية قلقة من أن تتشجع إيران وتزيد من أنشطتها التخريبية في تلك الدول، خصوصاً في البحرين. وهذا ما ألمح إليه رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، الأمير تركي الفيصل آل سعود، خلال مقابلة له مع محطة “بي بي سي” في 16 آذار/مارس حيث أدرج اسم البحرين على قائمة الدول التي تلعب فيها إيران “دوراً معرقلاً.”
وجاءت الحرب الجديدة في اليمن لترفع من حدة هذه المخاوف. فقد قامت أربع دول خليجية مجاورة للملكة العربية السعودية – وهي الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وقطر- بدعم المملكة في التدخل العسكري الذي شهد بدايته في 26 آذار/مارس. والهدف من الضربات الجوية بقيادة السعودية هو إخراج الحوثيين (الذين يعرفون أيضاً باسم «أنصار الله») من السلطة. لكن بينما يتلقى الحوثيون الأسلحة والمال والخبرة من إيران، يتزايد نفوذ طهران في اليمن بفعل السيطرة الحوثية على البلاد.
ولا يزال الرد الإيراني على الحملة الجديدة التي تقودها السعودية غامضاً. فحتى الآن لم تصبح اليمن أولوية استراتيجية لطهران كما هي حال سوريا والعراق. لذلك قد لا تكون إيران مهتمة بخوض معركة مطولة في اليمن مباشرةً في أعقاب التوصل إلى صفقة نووية دولية.
ومع ذلك، لا تساهم التصريحات الإيرانية في تهدئة المخاوف الخليجية. فقد حذّر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، من أن “دخان هذه النار سيرتد على السعودية”، فيما تنبأ عضو البرلمان، علي رضا زكاني، بأن “الثورة اليمنية… ستمتد… إلى داخل الأراضي السعودية” مشيراً إلى أن “سكان المنطقة الشرقية السعوديين سيقودون تلك الاحتجاجات،” هذا بينما كان لوزير الخارجية الإيرانية، جواد ظريف، تصريحٌ معتدل بعض الشيء قال فيه إن الهجوم السعودي “لن يعود بالفائدة على أي بلد” يشارك في هذه الأعمال.
أما المسؤولون الحوثيون فتوعدوا من جهتهم بتنفيذ عمليات انتحارية داخل المملكة وحذّروا من أن يكون تدخلها في اليمن هو نهاية النظام السعودي.
بيد أن هناك عاملاً مهماً يؤجج مخاوف الدول الخليجية وهو عامل الخبرة والتاريخ. فالثورة الإسلامية الإيرانية من عام 1979 ألقت بظلالها على الخليج العربي بأسره حين سارع النظام الجديد في طهران إلى إعلان العائلات الخليجية الحاكمة غير شرعية فيما انتهجت إيران مزيجاً من تكتيكات القوة الناعمة والقوة الصلبة للحط من شأنها. وكانت الكويت والبحرين من أولى الدول المستهدفة بالعنف، حيث بدأت محاولات الانقلاب والتفجيرات المرتبطة بإيران في هاتين الدولتين في مطلع الثمانينات من القرن الماضي. وتبعتها في وقت لاحق هجمات لها صلات إيرانية تم تنفيذها في المملكة العربية السعودية في أواخر الثمانينات ومجدداً في عام 1996 في عملية استهدفت المجمع السكني الأمريكي ” أبراج الخبر.” ومن المرجح أن يكون الهجوم الإلكتروني على شركة “أرامكو” السعودية في عام 2012 وما سبّبه من تعطيل ثلاثين ألف جهاز حاسوب قد وقع بمساعدة إيرانية. كما أن البيئة التي تبلورت في أعقاب “الربيع العربي” شهدت سياسات جديدة من القوة الناعمة التي مارسها الإعلام الإيراني الناطق باللغة العربية بهدف الحط من شأن الحكام البحرينيين والسعوديين.
وفي اليوم الأول من بدء الضربات على اليمن، أعلنت الدول الثلاث التي شكلت أهدافاً رئيسية للنشاط التخريبي الإيراني في الخليج عن اتخاذ تدابير أمنية جديدة على أراضيها؛ فقد دعا رئيس الوزراء البحريني، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، كافة الجهات الحكومية إلى “رفع درجة اليقظة والحذر… وتحصين الجبهة الداخلية،” في الوقت الذي حذرت فيه وزارة الداخلية البحرينية من محاولات “استغلال الوضع الراهن لشق صف الوحدة الوطنية وإشاعة الفتنة.”
كما صرحت كل من الكويت والمملكة العربية السعودية أنهما سترفعان مستوى التدابير الأمنية في محيط المنشآت النفطية، علماً بأنه سبق أن تم تصعيد الإجراءات الأمنية في تلك المواقع لحمايتها من التهديدات الإرهابية الجديدة، الناشئة عن المكاسب التي يحققها تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق. فقد كشفت وزارة الداخلية الكويتية أنها وضعت اليمنيين الموجودين في بلادها تحت الرقابة، لا سيما وأن البعض منهم ينتمي إلى الطائفة الزيدية شأنهم شأن الحوثيين، بينما أعلن “الحرس الوطني” الكويتي عن جهوزيته لأي حالة طارئة. وأشار إلى أن الكويت تركز أيضاً على الشق الأمني في سياق الإعداد لمؤتمر المانحين السنوي لدعم سوريا الذي استهل أعماله في 31 آذار/مارس.
في المقابل، لم يستهدف التخريب الإيراني العنيف أياً من الإمارات أو قطر سابقاً، وهما اثنتان من الدول الخليجية الأخرى المشاركة في التحالف ضد الحوثيين. ويبدو من المستعبد أن تستخلص إيران فجأة من حساباتها أن منافع استهداف هاتين الدولتين يستحق حالياً عناء المخاطرة. إلا أن الإماراتيين بشكل خاص يرون أن أمن الأنظمة الملكية العربية الست في الخليج مترابط؛ فقد أرسلت الإمارات قواتها إلى البحرين بالتنسيق مع السعودية لسحق الانتفاضة في البلاد في عام 2011، وهي خطوة انتقدتها إيران أشد الانتقاد.
من هنا فإن بيئة التهديدات الجديدة لها عواقب على السياسات الأمنية الداخلية لدول الخليج. أولها هو أنها ستؤجج الإستراتيجيات الطائفية الخطيرة التي تتبعها أقلية من عواصم هذه الدول للوقاية من التهديدات. وثانيها أنها ستقوّي الحملات الأوسع لقمع مظاهر المعارضة التي تتصاعد بزخم منذ بداية “الربيع العربي”.
وفي الواقع، قامت البحرين خلال اليوم الأول من الضربات على اليمن بتوقيف اثنين من قادة التجمع الوحدوي في البحرين بسبب تصريح انتقدا فيه العمل العسكري الذي تنفذه البحرين ودول أخرى في اليمن، بينما أفادت وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف أنها سترفع دعوى للمطالبة بحل التنظيم. فضلاً عن ذلك، رفع المدعي العام في البحرين دعوى جديدة ضد أبرز وجوه المعارضة في البلاد، الشيخ علي سلمان، بسبب إدانته مشاركة البحرين في الضربات التي تقودها المملكة العربية السعودية، مع الإشارة إلى أن الشيخ سلمان محتجز حالياً منذ كانون الثاني/ديسمبر 2014 بتهمة التشجيع على الإطاحة بالحكومة بالقوة، وهي تهمة تثير كمّاً كبيراً من الجدل والخلافات.
وفي إطار سعي الحكومات الخليجية إلى الوقاية من الفوضى السياسية التي تحيط بها ومنعها من التسرب إلى داخل مجتمعاتها، أقدمت هذه الحكومات على معاقبة المعارضين والإرهابيين على حدٍّ سواء. إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجهه الخليج قد يتمثل في تداعيات هذه التكتيكات الصارمة.
لوري بلوتكين بوغارت
معهد واشنطن