أبدت مصادر يمنية تخوّفا من أن تكون المواجهة بين الحوثيين (أنصار الله) والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح دخلت مرحلتها الأخيرة في ظلّ مخاوف من نيّة هؤلاء التخلّص من الشخص الذي خاض معهم ست حروب بين العامين 2004 و2010.
وقالت إن هناك مخاوف من أن يكون هدف الحوثيين اعتقال الرئيس السابق تمهيدا لمحاكمته وذلك بعد التخلّص من قائد حرسه الشخصي العميد طارق محمد عبدالله صالح.
وأشارت المصادر إلى أن إصرار الحوثيين على دخول جامع الصالح بأسلحتهم الأربعاء الماضي يعكس رغبة في الذهاب إلى النهاية في تحدّ للرئيس السابق الذي يتزعّم حزب “المؤتمر الشعبي العام” الذي شكل مع “أنصار الله” حكومة ائتلافية في مواجهة الشرعية اليمنية التي يقف على رأسها الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي. وقدرت مصادر محايدة عدد المسلحين الحوثيين الذين اقتحموا جامع الصالح، بحجة الاحتفال بعيد المولد النبوي، بنحو خمسمئة.
وكانت اشتباكات عنيفة دارت الأربعاء بين أنصار علي عبدالله صالح والحوثيين في محيط جامع الصالح، الذي بناه علي عبدالله صالح، وهو أكبر المساجد في صنعاء. واستمرت هذه الاشتباكات ليل الأربعاء – الخميس وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين.
وامتدت الاشتباكات، التي يخشى من أن تؤدي إلى انفجار كبير في العاصمة اليمنية، إلى أحياء يقيم فيها علي عبدالله صالح وأفراد عائلته. وكان هناك تركيز خاص من “أنصار الله” على منزل طارق محمد عبدالله صالح الذي يؤكد مصدر يمني رفيع المستوى أن المطلوب التخلص منه جسديا.
وكشفت المصادر اليمنية أن وساطات قبلية أدت إلى توقف الاشتباكات، لكن بيانا أصدره محمّد الحوثي المسؤول عن “اللجان الشعبية”، أي عن الميليشيات الحوثية في صنعاء أعاد التوتر.
وهدد محمد الحوثي، الذي يعتبر نفسه بمثابة رئيس الجمهورية في اليمن، في بيانه قبل ظهر الخميس بـ”تعليق المشانق” وقال موجها كلامه إلى علي عبدالله صالح “ما لم يستمع لأنصار الله، سوف نشنق ونعدم كلّ أتباعه على ما تبقى من حديد منصة السبعين. أحذر تحذيرا (أخيرا) وآخر مهلة إلى ما بعد صلاة العشاء”.
وبعد تحذير محمد الحوثي، تحدث بيان لـ”أنصار الله” عن مصادرة أسلحة من جامع الصالح وعن العثور على أجهزة اتصال متطورة “لا تستخدمها إلّا الدول” وعلى “صواريخ لو أميركية”.
ودلت لهجة بيان “أنصار الله” إلى وجود نيّة واضحة للتصعيد في ظل مخاوف من أن يكون التخلص من طارق محمد عبدالله صالح، وهو ابن الشقيق الأكبر للرئيس السابق مقدّمة لاعتقال علي عبدالله صالح تمهيدا لمحاكمته.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” من العاصمة اليمنية إن الحوثيين وسعوا من دائرة انتشارهم في محيط منازل علي عبدالله صالح وعدد من المقربين منه، وعلى رأسهم نجلا شقيقه طارق صالح الذي يتولى قيادة قوات الحراسة الخاصة بالرئيس السابق، وعمار صالح المسؤول البارز في الأمن القومي السابق.
وأشارت المصادر إلى تجدد الاشتباكات في محيط منزل عمار صالح الخميس إثر مهاجمة مسلحين من الجماعة الحوثية لحراسة المنزل، وهو ذات الأمر الذي شهده منزل شقيقه طارق الأربعاء عقب المواجهات التي شهدها جامع الصالح في صنعاء وعدد من الشوارع المحيطة به.
ووفقا لمراقبين تتبع الجماعة الحوثية أسلوبا يعتمد على تجزئه الأزمة من خلال تقسيم الأدوار بين عدد من القيادات الحوثية التي يعمد قسم منها لتفجير الموقف، بينما يلعب الطرف الآخر دور الوسيط، وهي السياسة التي أفضت إلى السيطرة التدريجية على آخر معاقل الرئيس السابق جنوب صنعاء دون أن يتسبب ذلك في أي خسائر حقيقية للطرف الآخر الذي لازال يتجنب المواجهة الشاملة مع صالح وحزبه.
وأكدت مصادر سياسية خاصة لـ”العرب” أن عملية السيطرة على جامع الصالح والذي يعد آخر معالم نفوذ وسيطرة الرئيس السابق كانت معدة منذ وقت مبكر، ولكن تم تأجيلها حتى ذكرى الاحتفال بالمولد النبوي التي استقدم لها الحوثيون الآلاف من أتباعهم من مختلف محافظات اليمن.
وربط المراقبون بين توقيت هذه الحادثة وخطاب الرئيس صالح الأخير الذي وجه فيه العديد من الرسائل الهامة للتحالف العربي ولوح بإمكانية التوصل إلى تسوية مع “الأشقاء في السعودية”. وعلى الرغم من الخطاب المتشنج والشروط المتشددة التي دائما ما يطرحها صالح في خطاباته لإنهاء الحرب في اليمن، إلا أن مصادر خاصة قالت لـ”العرب” إن صالح قد تلقى العديد من التحذيرات من قبل الحوثيين للكف عن الظهور السياسي وتوجيه الرسائل من أي نوع، وهو الأمر الذي لم يقبل الالتزام به، ما حدا بالحوثيين لتوجيه رسالة عنيفة له في كل مرة يقدم فيها على ما يعتبرونه تحديا من قبله.
وقال عادل الشجاع، عضو اللجنة العامة في حزب صالح في تصريح لـ”العرب” إن لدى الحوثيين رغبة بتفجير الوضع في صنعاء نتيجة تآكل شعبيتهم وشعورهم المتزايد بقرب نهايتهم، وأنهم يريدون خلق فوضى يعتقدون أنهم يستطيعون العيش في كنفها.
ووصف الكاتب والسياسي اليمني علي البخيتي ما حدث بأنه تطور خطير. وقال في تصريح لـ”العرب” إن اقتحام الحوثيين لجامع الصالح، ومحاولة اقتحام منزل طارق صالح، وفرض حصار على المنطقة التي يقيم فيها الرئيس السابق، واستحداث نقاط تحاصر المناطق القبلية التي يُعتقد أنها موالية له، يُعد الفصل قبل الأخير من معركة الحوثيين مع صالح، إذا لم يعلن الولاء المطلق للجماعة.
ونوه البخيتي إلى أن مشكلة صالح تكمن في أنه سيستمر في إنكار أن هناك أزمة مع الحوثيين، والادعاء بأن الإعلام والإعلاميين هم السبب، إلى أن تصل نيرانهم الصديقة له، وعندها لن يكون أمامه متسع من الوقت لحشد أتباعه للدفاع عنه.
صحيفة العرب اللندنية