تتسارع وتيرة الاحداث السياسية في العراق، حيث بدأت ملامح نشاطات وتحركات الكتل والاحزاب السياسية للتهيئة للانتخابات المقبل التي من المقرر اجراؤها في منتصف أيار العام الحالي، ولكن اللافت للنظر هو عملية تشكيل تكتلات وقوائم انتخابية مدعومة من أطراف اقليمية معروفة بعلاقتها مع فصائل مسلحة داخل العراق. وهنا بالتحديد نشير الى القائمة السياسية التي تتكون منها العديد من التشكيلات العسكرية المحسوبة على قيادات الحشد الشعبي التي شاركت في مواجهة الارهاب وأدواته طيلة الثلاث سنوات الماضية التي شهدت النزاعات العسكرية بين القوات الامنية وعناصر داعش في عموم المناطق التي تمت السيطرة عليها من قبل التنظيم .
ان المواجهة الاساسية التي يسعى اليها القائمون على هذه التشكيلات هي اعطاء صورة واضحة عن أهدافهم وتصوراتهم للمرحلة المقبلة من الحياة السياسية في العراق فهم يرون أنهم بعد أن تمكنوا من مواجهة الارهاب أصبح لديهم استحقاق سياسي في ادارة شؤون الدولة والسيطرة على القرارات السياسية والاقتصادية والامنية والاندفاع نحو تحقيق طموحاتهم في تعزيز دورهم في المجتمع العراقي وبسط نفوذهم السياسي وتحقيق غاياتهم في استمرارية تأثيرهم ووجودهم في الميدان .
ومن تلك الاهداف والمضامين الاساسية للدوافع الرئيسة التي تسعى اليها هذه التشكيلات العسكرية من اتحادها في قائمة انتخابية ما يلي:
1. ترى بعض كتائب الحشد الشعبي وقادته الذين واجهوا الارهاب وأدواته أن باستطاعتهم مواصلة عملهم وجهدهم في البناء السياسي وادارة دفة الحكم في العراق بعد أن أسست الكتائب لمعايير وأهداف ميدانية أدت الى عودة هيمنة الدولة وبسط نفوذها على جميع المناطق التي استولى عليها داعش منذ ثلاث سنوات وهي بهذا ترى انها الأجدر بقيادة البلد مستقبلا والأحق في الحفاظ على المكتسبات والانجازات العسكرية التي تراها أنها تحققت بتضحيات كتائب الحشد الشعبي وهيئاته وقتالها .
2.بغية تحقيق الهدف السياسي بمشاركة بعض قادة الحشد الشعبي في الانتخابات المقبلة آثر العديد منهم ترك العمل أو الاستقالة من مهامه القتالية والتعبوية ليتفرغ لتحقيق طموحاته السياسية ومراعاة توجيهات رئاسة الوزارة بعدم السماح بمشاركة أي تكتل أو حزب سياسي في العراق بالانتخابات المقبلة اذا كان لديه أجنحة عسكرية مقاتلة .
3.تعزيز الجانب الريادي في توجيه هيئات الحشد الشعبي وتشكيلاته للراغبين في الانخراط بالعملية السياسية والمشاركة في تكوين قوائم انتخابية موحدة تشمل جميع القيادات العسكرية والميدانية للحشد الشعبي وبهذا تستطيع أن تشكل لها عمقا استراتيجيا وميدانيا على الارض معتمدة على مقاتليها المنضوين في تشكيلاتها العسكرية مع الاستناد للتضحيات التي قدمها على الارض واعتمادها دافعا اساسا يحقق لها التفوق الانتخابي.
4.تحاول قيادات هذه التشكيلات اعتماد الاساس في تكوين كتلها السياسية وقوائمها الانتخابية على معيار لا يتسم بالطائفية ولا المناطقية وذلك بالاشارة الى مشاركة بعض قادة الحشود العشائرية العربية السنية معها التي قاتلت مع القوات الامنية أو تشكيلات الحشد الشعبي في المناطق التي كان فيها مقاتلو داعش وقياداته .
5.بسبب العلاقة الميدانية التي تربط قيادات هذه التشكيلات العسكرية مع القادة والضباط الايرانيين الذي عملوا مستشارين ميدانين لهم وقدموا لهم جميع التسهيلات العسكرية والتعبوية والاستخباراتية في تنفيذ العديد من الواجبات في جميع محاور القتال ضد داعش في العراق فان القوائم الانتخابية لهذه التشكيلات ستحظى بدعم واسناد سياسي من قبل النظام الايراني تعزيزا لاستمرار فاعليته ودوره معها .
6.ان الاعداد المبكر لهذه الكتل والقوائم السياسية يشكل تنافسا ميدانيا واضحا مع أقطاب سياسية كبيرة ممثلة بالعبادي الذي يسعى لولاية ثانية وبدعم دولي واقليمي وعربي واضح المعالم والدلائل ووجود منافسات لقيادات في أحزاب رئيسة ومنها حزب الدعوة الذي أوضح حقيقة أهدافه وتطلعات قيادته لتولي المالكي لولاية ثالثة أخرى وسينعكس هذا التنافس بين جميع هذه القوى على طبيعة الحياة السياسية المقبلة في العراق واستمرار العلاقة بين الاحزاب والكتل السياسية الاخرى المنضوية في التحالف الوطني وتحديدا العلاقة مع كتلة دولة القانون حيث لا يزال رئيس الوزراء حيدر العبادي أحد قادتها الرئيسيين .
ان هذه القراءة الميدانية والرؤية السياسية للاحداث التي تتسارع في العراق تجعل من الممكن النظر الى مستقبل التحالفات السياسية المقبلة بأنها ستؤدي الى انقسامات واختلافات هدفها الهيمنة والسيطرة على القرار السياسي السياسي العراقي لفترة 4 سنوات مقبلة وتشكيل أحزاب سياسية جديدة قياداتها كانت تمثل الدعامات الرئيسية في تشكيلاتها السابقة .
وهنا نشير الى امكانية تحرر العبادي من هيمنة حزب الدعوة وسطوته ونفوذ كتلة دولة القانون؛ لينفرد بتشكيل سياسي جديد تسانده وتدعمه كتل واحزاب سياسية أخرى لولاية ثانية، أم سنرى ابتعاد المالكي عن الحياة السياسية المقبلة بسبب أفول تأثيره وانعدام تحالفاته السياسية؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية