د.سليم محمد الزعنون*
يُشكل إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ابتعاداً عن سياسة الولايات المتحدة التي استمرت 70 عاماً تقريباً، وسيدفع هذا الإعلان باتجاه إعادة تشكيل ثلاث مسارات مختلفة، المستوى الرسمي الفلسطيني، والمستوى الشعبي والفصائل الفلسطينية، وتنظيمات الجهاد العالمي.
المسار الأول: المستوى الفلسطيني الرسمي.
سياسياً الإعلان يضع الرئيس عباس في وضع أصعب، خاصة أن وضعه السياسي صعب أصلاً؛ حيث يدير عملية مصالحة مع منافسيه في حركة حماس، ويواجه شعبياً فقداناً للمصداقية وتشكيكاً في قيادته، وفي دور واشنطن كفاعل نزيه في العملية السياسية، نظراً لذلك فإن السلطة الفلسطينية ستتخذ خطوات لاسترضاء الشارع الفلسطيني، وتجنب هجوم المعارضة عليها، وفي هذا السياق سوف تعمل السلطة الفلسطينية في ثلاث اتجاهات:
العملية السياسية، تتبنى خلال المرحلة المقبلة موقفاً أكثر تشدداً تجاه عملية السلام، فلا يمكن لأي زعيم فلسطيني القبول بالقرار الأمريكي، دون أي مقابل، وقد أشار “عباس” إلى أن هذا الإجراء يقوض عملية السلام، ويُشكل انسحاباً امريكياً من ممارسة الدور الذى لعبته خلال العقود الماضية فى رعاية عملية السلام.
النشاط الدبلوماسي، العمل المُكثف لتجديد محاولاتها للانضمام كعضو كامل في الامم المتحدة، وستطلب الحصول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية من دول غربية أخرى، وستجدد الخطوات في محكمة الجنايات الدولية ضد جرائم الحرب التي نفذتها اسرائيل، إلى جانب ذلك ستدفع باتجاه تعزيز جهود حركة “BDS” لفضح ممارسات الإحتلال الإسرائيلي، ووقف أشكال التطبيع معه، والمقاطعة الدولية لاسرائيل.
المصالحة الفلسطينية، تبني موقفاً أكثر ليونة تجاه التعامل مع حركة حماس بشأن القضايا المتعثرة، حيث كان موقف عباس متصلباً فيما يتعلق بنزع سلاح الحركة، و رفض إدماح موظفيها في المؤسسات، ودفع رواتبهم ، هذه الأمور سيتم التعامل معها بإيجابية أكبر خلال المرحلة القادمة.
ثانياً: على المستوى الشعبي والفصائل الفلسطينية.
الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل سيدفع الفلسطينين للتحرك في ثلاث اتجاهات:
الفصائل الفلسطينية، ستعمل التنظيمات الفلسطينية، فاليسار الفلسطيني وحركة حماس سيعملا على تسخين الأجواء في الشوارع وتحويل احتفالاتها بذكرى انطلاقتهما إلى سلسلة من أيام الغضب.
وفي ذات الإطار ستعمل القيادة العسكرية لحركة حماس في الداخل والخارج على بذل جهودها لتنفيذ هجمات عسكرية، فالمواجهة العنيفة تجعل المواطنين في غزة ينسى فشل عملية المصالحة مع حركة فتح، إضافة إلى أن إندلاع موجة من العنف سيؤدي لتحسين صورتها التي نشأت في غزة كحركة تحولت إلى المسار السياسي، وتقربت من مصر والسعودية، واختارت سياسة معتدلة تجاه إسرائيل، وتنازلت عن الكفاح المسلح، وتحسباً لذلك أوعز الجيش الإسرائيلي لكسان غلاف غزة بالبقاء على مقربة من الأماكن المحمية، وكثف من نشاطه الأمني في المناطق المحتلة.
حركة الجهاد الإسلامي، ستعتبر الإعلان ذريعة لتنفيذ تهديداتها بالرد على تفجير النفق، ومقتل افرادها، خاصة مع التآكل عوامل الكابحة للرد، كتراجع ضغط حركة حماس عليها لعدم الرد.
العمليات الفردية، انتشرت خلال موجة العنف الأخيرة ظاهرة العمليات الفردية الارتجالية، كثير من الأحداث كالطعن واستخدام الاسلحة الارتجالية كانت تتم بشكل فردي وغير تنظيمي، ومن المحتمل أن ترتفع وتيرة الأعمال الفردية.
الصراع الديني، ستعمل القيادات الدينية في القدس على قيادة الاحتجاجات الشعبية، لإن الأزمة السياسية حصلت بالفعل على وجه ديني، كما حدث ضد البوابات الالكترونية، حيث أن القيادة الدينية تتمتع بمصداقية عالية وتؤثر على الشارع أكثر من القيادة السياسية، هذا الخيار سيكون مدعوم من السلطة، بحيث تعمل على إداة حادث عنيف خاضع للسيطرة ولا يصل إلى حالة الفوضى.
ثالثاً: على مستوى تنظيمات الجهاد العالمي.
سيشكل الإعلان بيئة خصبة للتنظيمات المتطرفة للتعبئة والتجنيد، فالطالما وظفت التنظيمات المرتبطة بأفكار ورؤى تنظيم القاعدة القضية الفلسطينية كذريعة للعمل وتنفيذ هجمات إرهابية على المستوى المحلي والإقليمي الدولي، مستهدفة المصالح الغربية والإسرائيلية.
وفي ذات الاطار سيعمل تنظيم “داعش” ولاية سيناء وفي ضوء هزيمته في سوريا والعراق وانحصار نفوذه المكاني والاقتصادي، على توظيف الاعلان كأدة للاستنهاض مركزها شيناء، بحيث يعمل على شن هجمات على إسرائيل انطلاقاً من سيناء، ومحاولة تنفيذ عمليات ضد السُياح الإسرائيلين في سيناء.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية